تقترن كلمة الحج عند المسلمين بمشهد الكعبة في أيام الحج المباركة، ليقتصر الحج عند المسلمين في الطواف حول الكعبة، كونه فعلاً إسلاميًا يقتصر على المسلمين فحسب، فبعضهم لا يعتبر ما يناظره في الأديان الأخرى حجًا، إلا أن الواقع يشير إلى العكس، فكما يوجد رحلة للمسلمين من كل أنحاء العالم نحو الكعبة، يوجد كذلك 100 مليون حاج حول العالم، منهم فقط مليوني حاج من المسلمين، وهذا يعني أن ما تبقى من هذا العدد الهائل، هم حجاج لأماكن مقدسة أخرى حول العالم ربما لم يسمع المسلمون عنها قط.
الحج هو رحلة روحية يقوم بها الحاج منذ بداية تحركه حتى وصوله إلى المكان المقدس الذي يحج إليه، حيث يشترك أغلب الحجيج في الهدف الذي يدفعهم للقيام بتلك الرحلة، وهو التخلص والتطهر من الذنوب، حيث يؤدي الحجيج مناسك الحج من أجل الاتصال الروحي بالإله، وطلب الغفران منه عن كل ما اقترفوه من ذنوب في حياتهم، فالعديد من الحجيج يقدسون الحج لأنه وسيلة تخلصهم من الذنوب، ومن ثم بدء حياة جديدة وكأنهم قد وُلدوا من جديد.
يحج الناس إلى كل ما كان مقدسًا بالنسبة إلى الديانة التي يعتنقوها، فمنهم من يحج إلى مزار أو ضريح، ومنهم من يحج إلى مكان مولد شخص مقدس بالنسبة إليهم، ومنهم من يحج إلى نهر عبره نبي من الأنبياء، وإليك أكثر الأماكن المقدسة حول العالم، والتي يحج إليها ملايين من الحجيج سنويًا.
الحجيج في الكعبة بمدينة مكة المكرمة
تأتي مكة في طليعة قائمة أكثر الأماكن المقدسة والتي يحج إليها من أغلب بقاع الأرض، حيث يزورها ما يقرب من 13 مليون زائر سنويًا، كما يزورها ما يقرب من مليوني حاج في شهور الحج المحددة، يقوم المسلمون فيه بأداء مناسك معروفة ومتسلسلة، يعود أصلها إلى آلاف من السنوات، منذ عهد النبي إبراهيم وزوجه هاجر، ليعتبره المسلمون من أهم الأحداث المقدسة في الدين الإسلامي، فهو الحدث الذي يدل على مهابة مشهد المسلمين وهم متضرعون إلى الله في حاجة ماسة إليه للعفو عن ذنوبهم وخطاياهم في يوم كيوم عرفات، الذي يغطي فيه جبل عرفات البياض من كثرة الحجيج الوافدين إليه.
“جانجا ما” أو الأم جانجيز
يتفوق نهر “جانجيز” في عدد الوافدين إليه عن مكة المكرمة، فيزور النهر ما يقرب من 20 مليون زائر سنويًا، وهو نهر يمر من جبال الهيمالايا حتى خليج البنغال، يمثل النهر بالنسبة للوافدين إليه الحياة، والنقاء، كما يعبر عن الألوهوية بالنسبة إليهم، حيث يعتبرون الإله قد أغرق نفسه في تلك المياه في رحلة إلى الجنة، وهو ما يعتبره الوافدين للنهر تضحية من الإله من أجل تطهير البشر من الذنوب، لذا فهم يأتون سنويًا لهذا النهر للاغتسال فيه من أجل التطهر من الذنوب، لأنهم يعتقدون أن النهر يقوم بتنقية البشر من كل ما اقترفوه من خطايا.
“السيدة غوادالوبي”
هي إحدى الأيقونات المشهورة للسيدة مريم العذراء، والتي تُعرف باسم عذراء غوادالوبي في المكسيك، وهي من إحدى الصور الدينية الأكثر شعبية في المكسيك، كما أنها مقصد ديني لكثير من الحجاج الذين يقصدونها في يوم الثاني عشر من ديسمبر، كما يقال إن أصل تسمية غوادالوبي من أصول عربية أي وادي اللب أي وادي الحجارة الأم ذات اللون السودوي، لتعد الكنسية التي تحتوي على الأيقونة هي ثاني أكثر الكنائس الكاثولكية زيارة في العالم بعدد زيارات 10 مليون زائر في السنة.
الفاتيكان في روما
كما هناك رحلات جماعية للمسلمين في شهور الحج المعدودات إلى مكة المكرمة، يقوم المسيحيون برحلات للحج، وذلك على الرغم من توصية المسيح في الإنجيل بأنه من غير المستحب زيارة الأضرحة والمزارات، إلا أن الفاتيكان يعتبر من أهم الأماكن المقدسة بالنسبة للمسيحيين الكاثوليك، حيث يزوره ما يقرب من 4.2 مليون زائر سنويًا.
القدس: مقصد المسلمين والمسيحين واليهود
يزور القدس ما يقرب من مليوني حاج من مختلف الأديان السماوية الثلاث، كما يقدسها اليهود باعتبارها مدينة داوود، واحتوائها على ضريح النبي سليمان، بالإضافة إلى حائط المبكى، الذي يعتبرونه جزءًا من هيكل سليمان.
ففي التوراة، الكتاب المقدس في اليهودية، يأمر الله الذكور من بني إسرائيل بالحج إلى القدس ثلاث مرات في العام، يحج اليهود من كل أنحاء العالم إلى حائط البراق، أو “حائط المبكى” حسب التسمية اليهودية، في القدس، ويبكون وينوحون على الحائط، الذي يزعمون أنه حائط من هيكل سليمان المهدوم للمرة الثانية على يد الرومان، وهذا ما يجعله الموقع الأكثر قداسة في التراث اليهودي.
ضريح جلال الدين الرومي، ورقصة الدراويش السماوية
يزور مدينة قونيا في تركيا ما يقرب من مليوني زائر سنويًا، في السابع عشر من ديسمبر من كل عام، لإحياء ذكرى وفاة جلال الدين الرومي، “ليس من أهل القال، بل من أهل الحال”، هكذا يصفه المولويون من أتباعه، أتباع الفلسفة الصوفية في الإسلام، في حين يعرفه العالم باسم “مولانا جلال الدين الرومي”، الشاعر وعالم الدين والفلسفة.
يحيي الدروايش احتفالية ذكراه برقصة “سما”، رقصة سما لا تُعبر عن المولوية، بل هي فقط طقس من طقوسها، حيث يرمز الثياب البيضاء إلى الكفن، الحزام على الوسط رمزًا للصبر وتحمل الجُوع، المعطف الأسود يرمز إلى القبر، والقلنسوة على الرأس ترمز إلى شاهد القبر، هذه هي فلسفة الرقص، الكون كله يدور حول مركزه: الله، كل المجرات تدور، وتدور الإلكترونات حول كل نواة ذرة تكوِّن جسمنا، لماذا لا تدور أنت إذن؟ إنها الدائرة واللهُ مركزُهَا.
تختلف طرق الحج وأهدافه من قوم لآخر، ومن ديانة لأخرى، إلا أن الجميع يذهب في رحلة هدفها الاتصال مع الله، ورغم اختلاف تصورات الحجيج عن الله، إلا أن هدفهم هو الروحانية فوق كل شيء، من أجل الانعزال عن الواقعية لبعض من الوقت، والانخراط في رحلة مع ما هو مقدس بالنسبة إليهم، من أجل التطهر من ذنوبهم، وطلب الغفران عن كل ما اقترفوه من خطايا وذنوب.