دخلت الهدنة التي اتفق عليها كل من وزيري الخارجية الأمريكي والروسي جون كيري و سيرجي لافروف قبل يومين حيز التنفيذ مساء أمس الإثنين في الساعة 19 بالتوقيت المحلي لسوريا تحت أنظار وترقب الجميع بعد سلسلة تقارير صحفية انتقدت الاتفاق، وتصريحات جاءت معارضة أن الاتفاق بما تضمنه يمثل إبادة للشعب السوري.
وبعد ساعات من بدء سريان الهدنة، استمرت الطائرات السورية تقصف بوتيرة أقل من المعتاد في محافظات حلب وإدلب ودرعا وريف دمشق، حيث تم تسجيل 14 اختراق للهدنة. ففي الساعة السابعة والربع بالتوقيت المحلي أي بعد ربع ساعة فقط من بدء سريان الهدنة، قصفت طائرات النظام منطقة حندرات ببراميل متفجرة، علمًا أن المنطقة خالية من قوات “جبهة فتح الشام”.
كما وسجلت ستة خروقات أخرى للنظام في الشقيف وخان طومان وحي مساكن هنانو في مدينة حلب، وبلدات كفر داعل والمنصورة وحور بريفي حلب الغربي والشمالي، فضلا عن خروقات أخرى في ريف حماة وإدلب وريفي درعا ودمشق.
الاتفاق يمثل الفرصة الأخيرة المتوفرة لإنقاذ سوريا وبقاءها موحدة وهو فرصة لعملية سياسية دبلوماسية تتم تحت إشراف الأمم المتحدة
وفي الحصيلة الأولية لأعداد القتلى والجرحى التي خلفتها الاختراقات، فقد خلف قصف النظام على شمال إدلب مقتل 11 شخصًا وجرح العشرات حيث قتلت أم وطفليها في مدينة إدلب بعد هجمات للطائرات الروسية على المدينة. وقتل في حمص طفل وأصيب آخرين جراء قصف لطائرات النظام على بلدة أم شرشوح في ريف حمص الشمالي.
بينما لم تهدأ جبهة المعارك في عموم سوريا، حيث تصدت فصائل المعارضة لهجمات قوات النظام في كل من القنيطرة واللاذقية، أما المعارضة فقد ردت بقصف مواقع النظام في بلدتي كفريا والفوعة بإدلب وفي بلدة قمحانة في شمال حماة.
الجدير بالذكر أن حصيلة القتلى بلغت 34 من المدنيين أمس الإثنين أول أيام عيد الأضحى قبيل دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ. توزعوا بين 15 قتيلا في ريف دمشق و14 في ريف إدلب و 4 في كل من حمص ودرعا، وشخص في حلب.
اتفاق مهترئ ومعيب
الاتفاق الذي توصل إليه كل من كيري ولافروف بعد مفاوضات ماراثونية دامت لـ 14 ساعة، تضمنت بنودًا عدة من المفترض تطبيقها تباعًا:
ففي الساعة 19 تبدأ الهدنة، وتمتد إلى 48 ساعة مرتين في حال صمودها، وخلال الهدنة على أطراف الصراع وقف كل الهجمات والأعمال القتالية بما فيها الغارات الجوية والتقدم على الأرض، ومن المفترض أن يمتنع النظام عن تنفيذ طلعات جوية في المناطق التي تتواجد فيها المعارضة بدون ذكر لتلك المناطق.
ومن ثم يدعو الاتفاق إلى ضمان وصول مساعدات إنسانية بلا عوائق وبشكل مستمر إلى جميع المناطق المحاصرة أو النائية، بما فيها حلب. وجعل طريق الكاستيلو منطقة خالية من العمليات القتالية بعد تراجع كل من القوات الحكومية والمعارضة ليتم فتحها أمام المساعدات الإنسانية فقط.
بعد صمود الهدنة لسبعة أيام ستقوم كل من روسيا والولايات المتحدة بالبدء بإجراءات إنشاء مركزًا مشتركًا لتوجيه ضربات عسكرية ضد كل من داعش وفتح الشام. وبعد فترة زمنية محددة _في أول أكتوبر كما تتوقع روسيا_ ستبدأ عملية المفاوضات للانتقال السياسي للسلطة.
عقب وصوله إلى واشنطن عقد وزير الخارجية كيري مؤتمرًا صحفيًا للكلام حول الاتفاق، ذكر فيه، أن الاتفاق يهدف إلى تقليل العنف وتخفيف المعاناة ومواصلة التحرك باتجاه سلام وتحول سياسي في سوريا يتم عن طريق التفاوض. ووصفه أنه الفرصة الأخيرة المتوفرة لإنقاذ سوريا وبقاءها موحدة فهو فرصة لعملية سياسية دبلوماسية تتم تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي معرض إجابته عن التقارير الصحفية التي وصفت الاتفاق بالمعيب والمهترئ، قال أن الاتفاق لا يصل إلى درجة الكمال، فسوريا تعد أحد أكثر الأماكن تعقيدًا في العالم، ووجه تساؤلاً أن الاتفاق مهترئ بالمقارنة مع ماذا؟ متسائلا إذا كان مهترئًا في مقابل العنف اليومي الذي يؤكد بشكل حتمي مستقبلا أكثر عنفًا وربما أكثر انفجارًا للطائفية في المنطقة.
بينما شدد الائتلاف السوري المعارض في بيان له أن الجيش الحر يملك حق الرد في حال قيام النظام وحلفائه بأعمال عدائية مناقضة للهدنة. وأكد على ضرورة توفر آليات مراقبة للخروقات تشرف عليها جهات محايدة باستثناء روسيا لأنها تقوم بعمليات قصف مستمرة مع الإشارة أن الاتفاق يفتقر إلى عقوبات واضحة في حال حدوث خرق للهدنة.
اتفاق كيري لافروف بمثابة خوض المعركة نيابة عن الأسد أو بالتعاون معه.
وجاء في البيان أيضًا ضرورة اعتبار الميليشيات الداعمة للنظام منظمات إرهابية لا يجوز توفير أي غطاء سياسي أو قانوني لها، داعيًا إلى وقف فوري وكامل لأعمال التهجير القسرية من قبل النظام بضمانات دولية.
زبدة الاتفاق
مهلة تمديد الهدنة حتى تصل إلى أسبوع تشي بعدم يقين طرفين الاتفاق من مدى نجاحها وصمودها، كما أن الاتفاق لم يأتي ولو بإشارة لضمانات تجبر الأسد على إيقاف القصف والقتل الممارس منذ خمس سنوات ضد المعارضة مدنيين وعسكريين. فضلا عن الحلقة المفقودة التي خلا منها الاتفاق وهي الردع والمحاسبة للطرف الذي سيخرق وقف إطلاق النار.
لذا وكما كل الهدن والاتفاقات الأخرى، يقصف النظام بهوادة بدون رادع وحساب من الدول الراعية للاتفاق بل يقصف تحت ناظريهم. في حين أن موقف المعارضة يبقى الموقف الأضعف، التي تتهم دائمًا بخرق الهدنة في حال التصدي لأي اعتداء من قبل النظام.
وبحسب مقال لعلي باكير ورد فيه أن النقطة الأساسية في الاتفاق هي التعاون اللوجستي الأمريكي الروسي على قصف كل من داعش وجبهة فتح الشام، وأنه جاء بمثابة “اتفاق بين واشنطن وموسكو على خوض المعركة نيابة عن الأسد أو بالتعاون معه”.