عيد الأضحى أو العيد الكبير كما يطلق عليه في أغلب أقطار الوطن العربي، هو أحد أهم المناسبات التي تتشارك في طقوسها أغلب البلدان العربية، من ذبح الأضاحي في الشوارع، وشراء ملابس العيد الجديدة، إلى الصلح بين المتخاصمين في مثل هذه الأوقات المباركة، إلا أن كل بلد استطاعت أن تضيف من طابعها المجتمعي على العيد، ليتحول صباح هذا اليوم إلى فلكلور شعبي ينضح بتناسق عبقري للألوان، تزينه ابتسامات الفتية الصغار الملتفين حول حلقة الرقص أو الأضحية، إليكم بعض ما يميز تلك البلاد عن بعضها الآخر.
نكهة خاصة للأضاحي، والرقص بالخناجر، اليمن
كأغلب الأماكن، يبدأ يومك في اليمن بارتداء ملابس العيد، الثوب والجنبية والشال والكوت، ثم التوجه إلى الساحات الكبيرة لمشاركة جموع المصلين تكبيرات العيد، يتبعها ما يطلق عليه اليمنيون مهرجان المصافحة، فلا مكان اليوم لخلاف، فيصافح الجميع بعضهم البعض بحفواة وبشاشة، ولا يقتصر الأمر على العائلة فقط، بل إن الأمر ينطبق على الجميع، ليتجمعوا في حلقات بعد الصلاة يتجاذبوا فيها الضحك وأطراف الحديث لفترة قصيرة، ثم يتجهوا بعدها إلى أماكن ذبح الأضاحي، ثم يقومون بتوزيع الأضحية وحلوى العيد “جعالة العيد”.
إلا أن أهم ما يميز العيد في اليمن، هو الطريقة الشهية التي يعدون بها الأضاحي، فالأضحية إما تصبح أطباقًا شهية من “المدفون”، وهو أن تدفن الوجبة في الرمال الساخنة لتزداد نضوجًا، أو أن يضاف عليها العسل اليمني المميز، مع خليط من الدقيق والبيض والسمن لتعد “السبايا”.
ثم يتجه الجميع إلى الأسواق والساحات الشعبية، التي تمتلئ في ذلك الوقت بالفرق الجوالة التي تعزف ألحانًا شعبية، يرقص عليها اليمنيون بالخناجر والبنادق المعلقة على أكتافهم، في مشهد فلكلوري بديع، وربما تعد رقصة الدراج إحدى الرقصات التي تميز هذا اليوم، حيث يقف المؤدون في حلقات دائرية، ليتحركوا معًا في تناغم، مع بعض الرقصات الفردية التي يؤديها البارعون منهم.
الهالويين بطابع عربي، البوجلود في المغرب
ملك المغرب وهو يذبح أضحيتين في تقليد روتيني في عيد الأضحى، حيث يذبح أضحية عنه وأضحية عن الأمة
كمثيلاتها، يتجه المغاربة إلى الصلاة مرتدين زي العيد المزركش أو المنقوش بالنقوش المغربية المميزة، مرتدين الجلباب والبلغة، ليتشاركوا التكبيرات، ثم السلام السريع والتوجه إلى الشوارع العامة والساحات وأحيانًا المجازر، لمشاهدة طقس ذبح الأضاحي.
ثم توزع الأضاحي على البيوت والمشاركين بها، لتبدأ ربات البيوت في إعداد الأطباق المتنوعة، والتي أهم ما يميزها هو شرائح اللحم المجففة تحت أشعة الشمس “القديد” والذي يتناوله المغاربة مع الشاي المغربي، الذي لن تذق له مثيلاً كما يصفه أبناء المغرب.
كما هناك طقس البوجلود أو السبع بو البطاين كما يطلق عليه في مدينة “مكناس” المغربية، وهو أن يقوم الشخص بلف نفسه بجلود الماعز أو الخرفان، أو زي يشبه ذلك، ويغطي وجهه بالأقنعة الملونة، ثم ينضم إلى مجموعة ممن يرتدون مثله، ليبدأوا في الطواف في المدينة في خطوط مستقيمة، تصاحبها إيقاعات الطبول، مغنيين أغان خاصة بالمناسبة، يلقى ذلك الطقس ترحابًا من أهالى المدينة، ويقومون بإعطائهم حلوى أو مال أو حتى أجزاء من أضاحيهم، مكافأة على البهجة التي يلقيها أولئك الشباب في نفوسهم.
احترس لئلا تنطحك البقرة، العيد فرحة في مصر
ربما أهم ما يميز العيد في مصر، أن الأضاحي لا يقتصر ذبحها على المجازر والساحات فقط، بل إن المصريين يعدون ذبح الأضاحي في مداخل بيوتهم طقسًا هامًا لذلك اليوم، فبعدما يعود المصريون من صلاة العيد تتجمع العائلة في بيت العائلة الكبير في الريف أو المدينة، ليلتفوا جميعهم حول الجزار الذي يستأجر خصيصًا لذلك اليوم اليوم، ليذبح الأضحية في مدخل المنزل أو أمامه في الشارع، إلا أن العديد من العائلات يفضلون أن يقوموا بذبح الأضحية بأنفسهم، لتتكرر مشاهد فرار الأضاحي من حامل السكين في الشوارع ناطحة كل من يقف في طريقها، في مشهد ظريف وإن كان لا يخلو من بعض الخطورة.
تقوم العائلة بعد ذلك بتقسيم الأضحية على من يستحق، ثم تعد ربات البيوت طبق الفتة المصري الشهي مع الرقاق أو البشاميل على الطريقة المصرية.
يذهب المصريون بعد ذلك إلى الساحات التي تمتلئ بالمراجيح وألعاب الأطفال التي وضعت خصيصًا لذلك اليوم، ليبدأ الأطفال في اللعب والدفع من “العيدية” التي تعتبر طقسًا هامًا في العيد، حيث يحرص كبار العائلة على إعطاء الأطفال مبلغًا من المال يطلق عليه في مصر “العيدية”، وسط صوت أم كلثوم الذي تشوهه رداءة مكبرات الصوت وهي تغني أغنية العيد المصرية التقليدية، “يا ليلة العيد”.
افتحوا لنا المعبر أو حاجز التفتيش، العيد في فلسطين
على الرغم من سعادة المناسبة، إلا أن الفلسطينيين سيقضونها بين حواجز التفتيش الإسرائيلية على بوابات المسجد الأقصى، أو معبر رفح الحدودي الذي يغلق في وجوههم بالأيام ويمنعهم من السفر ورؤية عوائلهم في العيد، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، فالعيد في فلسطين له طابع مميز أيضًا، حيث جرت العادة أن تتجه العائلات قبل ذبح الأضحية وبعد صلاة العيد إلى المقابر لقراءة الفاتحة على أرواح الراحلين من عوائلهم، ليوزعوا الكعك والبسكويت على المارين، ويقضوا بعضًا من الوقت في المقابر، ثم يعودوا إلى منازلهم أو الساحات لذبح الأضاحي.
الرقص وراء ثقوب الرصاص، سورية تحتفل
“نحنا لما نزحنا من ضيعتنا، إجينا على هون وعرفنا رفقات جداد وجيران جداد، وهلق بنروح كلنا سوا عالمسرح”، هكذا استقبل أطفال سوريا عيدهم الماضي، حيث دكت قوات النظام العديد من الأحياء في حلب وحمص ودرعا وحماة، الأمر الذي لم يوقف الأهالي عن الذهاب إلى الساحات في المناطق المحررة، أو بعيدًا عن أعين القصف محاولين أن يتناسوا ولو ليوم واحد ظروفهم القاسية التي يعيشون بها، ليتذكروا كيف كان شعور فرحة العيد قبل الحرب.
والعيد هنا ليس مختلفًا كثيرًا، حيث تنتشر الألعاب في الشوارع والبلالين الملونة في أيدي الأطفال، ويتطوع العديد من الشباب لعمل مسرحيات مضحكة للأطفال في الساحات.
تحاول البلاد العربية الحفاظ على العادات السابقة وتوريثها من جيل إلى جيل، وعلى الرغم من عدم جدية الأمر في الألفية الحديثة الآن بخصوص عادات وتقاليد الأعياد، إلا أنه لا يخلو عيد منها في كل بلد، أو على الأقل، يحاول الناس أن يحافظوا على آخر ما تبقى من تراثهم وعاداتهم وتقاليدهم، في زمن تفعل الحروب كل الأفاعيل لمحوه، أو تحاول الاستعمارية الفكرية تغييره، والتحقير منه.