اتفق وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف على تمديد وقف الاقتتال بسوريا 48 ساعة إضافية، وذلك رغم خروقات ارتكبها النظام السوري واتهامات روسية للمعارضة بارتكاب بعضها.
حيث قال مارك تونر المتحدث باسم الوزير الأمريكي للصحفيين إنه كان هناك اتفاق عام على أن الترتيب صامد وأن العنف انخفض كثيرًا، رغم تقارير متقطعة عن العنف.
وأكد تونر في حديثه أن الطرفين (الأمريكي – الروسي) اتفقا أثناء محادثة هاتفية على تمديد وقف الأعمال القتالية لمدة 48 ساعة أخرى.
هذا بالرغم مما كشفته صحيفة نيويورك تايمز من أن وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر رفض اتفاق التهدئة في سوريا الذي وقعته موسكو وواشنطن في جنيف نهاية الأسبوع الماضي.
النظام السوري واصل خرق الهدنة
إذ تواصل القصف الروسي وقوات النظام السوري على مدن وبلدات عدة في خروق جديدة للهدنة المعلنة، في الوقت الذي أعلنت فيه قيادة قاعدة حميميم استعداد قوات النظام السوري والمعارضة لسحب الأسلحة تدريجيًا من طريق الكاستيلو في حلب.
حيث لوحظت خروقات للهدنة الجديدة في سوريا من قبل قوات النظام بمناطق متفرقة في الغوطة الشرقية بريف دمشق التي شهدت في وقت متأخر أمس الأربعاء قصفًا لقوات النظام بالدبابات وقذائف الهاون على بلدتي الشيفونية والريحان والأحياء السكنية لمدينة دوما.
كما قامت قوات النظام السوري بقصف أطراف مدينة عربين في الغوطة الشرقية بريف دمشق ومنطقة تل كردي القريبة من دوما، واستهدفت أيضًا مواقع تابعة للمعارضة المسلحة في منطقة المرج شرقي الغوطة، وكذلك طال الخرق أحياء في مدينة مضايا المحاصرة في ريف دمشق.
وفي حلب أيضًا تعرضت مواقع تابعة لجيش الفتح في الراموسة لقصف مدفعي من قوات النظام، كما شنت طائراته غارات استهدفت بلدات وقرى عندان وحريتان وحيان وكفرناها والطريق المؤدي إلى غازي عنتاب، واستهدف حزب الله اللبناني بالمدفعية قرية المرحمية في ريف حلب الجنوبي، أما على صعيد إدلب وثق نشطاء سبع خروقات للهدنة من قوات النظام في إدلب منذ بدء سريان الهدنة قبل أربعة أيام.
هدنة تعيق المساعدات الإنسانية
كان الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون قد ناشد روسيا والولايات المتحدة الضغط على الجهات المتحاربة في سوريا من أجل السماح بوصول مواد الإغاثة إلى مستحقيها في المناطق المحاصرة.
وما زالت شاحنات محملة بمواد غذائية تكفي 40 ألفًا لمدة شهر كامل عالقة عند الحدود التركية، وذلك بعد 48 ساعة من سريان اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا.
ويعد إيصال المعونات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين في مناطق مثل الجزء الشرقي من مدينة حلب الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة أولوية بالنسبة للأمم المتحدة.
ولكن الخلافات بين الأطراف المتصارعة والمخاوف الأمنية تعيق إيصال المعونات حسبما تقول المنظمة الدولية.
كما توجه الأمم المتحدة انتقادات إلى النظام السوري لمحاولته السيطرة على مسار عمليات توزيع المواد الإغاثية.
حيث أكد بان كي مون أنه من المهم جدًا إتمام الترتيبات الأمنية الضرورية من أجل أن تتمكن قافلة المعونات من التحرك، وأضاف الأمين العام أنه يواصل حث الحكومة الروسية على استخدام نفوذها لدى الحكومة السورية، وكذلك الجانب الأمريكي لضمان تعاون الفصائل السورية المسلحة.
ورغم ذلك لا يزال النظام السوري يؤكد إنه سيسمح فقط للمساعدات التي يتم إرسالها بالتنسيق مع الأمم المتحدة بالوصول إلى حلب، ويذكر أن نحو 250 ألف شخص ما زالوا محاصرين في الجزء الشرقي من مدينة حلب، وقام بعض من هؤلاء بالاحتجاج ضد الأمم المتحدة لتأخر وصول مواد الإغاثة.
مسكنات أمريكية روسية
منذ دخول اتفاق وقف اطلاق النار حيز التنفيذ يوم الإثنين الماضي، وجهت اتهامات إلى النظام السوري والمعارضة بانتهاكه بشكل متفرق، ولكن يبدو أن الاتفاق تمكن من الصمود عمومًا برغبة أمريكية روسية لإبقاء الوضع على ما هو عليه.
وكان الاتفاق، الذي وصفه الوزير الأمريكي جون كيري بأنه “الفرصة الأخيرة لإنقاذ سوريا كبلد موحد”، قد تم التوصل إليه يوم الجمعة الماضي في جنيف بعد أشهر من المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة، وينص الاتفاق على أن يسمح الجانبان بإيصال المساعدات إلى مستحقيها دون عائق، إلا أن الأمم المتحدة اشتكت من عدم تنفيذ ذلك الأمر.
وهو الأمر الذي أثبت أن الهدنة الحالية تسير بمسكنات من الأطراف الدولية دون وجود أي جدية على الصعيد العسكري أو الإغاثي في تحقيق فارق كبير، إذ سجلت الانتهاكات العسكرية للهدنة، وكذلك منعت المساعدات من الوصول إلى مستحقيها، وهو ما يعني فشل الهدف الرئيسي للهدنة، ومع ذلك اتفق الأمريكان والروس على استمرارها.
من جانب آخر قالت وزارة الخارجية الروسية إن روسيا دعت الولايات المتحدة أمس الأربعاء للوفاء بتعهدها بإبعاد مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة “تحت وصاية واشنطن” عن جبهة فتح الشام التي كانت تعرف باسم جبهة النصرة وغيرها من الجماعات، وقالت الوزارة في بيان إن هذا الطلب جاء على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي جون كيري، وتابعت الوزارة القول أن لافروف وكيري بحثا أيضًا مقاتلة جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقًا) وتنظيم “الدولة الإسلامية” بصورة مشتركة، الأمر الذي يعني أن للهدنة أبعاد أخرى تكتيكية لدى الأطراف الدولية.
لأن النظام السوري يُروج أنه أعلن التزامه باتفاق الهدنة مع احتفاظه بحق الرد على أي انتهاك من قبل الفصائل المعارضة المسلحة التي أبدت موافقتها على وقف إطلاق النار مع تحفظات حول تنفيذه.
وتقول هذه الفصائل إنه لا توجد أي آلية لمعاقبة النظام السوري في حال لم يلتزم ببنود الاتفاق، وعبرت هذه الفصائل عن خشيتها من أن تنتهز القوات النظامية فرصة وقف إطلاق النار للسيطرة على المناطق المحاصرة.
وبالإضافة إلى وقف إطلاق النار تنص بنود الاتفاق على التزام أطراف الصراع في سوريا بضمان سلامة عمال الإغاثة الذين سيتولون توزيع الإمدادات الطارئة والمساعدات في حلب والمناطق المحاصرة جوًا أو برًا.
وحتى مساء يوم الثلاثاء الماضي أكدت وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة أنها لا تزال في انتظار موافقة فصائل المعارضة على بنود الاتفاق الأمريكي الروسي الذي تم التوصل إليه في جنيف الجمعة الماضي، كما أعلنت دمشق رفضها إدخال مساعدات إنسانية إلى حلب من تركيا دون تنسيق مع حكومتها والأمم المتحدة.
كما أن تاريخ احترام الاتفاقيات في الصراع السوري لا يبعث على التفاؤل، ففي فبراير 2012 رفض النظام السوري خطة الجامعة العربية لإرسال بعثة عربية لحفظ السلام في البلاد، كما منيت بالفشل ثلاث مؤتمرات للسلام، عقدت في جنيف – يونيو 2012 ويناير 2014 ويناير 2016 – على وقع رفض النظام السوري لكل المقترحات الرامية إلى وقف حرب طاحنة تدمر سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، واستمرار الأطراف الدولية الفاعلة في إعطاء قبلة الحياة لنظام، ومسكنات مثل هذه الهدن غير المؤثرة.