ترجمة وتحرير نون بوست
“منذ أن اندلع العنف في أصغر دول العالم عمرا قبل حوالي أسبوعين، كان أحد الأصوات الأولى التي تحدثت عن الأمر، وحتى قبل الرئيس الأمريكي أو أمين عام الأمم المتحدة، كان نجم هوليوود الأمريكي جورج كلوني. لم يكن هناك شيء “اعتراضي” في نصيحته التي أسداها، والتي كانت بخصوص تدخل سريع للأمم المتحدة والتي – على الرغم من نزوح عشرات الآلاف من المواطنين هربا من فرق الموت ذات الدوافع الطائفية- كانت أيضا بخصوص الفرص العظيمة في جنوب السودان.”
هكذا بدأ الكاتب دانيل هودن مقاله الذي نشرته صحيفة الغارديان أمس السبت عن “كيف وقع نجوم هوليود في كذبة جنوب السودان الكبيرة” الذي يشير فيه إلى أولئك الذين فشلوا في فهم الواقع المرعب في الدولة ذات العامين ونصف العام.
الدولة الوليدة التي أغرقها المشاهير بشكل لم يحدث في أي دولة أخرى، كما فعل جورج كلوني، مات ديلون، ودون تشيدل الذين زاروا جنوب السودان بشكل دوري واستخدموا سلطاتهم المعنوية لوضع الرأي العام العالمي بجانب تلك الدولة الصاعدة.
من غير المثير للدهشة كيف أثر النجوم في دعم السردية البسيطة التي تقول أن الجنوب خاض معركة دامية من أجل الاستقلال استمرت لمدة عامين ضد الشمال الإسلامي الذي يقوده مجرم حرب مدان، تكلفة تلك الحرب بلغت أكثر من مليوني حياة، ما يعني أن الجنوب سيكون بحاجة إلى دعم كبير لرفعه من المستوى الذي يعيشه إلى نوعية أخرى من الحياة.
أما التهديد الذي ساقه النجوم في هذه القصة فقد كان نظام الخرطوم، الذي من شأنه أن يفعل كل ما يستطيع لتقويض السلطة الانصالية في الجنوب، أو حتى أن يحارب من جديد لاستعادة حقوله النفطية المفقودة.
لكن هذا السرد كان معيبا للغاية، جزء من ذلك كان بسبب سوء الفهم المتعمد، وجزء منه بسبب الحقيقة المؤلمة، وقد لا يكون هذا بالأهمية الكبيرة إذا كان متعلقا بالرأي العام فقط، لكن الأمر كان متعلقا ببناء الدولة ذاتها.
ويمضي الكاتب في الحديث عن كيف أن السردية وصلت إلى الولايات المتحدة من قبل المبشرين الإنجليين مثل بيلي غراهام الذي صور المعركة على أنها معركة بطولية بين الأقلية المسيحية المستضعفة وبين العدو القوي العربي المسلم. لكن الحقيقة أن الفواصل الدينية والجغرافية بين الجهات المتناحرة لم تكن أبدا بهذا الوضوح، الجيش الشعبي لتحرير السودان تحت قيادة جون جارانغ الكاريزمية لم يكن يحارب الجيش الوطني السوداني في الشمال، ولم يكن يحارب أصلا من أجل استقلال السودان الجنوبي، لكنه كان يحارب من أجل سودان جديد ديمقراطي!
جيش جون جارانغ الذي جاء من الجنوب من حدود أبعد كثيرا عن الحدود التي رُسمت لاحقا بين الدولة الجديدة والسودان الأم، كان يحارب ميليشيا مسلحة جاءت هي الأخرى من القبائل الجنوبية الكبيرة مثل الدينكا والنوير، التي كانت منها كذلك قيادات جيش جارانغ.
لقد حدث الكثير من القتال والقتل في الجنوب، ربما في بعض الأحيان بتمويل وتشجيع من الشمال، وهذا عنى أن الدولة الجديدة التي ستُبنى في هذه الظروف ستكون دوما مسرحا للحرب.
السعي للانفصال جعل الاعتراف بالحقائق أكثر صعوبة، مثل الانقسامات الطائفية في الجنوب، وخلق الحاجة إلى كذبة كبيرة كما يسميها مسؤول كبير في الأمم المتحدة إذ يقول “الكذبة الكبرى هي أنه لم تكن هناك مشكلة عرقية في جنوب السودان، إنما مشكلة سياسية”
القابلة التي ساهمت في ولادة الدولة الجديدة كانت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، لكن في حين تم الإعلان عن خطط لتسريح الميليشيات ونزع السلاح، إلا أنه لم يُفعل شيء يُذكر من أجل الحفاظ على السلام كتشكيل جيش وطني أو تكسير الولاءات القديمة للميليشيات.
لقد أصبح الجيش الشعبي مجرد خيمة كبيرة تجتمع فيها ميليشيات لا يوجد بينها أي قواسم مشتركة، لا تدريب ولا هوية، والسبب الوحيد لبقائها في الجيش هو الحصول على المال.
لقد تم تجاهل الخلل الضخم في حكومة جنوب السودان بشكل كامل منذ الانفصال في ٢٠١١. لقد اتهم الرئيس سيلفا كير حكومته -نعم حكومته هو- بنهب ٤ مليارات دولار من الأصول المملوكة للدولة ومن أموال المساعدات الأجنبية. ولم تفعل الأمم المتحدة أي شيء.
يرى النقاد أن التركيز الذي انصب على الديمقراطية وحقوق الإنسان كان يجب أن يُوجه إلى أدوات السلطة والأمن مثل الجيش والآليات التنفيذية للحكومة.
بعد سنوات من الإنكار من قبل المجتمع الدولي، لا يبدو أن هناك سبيلا للخروج من تكرار دائرة الحروب مرة أخرى هي جولة من دفع الأموال للقادة العسكريين والعودة للمربع الأول لبناء الدولة، مع اعتراف واضح بإخفاقات الماضي.