ترجمة وتحرير نون بوست
يأمل الكثير أن تكون قد مرت فترة سنة على الأقل بين حادثة غلق عضو مجلس إدارة فيسبوك، بيتر ثيل، لشركة إعلامية كبيرة بطريقة سرية لأنها لم ترق له وبين الإجراء الذي نفذه المدير التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربرغ، مؤخرًا بخصوص مقالة تخص تاريخ حرب الفيتنام، والذي اعتبرته الجهات المشاركة في هذه المقالة ممارسة جديدة للرقابة.
قد تكون هذه الفترة كافية لإعادة النظر في الإعجاب الذي نكنه لهذه الفئة من المخترعين، الذين خولت لهم إنجازاتهم التمتع بسلطة وفرضها متى وكيف يروق لهم.
تحدث كاتب وصحفي نرويجي، منذ حوالي أسبوعين، عن حظر فيسبوك لصورة شهيرة للمصور نيك أوت، ظهرت فيها طفلة فيتنامية شوهتها الحروق، مجردة من ملابسها، تركض هاربة وهي تصرخ مع مجموعة من الأطفال من هجوم بقنابل النابالم.
إذا كنت ضمن الملايين من الناس الذي تأثروا كثيرًا بهذه الصورة في اللحظة التي نشرت فيها، ربما عليك اليوم المشاركة في الحملة التي تقام اليوم ضد مرتكبي الجرائم الجنسية، تنتمي فكرة هذه الصورة، وظهورها وفوزها بجائزة بوليتزر واعتبارها بالنسبة للعالم من أشهر الصور التي تجسد الحرب، إلى الفترة الزمنية التي سبقت ظهور مارك زوكربرغ والشهرة التي اكتسبها، اعتبرت إدارة فيسبوك صورة نيك أوت مخالفة لقواعد صممت لأجل حجب الصور الإباحية وتلك التي تصور الاعتداءات المسلطة على الأطفال.
قد يعد خضوع هذه الصورة للرقابة لمرة واحدة شيئًا مؤسفًا، ولكن تكرر هذا الإجراء لمرات لا تحصى قد يساهم في تغيير الكثير من المفاهيم حولها، وهذا ما فعله فيسبوك، شهد هذا الإجراء حملة مناهضة للرقابة من قبل عدد كبير من النرويجيين، وذلك بسبب ما لاحظوه من تكرار لهذا الإجراء.
بالإضافة إلى ذلك، كتبت إدارة فيسبوك إلى رئيس تحرير صحيفة “أفتنبوستن”، أكبر صحيفة في النرويج، لأجل إزالة الصورة من صفحة الفيسبوك الخاصة بالصحيفة وقامت بعد ذلك فورًا بإزالتها بنفسها، ساهمت هذه الحملة والضجة التي أنتجتها في عودة هذه الصورة على هذا الموقع الاجتماعي، وكما نجح بيتر ثيل في جعل الفكر التحرري أضحوكة، انتصر مارك في جعل فكرة “دعم حرية التعبير” شيئًا يدعو إلى الضحك.
توجه رئيس تحرير صحيفة أفتنبوستن برسالة إلى مارك زوكربرغ أعرب من خلالها عن أسفه من الإجراء الذي نفذته شركة فيسبوك ودعاه إلى “ضرورة التمييز بين الصور الإباحية التي لا تتوافق مع الشروط وصور الحرب الشهيرة”، وتابع إبسن إيغل هانسن: “أشعر بالاستياء وخيبة الأمل والخوف أيضًا مما ستلحقه بأحد دعائم الديمقراطية، علاوة على ذلك، أشعر بالقلق من المستقبل الذي سيكون فيه فيسبوك المعيق الأول لحرية التعبير بطريقة استبدادية، في الوقت الذي يتوجب عليه أن يدعمها ويحاول توسيع نطاقها.”
وأضاف إسبن إيغل هانسن أن إدارة فيسبوك قامت بحذف صورة نشرتها موظفة في الصحيفة على حسابها في فيسبوك يعود تاريخها إلى الحرب، في الوقت الذي كان فيه يكتب هذه الرسالة، “تستطيع هذه الشركة فعل ما يحلو لها ولكن هذا الإجراء أدهشني فعلًا، كيف استطاعت هذه الشركة أن تغير مفهوم هذه الصورة ورسالتها لتصنفها غير مشروعة وتجعلها تتحول إلى شيء غريب، أنا متأكد أن “كيم فوق”، هذه الطفلة التي أصبحت أمًا لطفلين ينتميان لزمن فيسبوك، تقدر وبشدة هذا الإجراء وهذا الاهتمام الذي وفرته إياها هذه الشركة، لأنها دافعت عنها، وآمل أن تجد الوقت لتقديم الشكر الكافي الذي يليق بها.”
لا أستطيع الاكتفاء بالتخمين، في الوقت ذاته، فيما إذا كانت الصورة تعرض حقيقة تتعارض مع ما أراد المصور توضيحه ونقله إلى العالم، وصف العالم الكيميائي فريتز هابر هذا الرعب الذي صوره نيك على أنه “شكل مطور من أشكال القتل” وأصبحت مقولته هذه محط سخرية منذ لحظة النطق بها، يبدو أن مارك زوكربرغ يرى في شركته “شكلًا مطورًا من أشكال الرقابة”، كان هابر من أكثر العلماء الذين يملكون مقدارًا كبيرًا من القلق المعمق، كان مستعدًا في أية لحظة للتخلي على عمله إذا رأى فيه مسًا بالأخلاق، ويبدو أن مارك يسعى إلى اكتساب هذه القدرة.
إنني اعتبرهم كلهم محط شك ولا أظن أن حذف مارك للصورة كان بدافع أخلاقي، في الأسبوع الماضي، نشر مارك على صفحته على الفيسبوك: “أشعر بخيبة أمل عميقة من جراء فشل إطلاق صاروخ سبيس إكس الذي أتلف قمرنا الصناعي”.
لا يزال عمالقة التكنولوجيا، على الرغم من ذلك، يتمتعون بقدر كبير من السلطة التي تمكنهم من فرض المراقبة كما يحلو لهم، والتي تكون عامة بدافع بعيد كل البعد عن الذي يظهرونه إلى العالم.
المصدر: الغارديان