حدود سايكس بيكو التي رُسمت في لندن عام ١٩١٦
نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا بعنوان “الحرب الأهلية في سوريا تختبر ما إذا كانت الحدود المرسومة منذ أقل من قرن ستبقى”
وقالت الصحيفة أنه “بعد أقل من قرن على رسمها، حدود سايكس بيكو الآن تمر بأقسى اختبار لها. الحرب في سوريا تمتد إلى العراق ولبنان وتركيا والأردن وإسرائيل، ممتصة أماكن كانت تنتمي لقرون طويلة إلى كيان واحد وأمة تتشارك تاريخها ودينها وحياتها.”
وتعرض الصحيفة لشخص يُدعى جمال، يسكن على الحدود السورية اللبنانية، حيث تقول الصحيفة أنه يتجاهل تماما هو وأهله الحدود المرسومة بين سوريا ولبنان، وهي الحدود التي تجاهلتها الحرب كذلك، فبعض أقاربه خُطفوا وجيرانه تطوعوا للقتال في الحرب المستعرة والصواريخ أصابت مزرعته ما أدى لإصابة ثلاثة من العمال وأدى كذلك لإظهار كم أن الحدود خرقاء ولا تعني شيئا.
“أنا ألوم سايكس بيكو على ذلك” يقول جمال مشيرا إلى الاتفاقية السرية التي وقعتها كل من بريطانيا وفرنسا لتقسيم بقايا الخلافة العثمانية المنهارة. لقد كانت النتيجة عددا من الدول القومية -غير القومية حقا- التي لم توجد قبل ذلك. العلاقات بين العائلات تقطعت بسبب تلك الحدود التي أسست لحالة من عدم الاستقرار التي اجتاهت المنطقة حتى اليوم.
أحد خطوط الحدود التي رسمها سايكس وبيكو قطع بلدة القصر في لبنان -التي يسكنها جمال- وامتد بين العديد من القرى الزراعية الصغيرة التي تتمتع بتربة خصبة تغذيها جداول مائية قادمة من جبل الهرمل في الزاوية الشمالية الشرقية البعيدة من سهل البقاع اللبناني.
المجتمع الشيعي الكبير يظهر ولاءه من خلال إلصاق صور الأسد وآية الله الخامنئي, إلى جانب الشخصية اللبنانية الأكثر ظهورا “حسن نصرالله”. نوافذ المحال التجارية تعج بصور رجال من القرية قتلوا في سوريا وهم يقاتلون لصالح حزب الله, الذي كان اشتراكه في القتال عاملا رئيسا في الانتصارات الأخيرة التي تحققها حكومة الأسد.
السنة على امتداد المنطقة يتدفقون إلى سوريا للقتال إلى جانب الثوار، العديد منهم يحملون أفكاراتهدف إلى استعادة الهيمنة السنية, والشيعة من نفس هذه البلاد يتوافدون للدفاع عن نظام بشار الأسد العلوي، وهم بذلك يؤكدون البعد الطائفي إلى الحرب التي لم تعد تدور حول سوريا فقط.
المدنيون من جانبهم يفرون في الاتجاه المعاكس, حيث ينشئون مجتمعات خارج سوريا بطرق قد تعني أنهم لن يعودون أبدا إلى سوريا.
وليد جنبلاط، زعيم الأقلية الدرزية في لبنان يقول :”من إيران إلى لبنان, لم يعد هناك حدود بعد الآن. رسميا, لا زالت موجودة ولكن هل يمكن أن يكونوا هناك بعد سنوات معدودة؟ إذا كان هناك المزيد من التفكك, فإن الشرق الأوسط برمته سوف ينهار”.
في مقال للكاتب الإسرائيلي دوري غولد نُشر في مايو/أيار الماضي، فإن “أكثر التحليلات الرائدة للازمة السورية تتفق على أن جزءا من حدود الشرق الاوسط الحديث الرئيسة، التي نشأت نتيجة اتفاق سايكس بيكو في 1916، توشك ان تتغير تغيرا أساسيا إن لم تُمحَ تماما.”
قال وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو في خطبة له في منتصف آذار/مارس الماضي “إن المخطط الاقليمي في الشرق الاوسط الذي أحدثه هذا الاتفاق بلغ نهايته، وتوقع ايضا ان يعود تأثير تركيا الى مناطق كانت تحت سيادتها في الماضي، لكنها صارت الى القوى الكبرى الاستعمارية الاوروبية.”
فوضى الحرب السورية شوشت فعليا خارطة المنطقة, وخلقت حدودا جديدة تتوافق مع المجتمعات التي تضمها. هناك أربعة أعلام ترفرف حاليا على الأراضي التي تعرف باسم سوريا, وهي تمثل الرؤى المتنافسة للطائفة والهوية والولاء التي أثارتها الحرب, والأراضي التي يمكن أن تنقسم إليها سوريا.
يقول فواز جرجس، الأستاذ بكلية لندن للاقتصاد، بأن النتيجة يمكن أن تكون مزيدا من التفتت للدول الموجودة حاليا, أو ربما طمس الحدود التي تقسم هذه الدول على المدى الطويل. ويضيف :”كل شيء خاضع للسؤال الآن, ومن الصعب توقع أي شيء. ولكن ما ندركه هو أن نظام دول الشرق الأوسط الذي أنشئ بعد الحرب العالمية الأولى يتمزق حاليا.
الشرق الأوسط الذي خرج من الحرب العالمية الأولى كان بعيدا عن ذلك الذي الذي نتج عن اتفاق سايكس بيكو, الذي سمي باسم الدبلوماسيين اللذيين قسما المنطقة من الشرق إلى الغرب في اجتماع جرى في لندن. ولكن مسعى رسم الحدود وضع الخطوط العريضة لعملية بناء الدول التي حدثت بعد ذلك.
حتى اليوم، فإن سايكس وبيكو هما من يلقي عليهم العرب باللائمة في إسقاط مخططات وحدة الدول العربية المستقلة.
وبدلا من تلك الخطط, فرضت بريطانيا سيطرة تامة على الأراضي الممتدة من العراق والأردن وفلسطين ومن ثم إسرائيل. أما فرنسا فبسطت سيطرتها على سوريا التي اجتزأت منها لبنان كملاذ للمسيحيين, وهي خسارة لم تتقبلها سوريا رسميا أبدا.
على جانب آخر، صحيح أن حدود الشرق الاوسط التي يحصر الخبراء عنايتهم فيها تمتد بطول 600 كم تفصل بين سورية والعراق. وقد تطرقت الى ذلك هذا الاسبوع صحف رائدة مثل ‘فايننشال تايمز′ التي كتبت عن ‘فصم عُرى سورية’ وصحيفة ‘نيويورك تايمز′ التي جاء فيها ان الدولة السورية ‘تنتقض عُراها’ الى ثلاثة أجزاء مستقلة على الأقل: 1- منطقة موالية للاسد. 2- منطقة موالية للمعارضة 3- سورية الكردية ذات العلاقات بشمال العراق وبجماعات كردية في تركيا.
إن ما يُعجل في الأساس بنهاية حدود اتفاق سايكس بيكو هي الأحداث في الجانب العراقي من الحدود، وتشير التطورات في السنة الاخيرة الى فصم عُرى الدولة العراقية الذي على وشك أن يحدث قريبا للغاية. وفي ايلول/سبتمبر القادم سيربط أنبوب نفط جديد ينقل النفط الكردي عن طريق تركيا العراق الكردية بالسوق التركية لا بأجزاء العراق الاخرى.
مع مرور الوقت, فإن مزيدا من اللامركزية, التي يكون فيها الحكم أكبر للمجتمعات على شئونهم, ربما تنتج مجتعمات أكثر عدالة واستقرارا, ويصف ذلك خليل خشان، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، بأنه عبارة عن :” مظلة تحوي تحتها العديد من المجتعمات حيث تتمتع مجموعات مختلفة بممارسة ثقافاتهم وطريقتهم الخاصة في الحياة”.