يؤدي مئات الآلاف من المسلمين فريضة الحج في كل عام، ويقفون في مشاعر الحج المختلفة المقدسة ذات التاريخ الممتد، ومع تعاقب السنين قد لا يعرف البعض أو يلتفت إلى الخلفية التاريخية لهذه المشاعر المقدسة، بعدما تطرأ عليها من تطوير.
من بين هذه المعالم بعض منسي منها يمر به الحجاج كل عام، مسجد الأنبياء، وجبل النور ومسجد نمرة وغيرهم من المعالم، في مكة المكرمة التي لا تخلو من موضع مقدس ومكان له سابقة تاريخية، ومن هنا علينا أن نأخذ جولة ثقافية صغيرة حول الخلفية التاريخية لهذه الأماكن المقدسة.
مسجد الأنبياء
هو المسجد الذي خطب فيه الرسول عليه الصلاة والسلام خطبة منى في حجة الوداع، والمعروف حاليًا باسم “مسجد الخيف” في مشعر منى، ويسمى “مسجد الأنبياء”، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى فيه والأنبياء من قبله.
مسجد الأنبياء يعد أحد أكبر مساجد مكة المكرمة الأثرية، حيث يقع على سفح جبل منى الجنوبي قريبًا من الجمرة الصغرى.
وكان المسجد موضع اهتمام وعناية خلفاء المسلمين على مر التاريخ، ووسعت عمارته في سنة 1407هـجرية، وبه أربع منارات، كما زود بجميع المستلزمات من إضاءة وتكييف وفرش ومجمع لدورات المياه، حيث إن به أكثر من ألف دورة مياه، و3 آلاف صنبور للوضوء.
وحديثًا تنظم مجموعة من البرامج، والأنشطة الدعوية خلال أيام الحج، في “مسجد الخيف” بمنى خلال المدة من اليوم الخميس وحتى الرابع عشر من شهر ذي الحجة الجاري.
جبل النور
يقع “جبل النور” في شمال شرق المسجد الحرام على بعد 4 كيلومترات، والذي يشهد كثافة عالية خلال هذه الفترة من الحجاج، كونه أحد المناطق التاريخية التي يرتادها الحجاج بشكل كبير.
وسُمي الجبل بهذا الاسم لظهور أنوار النبوة فيه، ويبلغ ارتفاعه 642 مترًا، وينحدر انحدارًا شديدًا من 380 مترًا حتى يصل إلى مستوى 500 متر، ثم يستمر في الانحدار على شكل زاوية قائمة حتى قمة الجبل، وتبلغ مساحته خمسة كيلومترات و250 مترًا مربعًا، وتشبه قمته سنام الجمل.
ويوجد في هذا الجبل غار حراء، وهو واحد من أهم الأماكن في تاريخ الإسلام وسيرة نبيه، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو فيه بنفسه ليتعبد إلى الله قبل البعثة بعيدًا عن أهل مكة.
وهو أيضًا المكان الذي نزل الوحي فيه لأول مرة على النبي، وفيه نزلت أول آية من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.
والغار عبارة عن فجوة في أعلى جبل النور، مدخله نحو الشمال بطول أربعة أذرع وعرضه ذراع وثلاثة أرباع، والداخل لغار حراء يكون متجهًا نحو الكعبة، ويتصف بضيق المكان الذي لا يتسع إلا 4 أو 5 أشخاص فقط، ويُمكن لمن يقف على رأس “جبل النور” أن يُشاهد مدينة مكة المكرمة وأبنيتها.
مسجد نمرة
عندما يقف الحجيج في عرفات ينتصب أمامهم مسجدة نمرة، و”نمرة” هو جبل نزل به النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في خيمة، ثم خطب في وادي عرنة بعد زوال الشمس، وصلى الظهر والعصر قصرًا وجمعًا، جمع تقديم، وبعد غروب الشمس تحرك منها إلى مزدلفة.
أما وادي “عرنة”، فهو من أودية مكة المكرمة والجزء المقدم من مسجد نمرة، ويقع في هذا الوادي وهو خارج عن عرفات وداخل في الحل وليس بمشعر، وهو حد فاصل بين الحل والحرم.
وفي أول عهد الخلافة العباسية، في منتصف القرن الثاني الهجري، بني مسجد في موضع خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يعرف الآن بمسجد “نمرة”، توالت بعدها توسعاته على مر التاريخ وصولًا للوقت الحالي، فأصبحت مساحته 124 ألف متر مربع، مؤلف من طابقين مجهزين بنظام للتبريد والمرافق الصحية، حيث يتسع لأكثر من 300 ألف من المصلين.
ويأتي الحجاج يوم عرفة إلى مسجد نمرة ليستمعوا إلى خطبة خطيب المسجد، ثم يصلوا الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم يشرعون بالدعاء والتضرع ومسألة الله تعالى حتى غروب الشمس.