تنطوي الذاكرة السياسية بالمغرب، على تجربة مريرة مع بعض الأحزاب السياسية كونها لم تستطع أن تنتقل بالشعب إلى مرحلة أعلى من الحياة الحرة، خلافًا للأحزاب السياسية في المجتمعات المتطورة، وأعتقد أن الماكينة الديمقراطية المغربية توجد بها الكثير من الاختلالات التي أفقدتها مصداقيتها، فباتت خردة، بسبب عدم توفر الأحزاب المغربية على برامج مكتوبة ومسطرة، قابلة للتنفيذ، وعدم التزامها بالوعود الانتخابية، والاستهتار بالناخبين (تحالف PAM-PJD) خلال انتخابات 04 سبتمبر 2015، وغيرها من المظاهر السلبية العديدة.
إن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، تقتضي أن يسارع النظام السياسي المغربي، إلى اتخاذ تدابير ووضع آليات وميكانيزمات من أجل إصلاح عطل الماكينة الديمقراطية المغربية (إلى بغاو)، وقد تكون من بين تلك الآليات مثلاً إجبار الأحزاب على إعلان تحالفاتها قبل الانتخابات، تفاديًا لتصدعها خلال ولايتها، وتقديم برامجها مكتوبة ومسطرة وقابلة للتنفيذ، لجلالة الملك، للنظر والبث فيها قبل الانتخابات، ثم عرضها على الشعب المغربي في حملاتها الانتخابية، لتكون بمثابة “مخطط خماسي” أو “Contrat Programme”، تتحمل الأحزاب المتحالفة المتوافقة عليه، مسؤولية تنزيل البرنامج على أرض الواقع أمام الملك والشعب المغربي، وفي هذه الحالة، سيكون دور الملك، ضمانًا ومحددًا رئيسيًا، لإصلاح عطل هذه الماكينة الديمقراطية المغربية.
وذلك حتى لا تروج نظريات سياسية أخرى من قبيل أنه ليس في السياسة ثوابت أو نهائيات وأن كل شيء قابل للتحول والتسييل وتدوير الزوايا توسلاً لتحصيل الأهداف والطموحات وأن السياسة بلا أخلاق وأن سياسيين كثر قادرون على توسل القذارة وارتكاب الموبقات للوصول إلى ما خططوا له.
الوضع السياسي الراهن بالمغرب
يبدو أن القرار الذي اتخذته وزارة الداخلية والمتعلق بتخفيض العتبة، سيكون له تداعيات كبرى على المشهد السياسي وسيطيح بقوى سياسية نهائيًا أو على الأقل تقزيمها ويعيد الأمور إلى نصابها وتعود بعض قوى الظلام والاستبداد والتحكم إلى حجمها الحقيقي الطبيعي، وأقصد هنا حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، وبهذا يكون المغرب قد سار عكس الدول الديمقراطية والتي تختار رفع العتبة من أجل أن يعاقب الشعب الحزب الذي لم يلتزم بقراراته كما حدث مع حزب FDP في ألمانيا بعد أن رماه الشعب خارج البرلمان كعقاب.
أما في السابع من أكتوبر المقبل، كل المؤشرات تشير إلى أن المرتبة الأولى ستكون من نصيب حزب الأصالة والمعاصرة، أما حزب العدالة والتنمية فسيحصل على المرتبة الثانية، وهو الشيء الذي قد يسبب أزمة سياسية في المغرب، حيث سيحصلان على عدد متقارب من المقاعد، بعد ذلك سيتدخل الملك لحل الأزمة السياسية وسيشكل العماري حكومته الجديدة مع البيجيدي.
وبهذا سيكون المغرب قد سار مرة أخرى على مقولة تاريخية تقول بأن السياسة هي فن الممكن، هذه النظرية التي تمت صياغتها على قاعدة أن السياسي لا يمكن أن يتجاوز الوقائع القائمة وبالتالي عليه أن يحصّل ما أمكن الحصول عليه وخسارة ما يمكن خسارته.
أما بالنسبة للمواطن الذي ملَّ من إسطوانة التحالفات التوافقية وماكياج الديمقراطية المزيفة، فإن الربح والخسارة يقاسان بمقدار استفادته من العمل السياسي والتنافس حول الأفضل بغض النظر عن وصول هذا وذاك، وهذا يفترض بأن يكون الصراع بين الأحزاب صراعًا حول برامج مختلفة وقابلة للتنفيذ ومتفاضلة في القيمة والفائدة، أما أن يكون العمل الحزبي غير هادف ولا مفيد ولا يعدو أن يكون تلاعبًا بالشعارات وترويج الوهم فسواء وصل هذا أو ذاك فنفس الشيء.
لكن عليكم أيها المغاربة أن تعلموا أنه ما لم تنخرط الأغلبية الصامتة في اللعبة السياسية فلن تكون هناك أحزاب قوية تجسد إرادة معظم المغاربة، أما الأحزاب الحالية فهي أحزاب تقليدية مازالت تعمل بالطريقة العتيقة، وأغلبيتها انفض الناس من حولها ولم تعد قادرة على تلبية تطلعات الشباب المغربي ولا على أي إنجازات استراتيجية مهمة تهم البلد، لن يقنعنا بنكيران أو العماري هذه المرة ولن يضحكوا على ذقوننا، فقد انكشفت لعبة البام وانكشف القناع الديني للبيجيدي.
ونحن في حاجة لأطر حزببة طموحة مخلصة وديمقراطية، أما هذه الديناصورات والعفاريت والتماسيح، وبرامجها وكلامها الفارغ، فإلى مزبلة التاريخ.