وفق ما صرح به ألكسي دامن، فإنه في إحدى الليالي في مكان بعيد عن موسكو، كان يحرس القصر الرئاسي، أين كان فلاديمير بوتين نائمًا، فإذا بدب يقترب من الموقع، “نظر في عيني ونظرت في عينه” حينها تراجع بحذر، “ففتحت الباب وأفرغت مسدسي بالقرب من قدميه” فانسحب الدب وأصبح الرئيس الروسي في مأمن.
حكى السيد دامن، الحارس الشخصي السابق، الذي بجعبته الكثير من الروايات الحقيقية ليحكيها على مائدة العشاء، رواية مواجهته للدب في شباط/ فبراير، فكانت المكافأة أن أصبح سياسيًا روسيًا هامًا، وفي ذلك الشهر عيّن حاكم على محافظة تولا، التي تبعد مئات الأميال عن العاصمة موسكو.
تولا هي إحدى عواصم الصناعة الحربية الروسية وقد سبق أن أنتجت نسبة هامة من ترسانة روسيا من الأسلحة الصغيرة منذ زمن القيصر، وقد دفن الروائي الروسي توستوي في منزله في هذه المنطقة، على الرغم من ثراء تولا الثقافي والعراقة السياسية، فإن فلاديمير بوتين عجز في أن يعثر لها عن رجل قادر على خدمة المحافظة.
قائد تولا جاء من العدم، كما كشفت سيرته، هذا الرجل ليس له أي فضل سوى خدمة فلاديمير بوتين بصفة حارس شخصي لمدة 15 سنة، ينتخب الحكام في روسيا من قبل سكان المنطقة، ولكن تعقيدات تسمية الحاكم واللجان الانتخابية التي يراقبها الكرملين، تسمح للرئيس بتعيين من يشاء حاكمًا على أي منطقة حتى ولم يسبق له أن زارها ولو بصفة سائح.
لم تعد الجذور المحلية العميقة مطلوبة من بين مواصفات الحاكم في روسيا اليوم، وهو الحال في ستفروبول، منطقة استراتيجية حساسة في القوقاز يحكمها فلاديمير فلاديميروف، شخصية بيروقراطية من جزيرة يامال البعيدة وقد كان المسؤول عن تنظيم الرحلة الشهيرة لفلاديمير بوتين مع أسراب طيور الكركية (كان ذلك قبل أربعة أعوام، عندما زار بوتين يامال، وحلق على متن طائرة شراعية مع طيور الكركية في سيبيريا أثناء هجرتها في فصل الشتاء).
حاكم بسكوف هو أندري تورشاك، ابن شريك بوتين في الجودو عام 1980، كما أن أندري فوروبويوف، حاكم محافظة موسكو، وهو ابن يوري فوروبويوف؛ المقرب من وزير الدفاع سيرغي شوغو، والذي كان يعمل في الحزب الشيوعي السوفياتي في منطقة سيبيريا، هذه الأمثلة لم تعد تفاجئ أي شخص ولكن أن يعين حارس شخصي حاكمًا، فهذا هو الجديد.
في الصور التي عثر عليها الصحفيون بعد تعيين دامن، تبين وقوفه بجانب بوتين وهو يضع سماعة الأذن الخاصة بالحراس الشخصيين، كما شاعت صور أخرى ساخرة حول احتمال أن يصبح حارس شخصي آخر لبوتين حاكمًا لمحافظة من محافظات روسيا، أصبحت هذه النكتة حقيقة في تموز/ يوليو، عندما عيّن يفغيني زينيتشيف، الحارس الشخصي لبوتين سابقًا، حاكمًا على محافظة كاليننغراد، منطقة مفصولة عن روسيا ببولندا ولتوانيا.
بفضل جوارها من الدول الأوروبية، الأمر الذي كان له تأثير كبير على كاليننغراد، (فبولندا ولتوانيا عضوين في حلف الشمال الأطلسي وفي الاتحاد الأوروبي)، عاشت المنطقة تقاليدًا ديمقراطية عريقة منذ عام 1880، لم يمكث أي حاكم للمحافظة أكثر من 5 سنوات، وفي عام 2010، أجبر جورجي بوس على الانسحاب بعد مظاهرات شعبية.
ولكن على ما يبدو أن هذا الحاكم الجديد لا يخاف المظاهرات، فهذا الموقف لا يهمه بقدر ما تهمه علاقاته الطيبة مع الرجل الذي خدمه كحارس شخصي وقدم له هذه المنطقة في مقابل خدماته.
أصبح دمتري ميرونوف، وهو عضو آخر في الجهاز الأمني الخاص ببوتين، حاكمًا على محافظة ياروسلاف، كما عُين فيكتور زولوتوف، وهو حارس شخصي لفلاديمير بوتين لأكثر من 20 سنة، رئيس خدمة الأمن الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين، بقيادة الحرس القومي – وهي خدمة أمنية جديدة تهدف ظاهريًا لمحاربة الإرهاب ولكن في الحقيقة هدفها قمع الاضطرابات الداخلية –.
إن التحول الجزئي لمجموعة من الحراس الشخصيين إلى حكام، كان بمثابة مزحة، ولكن هذا هو منطق عمل السلطويين، عندما تتحول كل السلطة بيد رجل واحد، يصبح مع الوقت أكثر عزلة حتى يستفيق يومًا ما ويكتشف أنه فعلاً لوحده ويزداد اقتناعًا بوحدته وتشككه برفاق السلاح الذين ساعدوه في أول خطوة في عالم السياسة.
في 2013 طلق بوتين زوجته، لا أحد يعلم إن كان له زوجة أم لا، وإن كان، فمن تكون؟ تقول الصحف الإخبارية إن ابنته تعيش في سرية تحت أسماء مختلفة، وإذا أصبح بوتين الآن وحيدًا دون حلفاء سياسيين ولا عائلة تسنده، ولم يتبق له إلا شعبه الذي يراه كل يوم، فلا خيار له إلا أن يثق به، وعمومًا فإن هذا الشعب يتجسد في حارسه الشخصي.
كان النظام السياسي للاتحاد السوفياتي سابقًا، عاجزًا عن تأسيس مؤسسات مستقلة عن الرئاسة، والنظام الآن يسقط ضحية ضعفه إلى درجة أن كل محيطيه هم من الشخصيات شديدة الولاء وليسوا سياسيين، وعندما يعين بوتين كل الحراس الشخصيين ولا يجد أحدًا ليعينه، ربما سيبدأ في تعيين طباخيه وخدمه.
المصدر: نيويورك تايمز