تأسست شركة سعودي أوجيه في العام 1978 على يد رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري، وأصبحت لعائلته بعد اغتياله في الحادثة المشهورة في 14 شباط/ فبراير في العام 2005. تركز نشاط الشركة في البداية على المقاولات والأشغال العامة في السعودية ومن ثم بدأت تعمل في مجالات أخرى شملت الاتصالات والطباعة وخدمات الكمبيوتر، وتوسعت لتعمل خارج السعودية، في أوروبا ودول الخليج، وتملك أسهم في شركات مختلفة في العالم العربي، وقد بلغت إيراداتها في العام 2010 نحو ثمانية مليارات دولار.
الشركة تعتبر أحد الشركات العقارية العملاقة في السعودية والتي أوكل لها بناء مختلف المرافق في الدولة من منشآت الدفاع ومدراس ومشافي وطرقات وجسور وغيرها، تنفيذًا لخطط التنمية الكبرى وتطوير البنية التحتية التي تبنتها السعودية في العقود الفائتة.
وقد حظيت الشركة بعلاقة مقربة مع الحكومة السعودية منذ تأسيسها، حيث ساعدت علاقات رفيق الحريري القوية مع الأمراء في الدولة في أن تصبح الشركة الخيار الأول لتنفيذ المشروعات الكبيرة بالإضافة لـ “مجموعة بن لادن” السعودية.
كان العام الحالي الأصعب على الشركة بعدما تعرضت له من هزات مالية متتالية، والتي قد تنتهي بانهيار الشركة بالكامل. فقد أنهت الحكومة السعودية محادثات مع الشركة كانت تهدف لإنقاذ الشركة. ما قد تواجه إعادة هيكلة الديون الكبيرة لتفادي الانهيار حيث تدين للبنوك بنحو 12.7 مليار دولار.
بلغ عدد الشكاوى التي رفعها موظفو الشركة ضدها بسبب تأخر الرواتب مدة 9 أشهر، ما يقرب من 31 ألف دعوى
هبوط أسعار النفط، قسم ظهر الشركة التي تعتمد بالأساس على العقود التي توردها الحكومة السعودية لها، فعقب انخفاض أسعار النفط في العام 2014 تأثر قطاع المقاولات في السعودية بشكل كبير وكانت سعودي أوجيه من أكثر المتأثرين، بسبب اعتمادها شبه الكامل على العقود الحكومية بشكل خاص. فالحكومة اعتمدت تخفيضًا حادًا للإنفاق الحكومي بالعموم ولقطاع المقاولات بشكل كبير، حيث بدأت تتخذ إجراءات معينة من شأنها التكيف مع انخفاض إيرادات الميزانية، بهدف السيطرة على عجز الموازنة المالية الذي تواجهه الحكومة للمرة الأولى.
انهيار الشركة
تأخر حصول الشركة على أموالها من الحكومة المدينة لها بنحو 30 مليار ريال أي ما يعادل 8 مليارات دولار عن الأعمال التي نفذتها الشركة، حيث لم تسدد وزارة المالية منذ نحو العام مستحقات مشروع حكومي بمليارات الريالات يُعمل به بالإضافة لمستحقات أخرى تقدر بمليارات الريالات. وذلك جراء ما تعرضت له الحكومة من ضغوط مالية بعد هبوط إيراداتها من بيع النفط.
ومع تأخر الحصول على تلك الأموال سعت الشركة لسداد التزاماتها المالية من قروض ومسحقات لموردين ومقاولين، ورواتب موظفين متأخرة وعلاوات ومكافآت نهاية العام. حيث تكلفت الشركة نحو 15 مليار ريال من القروض، ونحو 2.5 مليار ريال رواتب متأخرة ومكافآت نهاية الخدمة للعمال، ومليارات أخرى لموردين ومقاولين للشركة.
إنهاء الحكومة السعودية محادثات إنقاذ الشركة، قد يتسبب بانهيارها وحصول صدمة لقطاع البنوك والجهاز المصرفي في البلاد، وللاقتصاد بشكل عام، بحسب تقرير على وكالة رويترز حيث تشكل 15 مليار ريال من الديون المدينة بها الشركة للبنوك السعودية نحو ثلثي الأرباح المجمعة للبنوك في النصف الأول من 2016.
مع الذكر أن شطب تلك البنوك قد لا تأثر كثيرًا بالقطاع البنكي السعودي بسبب ما يتمتع به من استقرار وملاءة مالية عالية، من حيث تدني مستوى الديون غير العاملة. إلا أن الأثر الحقيقي في حال انهيار الشركة سيظهر أولا: في تعثر عشرات الشركات الصغيرة والمقاولين الذين يشكلون نسبة من دائني الشركة حيث تعتمد عليهم في تنفيذ أعمال صغيرة.
وثانيًا: عجر الشركة عن سداد التزاماتها لآلاف العمال من مختلف الجنسيات، الذين يعيشون الآن ظروف صعبة بسبب عجز الشركة عن سداد رواتبهم لمدة وصلت إلى 9 أشهر.
وما زاد الطينة بلة إيقاف وزارة العمل السعودية جميع الخدمات عن الشركة مثل: التأمينات الاجتماعية والجوازات، وهذا زاد من معاناة الموظفين أكثر، وحرم الموظفين الراغبين بالعودة إلى بلدانهم لعدم قدرتهم على تأمين مصاريف وتكاليف سفرهم.
الأثر الآخر العابر للحدود والذي لا يتعلق بالسعودية هو في تيار المستقبل في لبنان والذي يرأسه سعد الحريري، فالشركة تعد المحرك المالي لتيار المسنقبل، حيث أكد محللون أن الأزمة المالية التي تعاني منها شركة سعودي أوجيه والتي تملكها عائلة الحريري، ألقت بظلالها على الخارطة السياسية في لبنان، حيث أدت أزمة الشركة إلى تسريح موظفين من تيار المستقبل بهدف ضبط التكاليف.
يبلغ عدد العاملين في سعودي أوجيه نحو 58 ألف عامل نسبة السعوديين منهم بلغت نحو 23%.
في الوقت الذي يرى خصوم الحريري أن مشاكله المالية تنذر بأفول نجمه السياسي، وضعف تمثيل السنة في الساحة السياسية في لبنان. فالعلاقة بين الرياض وعائلة الحريري، لم تعد كما في السابق وكذا أيضًا العلاقة بين لبنان والسعودية حيث سمح الجمود السياسي في بيروت بتنامي دور حزب الله المدعوم من قبل إيران وتزايد نفوده السياسي هناك. في الوقت الذي أوقفت فيه السعودية مساعدات مالية للجيش اللبناني تقدر بـ 4 مليارات دولار بسبب تزايد النفوذ الإيراني في لبنان، العدو اللدود للسعودية.
إعادة الهيكة آخر الحلول
تواجه الشركة اليوم خيارات صعبة لتصحيح وضعها المالي أمام دائنيها من البنوك السعودية والأجنبية، وقد سبق مناقشة العديد من الخيارات في المفاوضات التي جرت بين الحكومة والشركة، حيث تم طرح خيارات مثل شراء الحكومة حصة في الشركة، وبيع الأصول العقارية أو حصة في “أوجيه” إلى شركة مقاولات سعودية أخرى هي شركة “نسما” إلا أن تلك الخيارات تم نبذها من قبل الحكومة بدون ذكر أسباب.
وبحسب ما ورد أيضًا في تقرير رويترز فإن أحد الخيارات المطروحة كانت بيع حصص استثمارية للشركة في شركات أخرى حيث تمتلك أوجيه أسهم شركة “أوجيه تليكوم” لاتصالات الهاتف المحمول، وأغلبية أسهم في “ترك تليكوم” و”سل سي” في جنوب افريقيا، إلى جانب حصة 20 % في البنك العربي الوطني.
وفي حال إغلاق الحكومة الباب أمام الشركة نهائيًا، فإنها ستتجه لخيار إعادة هيكلة ديونها وهو الخيار الأرجح أمامها لذا من المرجح أن تطلب الشركة من البنوك الدائنة لها توقيع اتفاق لتجميد الديون يحول دون اتخاذ أي إجراءات قضائية بحقها، ويسمح من جهة أخرى ببدء مفاوضات إعادة الهيكلة في وقت لاحق من العام الحالي بعد تعيين مستشارين لذلك.
وقد عمدت مجموعة سامبا المالية في يوليو/تموز الماضي كأول بنك دائن للشركة وويحتل المرتبة الثانية بين الدائنين، بعد البنك الأهلي التجاري السعودي، للجوء للمحاكم للحصول على حكم قضائي بحق الشركة لاستعادة مستحقاته المالية. ومن المرجح وجود بنوك عربية لبنانية وخليجية أخرى أقرضت الشركة أيضًا بقروض تقدر قيمتها بنحو 1.03 مليار دولار يحل موعد استحقاقه في فبراير/شباط المقبل.