احتلت السياسة الخارجية الإماراتية فعلاً فوضوياً في النظام الإقليمي بعد ثورات الربيع العربي التي انطلقت في البلدان العربية (مصر- تونس – ليبيا – اليمن – سوريا ) وترمق سياسة النظام الإماراتي بعد اندلاع الثورات وسقوط الأنظمة الدكتاتورية لمحاولة إعادتها للحكم من جديد فيما ترى أن بقاء تلك الأنظمة هو الخيار الأمثل لبقائها دون دراسة جدوى سياسية لعلاقتها الدولية والتي تضع نفسها موقف زارع الشوك ليجني الجراح.
وبالمثل عملت الإمارات في سياستها الخارجية على دعم الدول المناهضة للإسلاميين –بشكل واضح – فدعمت فرنسا في حربها ضد الإسلاميين في مالي بالرغم أنه لا مصالح إستراتيجية للخارجية الإماراتية في دولة مالي أو بدعم الطيران الفرنسي بضرب المعارضين – المسلحين –الإسلاميين ، بعكس فرنسا التي تمتلك مصالح إستراتيجية كون مالي تحت الوصاية الفرنسية حتى اللحظة.
ولعل القرض الذي تعطيه الإمارات لـ”صربيا” المقدر بثلاثة مليارات يورو ، يأتي تتويجاً واستكمالا لسياسة الخارجية الإماراتية في توجيه الأموال السائلة لدول خارجية في ظل مواجهة دبي لأزمة عالمية طاحنة وبحسب تقرير عالمي اقتصادي فقط تراجعت دبي إلى المرتبة 48 مقارنة بأبوظبي رقم” 1 “في الاقتصاد ؛ففي ظل خلل التركيبة السكانية التي تعاني منها الإمارات فإن مشكلة الخلل الاقتصادي بين الإمارات تضاف إلى مجموعة الأزمات التي تعاني منها الإمارات بسبب السياسة الخاطئة التي تتبع في التعامل مع الدول الخارجية.
وبالعودة إلى الربيع العربي فالتجربة المصرية وعمق التدخل الإماراتي في الشأن الداخلي المصري مثير للريبة والسخرية في آن ، فالعسكر في مصر قاموا بتحويل الإمارات إلى بقرة حلوب للخروج من أزماتهم التي صنعها العسكر مع شعبهم؛ فهي مثيرة للسخرية من الإمارات ، ومثيرة للريبة أن الإمارات تدفع مليارات الدولارات دون سياسة واضحة ومصالح لذلك التمويل المرعب للانقلاب في مصر ويمكن أن نشير إلى أن المسألة تتعلق بعداء أشخاص فقط للتيارات الإسلامية جعلت ذلك التمويل – دون رقابة شعبية- يدخل مخازن الانقلابيين دون قراءة سياسية لما سيجلبه ذلك التمويل من
عداء للشعب الإماراتي وللدولة وشيوخها.
إن السياسة الخارجية الإماراتية المتخبطة تجاه الديمقراطية وتجاه الربيع العربي سيجلب عليها حمى عداء شعبوي لا يمكن أن تتخلص منه الدولة في وقت بسيط ولتحديد حالة الخطورة الخارجية على الدولة يمكن التكهن بما يحدث في مصر وتأثيرها على السياسة الإماراتية:-
ففي حالة استمرار المرحلة في مصر على هذا المنحى- مظاهرات وتعنت العسكر- وأوقفت الإمارات التمويل المالي على الانقلابيين في مصر فكيف ستسير العلاقات الخارجية مع الدولة المصرية؟!! ولعل خيار إيقاف التمويل مرجح فتحذير المتحدث باسم رئيس الدولة الإماراتية لرئيس حكومة الانقلاب الببلاوي خلال زيارته للإمارات تصب في هذا الخيار فأخبره أن” ستتغير السياسة الخارجية للانقلاب تجاه الإمارات وستوقف حفلات الرقص والتكريم لسفراء الإمارات من قبل سفارات مصر في الخارج ، وسيتوقف معها حالة التقارب الجيوسياسي وستتضرر المشاريع الاقتصادية التي تبنيها الدولة في مصر ، وسيتنكر الانقلابيين – كما يجري العادة – لجميل الإمارات بتمويل انقلابهم لأن الإمارات أوصلتهم إلى منتصف الانقلاب – حد قول أحدهم – وتركتهم في مواجهة الشعب الذي باتت خيارته أكثر ضيقاً بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة على الشارع المصري!!. وعندها ستكون السياسة الخارجية الإماراتية قد فقدت الانقلابيين وفقدت معها الشارع المصري.
ونفترض مثلاً نجح الانقلاب العسكري – وهو احتمال ضئيل جداً – فالسياسة الخارجية الإماراتية تظن أن مصر ستكون تحت طلب الإمارات ؛ وهو ظن باطل إذا ما راجعنا قواميس الانقلابات وإنكار الانقلابيين للدول التي ساندتهم ؛ويمكن مراجعة الانقلاب العسكري في رومانيا 1989م ، والانقلاب العسكري في تشيلي 1971،وانقلاب الأرجنتين في 1973م فكانت كل تلك الانقلابات ضد رؤساء منتخبون من قبل شعوبهم (تشيل – الأرجنتين – البرازيل) تتم تحت وصاية أمريكية لوقف التمدد اليساري في أمريكا اللاتينية لكن سرعان ما تُنكر قيادات الانقلاب لذلك الدعم بعد وصولهم عن طريق تزوير الانتخابات إلى سدة الحكم ؛ويمكن أن نلاحظ الدعم العسكري الذي أعطته بريطانيا ضد لنجاح الانقلاب العسكري في مصر 1952م ؛ لكن سرعان ما تنكر لتمويل الأمريكان والبريطانيين مع انقلاب 54م ضد الرئيس المصري الشرعي محمد نجيب، وبدء التنسيق مع محور الإتحاد السوفيتي.
وفي حال نجح الانقلاب العسكري-كما تأمل السلطات الإماراتية- فإنها لن تجني من وراء تمويلها سوى المتاعب فقط ، وسيحاول الانقلابين إرضاء بأي طريقة والتخلي عن كل حلفاءهم في الانقلاب من أجل إعطاء صبغة ثورية من الداخل المصري والزعم أنه ثورة مع البدء بأول انتخابات سيترشح خلالها الفريق أول عبدالفتاح السويسي ؛ فالإمارات ستكون خاسرة في هذه الحالة للشارع المصري وخاسرة أيضاً للانقلابيين فسيتحركون في سياستهم الخارجية بطرق ملتوية حتى لا يحدثون شرخاً مع الشارع.
وسيبدي الانقلابيين تحوطهم من الإمارات خوفاً من دعم تيار آخر –غير الإسلاميين – للانقلاب على الحكم العسكري ؛ ولذلك ستبدأ مرحلة خطيرة من عدم الثقة بين الانقلابيين والسلطات الإماراتية.
وفي حال فشل الانقلاب العسكري وعادت الديمقراطية في مصر وعاد الإسلاميون ؛ ستذبح فوضى السياسة الخارجية الإماراتية أي علاقات جديدة مع مصر ، وتتوتر العلاقات المصرية-الإماراتية ، تماماً كما حدث مع العلاقات المصرية- الإيرانية حين أطلقت السلطات الإيرانية بدون وعيّ على أحد شوارعها اسم (خالد الأسلمولي ) الذي أغتال الرئيس المصري أنور السادات.