تصريحات وتصريحات مضادة وكلام ينقل ما ظل لسنوات طوال في الكواليس إلى العلن. نقد من الداخل وآخر من الخارج لأسلوب عمل عرفت به الجبهة الشعبية في تونس (ائتلاف أحزاب يسارية) وطريقة إدارتها وطبيعة خطابها الذي يروجه ناطقها الرسمي حمّة الهمامي.
جبهة، أسست على الزعامتية، تشكو عدة علل ونقائص، حسب كلام قياديها. في بداية تشكلها، سنة 2012، ظهرت الجبهة الشعبية كأنها طوق النجاة لبعض الأحزاب والمجموعات اليسارية المتشرذمة، لتحقيق مزيد من الفاعلية والتأثير في الشارع السياسي التونسي، إلا أنها عجزت طوال الأربع سنوات منذ التأسيس عن بناء هياكل الائتلاف على مستوى الجهوي والمحلي، وعن إدارة البنية القيادية للجبهة التي سيطر عليها الزعيم الواحد.
فشل في إعادة تطوير الخطاب وتجاوز الإرث الإيديولوجي اليساري
فشلت الجبهة الشعبية في إعادة تطوير خطابها وتجاوز إرثها الإيديولوجي اليساري، وتطوير رؤيتها للمشهد السياسي في البلاد بعد ان اختزلته في الصراع الوجودي مع حركة النهضة الاسلامية، حتى باتت في عزلة سياسية.
فشل يؤكّده كلام القيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (أحد الأحزاب المكونة للجبهة الشعبية)، منجي الرحوي. حيث دعا الرحوي، في تصريحات صحفية، الجبهة إلى أن “تغيّر خطابها وسلوكها خلال الفترة المقبلة”. معتبرا أنّ “الانطباع العام عند الشعب التونسي أصبح يربط الجبهة بالرفض الدائم لجميع المقترحات، وبالمعارضة الدائمة والجذرية للسلطات الحاكمة”.
رصيد الهمامي تآكل بسبب تكراره لنفس الخطاب منذ سنوات
واستغراب الرحوي من “عدم وجود هياكل ديمقراطية بالجبهة رغم دفاعها الدائم عن إرساء ديمقراطية حقيقية في البلاد”. مطالبا بضرورة الإسراع في انتخاب هياكل جهوية ومركزية ديمقراطية، استعداداً للاستحقاقات الانتخابية القادمة.
واعتبر الرحوي خطاب، المتحدث الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي،” غير مقنع ومكرّر ورصيده أصبح ضعيفاً، وهو في حاجة إلى الراحة والتجديد وتقديم أشخاص آخرين قادرين على تقديم الإضافة”. ورأى أن “رصيد الهمامي تآكل بسبب تكراره لنفس الخطاب منذ سنوات”.
تصريحات الرحوي، قابلتها، انتقادات كبيرة من داخل الجبهة، خاصة من قبل قيادات حزب العمال الذي ينتمي إليه “حمة الهمامي”، التي ربطت كلامه بسعيه (منجي الرحوي) نحو الظهور.
بوادر الانشقاق والتفكك داخل الجبهة الشعبية خرجت للعلن بعد مهاجمة منجي الرحوي لحمة الهمامي
النقد الموجّه للجبهة الشعبية، جاء من خارجها أيضا، فبعد نقد حركة النهضة ورئيس تونس “الباجي قائد السبسي” لها و اتهامها بعرقلة مجهودات حكومات البلاد ومعارضتها من اجل المعارضة لا أكثر. دعا الناطق باسم الحزب “الجمهوري” (وسط) عصام الشابي الجبهة الشعبية إلى الارتقاء بالخطاب السياسي والكف عن “لعب دور كهنة معبد اليسار”.
من جهته اعتبر النائب في البرلمان عن محافظة قفصة (جنوب)، عدنان الحاجي، أن بوادر الانشقاق والتفكك داخل الجبهة الشعبية خرجت للعلن بعد مهاجمة منجي الرحوي لحمة الهمامي. وكشف الحاجي في تصريح للإذاعة الرسمية التونسية، أن “هناك خلافات عميقة بين مكونات الجبهة الشعبية، أي حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، وحزب العمال”، مشيراً إلى أن “المعركة خرجت للعلن وانتقلت إلى شبكات التواصل الاجتماعي.
صراعات توحي بانشقاقات قريبة
خروج الصراعات الداخلية للجبهة الى العلن، حسب عديد المراقبين, قد يشكل المرحلة الاولى نحو خلافات حادة وانشقاقات جذرية. ويؤكّد المراقبون ، امكانية تصدع الجبهة الشعبية واندثارها إذا لم تسارع إلى إصلاح بنيتها الداخلية، ومراجعة نمط خطابها، وتداول المواقع داخل هياكلها.
وتكشف التصريحات والتصريحات المضادة بين قيادات الجبهة الشعبية, حالة التصدع التي تعرفها الجبهة وعجز مكوناتها عن تحويلها إلى تنظيم فاعل ومهيكل، نتيجة حالة التصلب الإيديولوجي والخطاب المتكلس الذي تقدمه للناس على لسان ناطقها الرسمي حمّة الهمامي.
ويؤكد خبراء أن جميع الأحزاب تتطوّر في رؤيتها وسلوكها وتتكيّف من أجل التغيير، الا الجبهة الشعبية, فإنها لم تعرف تطورا في رؤيتها ولا سلوكها منذ تأسيسها
يطالب تونسيون الجبهة الشعبية بتشبيب أعضاءها كما فعلت الحكومة
ويشير مراقبون إلى وجود “ديكتاتورية” لحزب العمال على بقية مكونات الجبهة، واحتكار أمينه العام حمة الهمامي الحديث باسم الجبهة الشعبية، الأمر الذي أضعف الجبهة وأفقدها قدرة التأثير على التونسيين.
ويتهم تونسيون، الجبهة الشعبية، بعرقلة عمل الحكومات التونسية التي تعاقبت على قصر القصبة منذ 14 يناير 2011 . وتحاول الجبهة الشعبية احتكار عمل المعارضة ويتسم خطاب ناطقها الرسمي حمة الهمامي بالمعارضة من أجل المعارضة، حسب عديد الخبراء.
في ذات السياق، يطالب تونسيون الجبهة الشعبية بتشبيب أعضاءها كما فعلت الحكومة, رغم ضآلة العدد المكون للجبهة من الشباب. وكثيرا ما طالب قياديو الجبهة الشعبية بضرورة تشريك الشباب في مؤسسات الدولة.