ترجمة وتحرير نون بوست
نقل تقرير صحفي حادثة تعلقت بطرد امرأتين مسلمتين تعملان لفائدة الحكومة الأمريكية من طائرة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية، وقد أكد موظفو الشركة أن حادثة الطرد تأتي في إطار تطبيقهم لإجراءات السلامة، لكن ما حدث لا يشير إلا لمعاملة عنصرية، وأنا متأكدة من ذلك، فقد كنت إحدى هاتين المرأتين، وقد تم طردنا من الطائرة فقط لأننا طلبنا الماء، وسألنا عن سبب انتظارنا في الطائرة لأكثر من خمس ساعات، قبل انطلاقها.
وقد كانت الحادثة مهينة، لكنها جعلتني أدرك مدى شيوع مثل هذه الحوادث في الآونة الأخيرة، وعادة ما يتم طرد المسلمين من الطائرات لأسباب غير مقنعة مثل طلب الماء، والتحدث بلغة أجنبية، وطلب تغيير المقعد، والتقاط الصور، وتصوير مقاطع فيديو أو التساؤل عن سبب التأخير، في الحقيقة، لا يتعلق الأمر بي فقط، أو بصديقتي، لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فما يحدث هو دليل على أن العالم يضع المسلمين في حلقة من التمييز بسبب مظاهرهم.
في المقابل، أكدت الخطوط الجوية الأمريكية أنها تمنع “التمييز مهما كان نوعه” وتعمل على ترسيخ “سياسة تشجع على معاملة كل العملاء بطريقة عادلة ولائقة”، وأفادت الشركة أيضًا أن “كل أنواع التمييز، سواء بسبب الجنس أو العرق أو الدين أمر غير مسموح به”، لكن ما حصل لا يعكس هذه الالتزامات التي تدعيها الشركة.
وقد حصلت حادثة مماثلة لشاب سيخي يلبس عمامة، يدعى شان أناند، وقد تم طرده من طائرة مع أصدقائه المسلمين الثلاث، وكانت الطائرة التابعة للخطوط الجوية الأمريكية متجهة إلى نيويورك انطلاقًا من تورنتو، وعندما سألت شان عن هذه الحادثة، أجابني قائلا “نحن نعلم لماذا تم طردنا، أليس كذلك؟”، وكان شان قد سأل شركة الخطوط الجوية الأمريكية عن سبب طردهم من الطائرة، وأجابت الشركة بأن “سفرهم معًا كمجموعة كان أمرًا يثير الارتياب”، لكن هذا التفسير لم يكن مقنعًا.
فشان كان مسافرًا مع 6 آخرين، بينهم اثنين من اللاتينيين وثلاثة من جنوب آسيا وعربي واحد، لكن لم يتم طرد كل الأشخاص الستة جميعهم، فقد استثني اللاتينيون وطرد الآخرون فقط، وتم إخبار شان وأصدقائه بأن تواجدهم في الطائرة جعل طاقم الطائرة يشعرون بعدم الأمان.
وقد كثر استعمال كلمة “غير آمن” في الآونة الأخيرة، وعادة ما يتم استعمالها كمبرر لممارسات شركات الطيران، خاصة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، فكل المسلمين تقريبًا تعرضوا في وقت ما إلى إجراءات أمنية مشددة في المطارات، لكن الطرد من الطائرة يعتبر أسوأ من ذلك بكثير، وهو أمر مهين للغاية.
وكان خرام علي، المسؤول السابق في فرع مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية في نيو جيرسي، قد ذكر أنه يتم منح قائد الطائرة قائمة تحتوي على أسماء المسافرين ويتم وضع علامة “إس إس إس إس” أو “إس” أمام أسماء بعض المسافرين، مما يعني أن هؤلاء المسافرين مروا بإجراءات أمنية ثانوية، رغم أنه من غير المعروف إذا ما كان لمضيفي الطيران الحق في الاطلاع على هذه القائمة، لكن من المؤكد أن بإمكانهم الاطلاع على المعلومات الخاصة بكل المسافرين من خلال قاعدة البيانات الموجودة في حواسيب شركة الطيران.
ورغم عدم وجود معايير واضحة لعملية اختيار المسافرين الذين يخضعون لعملية فحص أمني ثانوية، إلا أن علي وضح قائلاً “إن هذه الإجراءات عادة ما تحدث مع المسافرين الذين يدل مظهرهم على أنهم مسلمون”، وقد وثق علي 27 حادثًا مماثلاً طُرد فيه مسلمون من الطائرة في نيو جيرسي وحدها خلال الفترة القصيرة التي عمل خلالها مع مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، وقد يبدو هذا العدد صادمًا، لكنه ليس صادمًا بقدر العدد الذي سجل على المستوى الوطني.
وكان مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية دقيقًا إلى حد ما في عمليه توثيق مثل هذه الحوادث المبنية على التمييز ضد المسافرين المسلمين، لكن لا زالت هذه المنظمة تعمل على جمع البيانات المتعلقة بهؤلاء المسافرين، وهو ما تحدث عنه كوري سايلور مدير قسم المراقبة ومكافحة معاداة الإسلام في منظمة كير، والذي أكد أن مثل هذه الحوادث لا زالت شائعة وأن المنظمة لم تقم بعد بنشر إحصائيات رسمية.
وتجدر الإشارة إلى أن الإعلام لم يتحدث إلا عن بعض الحالات فقط، فقد ذكرت وسائل الإعلام تسع حالات فقط على مدى الـ 13 شهرًا الماضية، قد لا يكون ذلك كافيًا، لكن بالنظر إلى المواضيع الرائجة في وسائل التواصل الاجتماعي، فإننا ندرك مدى انتشار ظاهرة التمييز ضد المسلمين، خاصة بعد انتشار هاشتاغ “السفر مع المسلمين”.
وقد أكدت شركات الطيران أن حوادث طرد المسلمين كانت بسبب دواع أمنية بحتة، لكن لا يمكننا أن ننكر أن هذه الظاهرة تستهدف فقط المسلمين، وهذه بعض الأمثلة عن حوادث الطرد:
– تم طرد محمد أحمد رضوان لأنه جعل مضيفة الطيران تشعر “بعدم الراحة” عندما سألها عن سبب إعلانها، عبر مكبرات الصوت، أنها “ستراقبه عن كثب”، وذلك في كانون الأول/ ديسمبر 2015 في رحلة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية.
– تم طرد شان أناند (المذكور أعلاه) لأنه يرتدى عمامة وكان مع أصدقاء مسلمين، وذلك في كانون الأول/ ديسمبر 2015 في رحلة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية
– تم طرد خير الدين مخزوم وهو طالب في بيركلي، بعد أن قال كلمة “إن شاء الله” خلال مكالمة هاتفية، وذلك في كانون الأول/ ديسمبر 2015 خلال رحلة لشركة الطيران “ساوث واست”.
– تم طرد حكيمة عبد الله، وهي امرأة محجبة، طلبت تغيير المقاعد مع مسافر آخر، الأمر الذي جعل مضيفة الطيران تشعر بعدم الارتياح، وكان ذلك في نيسان/ أبريل من سنة 2016 في رحلة لشركة الطيران “ساوث واست”.
– تم طرد محمد وإيمان شلبي (ترتدي الحجاب) وأبنائهم الثلاث من رحلة بعد أن طلبوا “حبل تقييد للطفل”، الأمر الذي تم اعتباره مهددًا لأمن الطائرة، وحصلت هذه الحادثة في نيسان /أبريل من سنة 2016 في رحلة تابعة لـ “يونايتد أرلاينز”.
– تم طرد ازيا (ترتدي الحجاب) وفيصل علي، وهما زوجان شابان، من رحلة بسبب تعرق الزوج وتكريره لعبارة “الله” وإرساله لرسائل نصية، وحصل ذلك في شهر تموز/ يوليو من سنة 2016.
هذه ليست إلا أمثلة عن حوادث تم توثيقها، لكن هناك حوادث أخرى لم يتم التطرق إليها، وذلك بسبب خوف الضحايا من أن يتم وضعهم في لائحة “حظر الطيران”، ومثل هذا الصمت عن هذه الحوادث ساعد شركات الطيران على مواصلة معاملة المسلمين بطريقة تعسفية بدعوى تطبيقهم للإجراءات الأمنية التي تم وضعها بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، لكن هذه السياسات ليست فعالة وتجعل المسلمين يشعرون بالتهميش.
فخير الدين الذي اختار مثلاً اسم مارك، لأنه يصعب نطق اسمه من قبل البعض، قال بأن التجربة التي مر بها تجعله يشعر بالحزن، وقد سافر المخزومي إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أعدم والده في العراق من قبل صدام حسين، وأضاف “لقد واجهت الديكتاتورية في العراق والآن أواجهها في الدولة الأكثر حرية في العالم”، فالتمييز الذي واجهه خير الدين في أوكلاند، وكاليفورنيا كان واضحًا وجليًا من خلال طريقة طرده من الطائرة واستجوابه من طرف ممثلي شركة الطيران وأعوان الأمن، وقد تم تفتيشه باستعمال الكلاب وتم أيضًا التحقيق معه من طرف مكتب التحقيقات الفدرالي في مرحلة ثانية، وقد قامت شركة “ساوث واسث” للطيران بطرده لأنه تكلم بالعربية داخل الطائرة، الأمر الذي استنكره ممثلو شركة الطيران قائلين “لماذا تتكلم هذه اللغة رغم قناعتك بما قد يعنيه ذلك”.
وقال خير الدين “كنت متحمسًا لأنني كنت أتحدث عن تخرجي من جامعة بريكلي ولذلك استعملت عبارة “إن شاء الله”، فكما تعلمون، نستعمل تلك الكلمة 30 إلى 40 مرة في أي محادثة، أما بقية المحادثة، فقد تحدث خير الدين خلالها عن عشاء في استضافة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حيث قال خير الدين “كنت أخبر عمي عن العشاء وأخبرته أنهم قدموا لنا الدجاج والبطاطا المهروسة والسبانخ”، لكن مضيفي الطيران، ادعوا فهم اللغة العربية، وأكدوا أنهم سمعوا خير الدين يذكر الشهادة.
شعور عام بالخوف
في هذا السياق، علق سينك يوغور، أحد مؤسسي قناة اليوتيوب “يانغ تركس”، قائلاً إن المسألة تتعدى مجرد معاملة المسلمين بطريقة تعسفية، وتجدر الإشارة إلى أن يوغور كان أيضًا قد تعرض للطرد في رحلة تابعة للخطوط الجوية الأمريكية، لكنه أكد بأن تلك الحادثة لم تكن بسبب الدين، وقال “ما تعرضت له لم يكن بدافع التمييز، فالأمر يتلخص في استغلال السلطة بشكل تعسفي، فالشرطة مثلاً كانت تستعمل سلطتها ضد الأمريكيين من أصول إفريقية، أما الآن فلديهم مبرر لممارسة سلطتهم ضد المسلمين، خاصة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر التي جعلت رجال الأمن ومضيفي الطيران يتبنون سياسة تتخلص في عبارة “أستطيع أن أفعل ما أريد بدعوى الأمن”، حسب رأيي، تكمن المشكلة في منح مضيفي الطيران الحرية المطلقة والسلطة الكاملة للتصرف كما يريدون، لكنهم عادة ما يمارسون سلطتهم ضد الضعفاء، وللأسف فإنه في الولايات المتحدة، كلما كانت بشرتك قاتمة أكثر، كلما كنت أكثر ضعفًا، ويندرج المسلمون ضمن نفس الفئة”.
وأضاف يوغور قائلاً “يكون الأمر أصعب بالنسبة للنساء، خاصة اللاتي يرتدين الحجاب” وقد ألقى يوغور وخير الدين اللوم على دونالد ترامب، مؤكدين أن خطاباته المعادية للإسلام زادت الأوضاع سوءًا.
المصدر: الغارديان