بعيداً عن القتل والدماء، وفي خطٍّ موازٍ لما تقوم به قوى الثورة السورية في الميدان ضد قاتل الشعب والمحتلّ وكلاب الأرض، تدور معركة مختلفة تمامًا.
فبعد قيام الثورة في سوريا، هبّ الكثيرون للمساعدةِ كلٌّ في مجاله، سواءً أكان ذلك بالعلاج أو بالإغاثة في الداخل والخارج، ولربّما كان باب اللاجئين هو الأوسع من حيث استقطاب الطاقات للعمل، وبذل الجهد فداءً لسوريا وأهلها.
كنت ممن حالفهم الحظّ في بداية الأمر، فبدأت العمل التطوعيّ بعد انتفاضة شعبنا بسنة في مجال دعم اللاجئين، الأطفال منهم على وجه الخصوص.
أذكر جيدًا كيف كنا نرى فى وجوه الأطفال مستقبل سوريا، كما كان على الجميع أن يفعل، فالطرق أمامهم متشعّبة، ودورنا كشبابٍ أن نرشدهم إلى الصواب لا إلى الضلال، خاصةً مع ظهور الجهات الفاسدة التي تستهدف أيضًا هذا الجيل الغضّ طمعًا في التمدد وترسيخ القواعد.
صراحةً لم نكن نظن أنّ معركتنا الحقيقة ستكون خارج حدود سوريا، خاصةً في مجال عملنا، بل على العكس، كنا مؤمنين بأن كلّ من قال لا في وجه الظلم يقف معنا في خندقٍ واحد، لكن الحال غير ذلك.
هناك إشكالية هامّة في مجتمعنا غابت عن ناظرنا، ولأكن صريحًا أكثر، ظننا أنّ سطوة الدّم وفقد الأحبّة أمور كفيلة بإذابتها فغيّبناها؛ إنها “الأنا”، ذات السطوة الأكبر.
لقد عمدت المبادرات الشبابية على اختلاف أشكالها وتوجهاتها لحشد الشباب بهدف العمل “من أجل سوريا” ومستقبلها، فانضمّ الكثيرون من أصحاب الخبرات والجهلة على حدٍّ سواء لصفوف تلك المبادرات التي كنا نرى تقلّبها مع السنوات، فهناك من حاول ولم ينجح، وهناك من نجح وأفسد نجاحه بيديه، بسبب تمركز عمله حول ذاته وأهدافه الخاصة، التي رآها لاحقًا كمكتسبات وقدمها على الهدف الذي أسس عليه عمله من البداية.
قلّة قليلة فقط التي استطاعت النجاح وإثبات أننا ربما، سنرى نورًا يسطع باتجاه أرضنا، وأننا سنرى عالمًا أفضل بسواعد الأطفال في المستقبل.
لم يمض وقتٌ كثير حتى أدرك البعض أن تنظيماتهم أقوى من المبادرات، وأن باستطاعتهم ضمّ ما يريدون ضمّه تحت رايتهم بأساليب مختلفة، فإذا نجحت المبادرة استولوا عليها وأبعدوا أصحابها، معززين أناهم على حسابنا جميعًا، وهنا كان يأتي السؤال، ماذا يريد هؤلاء حقاً؟
طبيعة العمل ليست ما يزعجني، فمهما كانت لا فرق عندي، ما دام أنها تصب في مصلحة الطفل وتعمل على الاستثمار به.
ما يؤلمني حقًا، هو عدم قدرة تلك التنظيمات العمياء ورؤوسها المتضخمة على رؤية ما يبذله الشباب من جهدٍ وعملٍ في سبيل فرصة قد تكون هي الوحيدة لأطفال سوريا، فيختطفونها منهم طمعًا في زيادة عدد صفحات المشاريع التي لن يفهموا أساساها، ولن يحوزوا وقود فكرتها، فيهدمون البيت على من أسسه وسكنه.
يغترّ الناس كثيرًا بالتنظيمات، ويظنّون أنها على صوابٍ لأن بعضها يحمل اسمًا هرمًا جاوز الثمانين عامًا، متناسين أنّ العقلية هي ذاتها لم ولن تتغير، حتى ولو قامت ألف ثورةٍ وثورة.
مشكلتنا هنا ليست في سوريا وحدها، بل على امتداد بلداننا التي خسرت أغلى كنزٍ لديها: شبابها، والسبب هو ذاته.. غباء من يظنّ أنّ أناه أهمّ من مجتمعه.