تقارب هيلاري مع السيسي والسعودية .. بداية جديدة مع حلفاء قُدامى

sisi-clintons

بقدر ما كانت صور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهو يحاول جاهدا مصافحة الرئيس الامريكي أوباما في قمة العشرين الاخيرة هذا الشهر، مهينة، بقدر ما عبرت عن قيمة وحجم “السيسي” لدي إدارة اوباما، حيث حاول لفت انتباه الرئيس الأمريكي، دونما جدوى حتى نال مصافحة عابرة.

لهذا كان من الغريب أن تعلن مرشحة الحزب الديمقراطي الرئاسية، هيلاري كلينتون، لقاء السيسي، هو والرئيس الأوكراني فقط، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري، في إشارة لاختلاف سياستها عن أوباما، وفي الوقت ذاته منافسة المرشح الجمهوري ترامب الذي اشاد بالسيسي.

وهو ما يطرح تساؤل: هل ستتغير السياسة الأمريكية من نظام السيسي لو فازت كلينتون؟ وهل كان اوباما يعادي السيسي بالفعل كما صورت الامر صحف مصرية أم أن سياسة واشنطن تجاه مصر ترسمها المؤسسات الاستخبارية والخارجية وفقا للمصالح الامريكية بصرف النظر عن الرئيس الموجود في البيت الابيض؟؟

المؤكد أن السياسة الأمريكية تشير وفقا للمبادئ البرجماتية (النفعية)، فما يحقق مصالحهم هو “سياستهم”، وأن هناك حالة عداء للتيار الاسلامي أو ما يسمي “الاسلام السياسي”، حيث يصنفون كل التيار الاسلامي في سلة واحدة متطرف أو معتدل.

ولكن يبقي الخلاف في “إدارة” هذه المصالح الامريكية، فلو كان اوباما يري أنها تتحقق بدعم “المعتدلين” ولهذا تحمس للربيع العربي، فقد كانت هيلاري كلينتون وزيرة خارجيته السابقة والمرشح الرئاسية الحالية، تري العكس وتدعم الثورات المضادة، وتري أن استمرار التعامل مع الحلفاء التقليديين (مصر والسعودية) يخدم مصالح أمريكا أكثر.

فإدارة اوباما الحالية التي توشك على توديع البيت الابيض، كانت غير معجبة بالسيسي، وكانت تفضل عدم ترشحه للرئاسة عقب انقلابه علي الرئيس المدني محمد مرسي، لأن الامر شكل احراجا لها، إذ كان أوباما، بحسب محللين أمريكيين يري أن دعم حكم الرئيس مرسي كزعيم من زعماء الاخوان المسلمين، سيضعف في نهاية الامر التطرف الاسلامي، ممثلا في تنظيم القاعدة أو داعش.

وبرغم أنه عندما استولي السيسي على السلطة، لاقى برودة في التعامل من جهة الأمريكيين، واوقفوا شحنات أسلحة إلى مصر بشكل مؤقت لحين البت في وصف ما جري، هل هو انقلاب أم ثورة؟، إلا أنهم لم يوقفوا التعامل معهم واعترف السيسي أنه كان يحادث وزير الدفاع الامريكي مرتين اسبوعيا، ولاحقا أعادوا ضخ السلاح.

أيضا لم يمنع رفض كلينتون للربيع العربي وترحيبها بقدوم السيسي علي راس دبابة أن تنتقده وتصف حكمه بـ “الدكتاتورية العسكرية” كنوع من “الترويض” الذي تجيده واشنطن، وكانت تفعله من قبل مع مبارك تدعمه بيد وتنتقده باليد الأخرى كي ينفذ مطالبها.

ففي مناظرة سابقة أجريت بينها وبين المرشّح الديمقراطي المنافس بيرني ساندرز، قالت إن “النظام في مصر هو في الواقع ديكتاتورية عسكرية ولا تزال هناك طريق طويلة أمامنا من أجل تعزيز الديمقراطية في مصر”.

لهذا يٌعتقد أن هدف لقاء هيلاري والسيسي، له هدف اوسع، وهو رسم بداية جديدة للعلاقات بين الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تتقدمهم مصر والسعودية، وبين واشنطن، بعد فترة من التوتر إثر الاتفاق مع إيران، خصوصا أن الخلافات بين الرياض وادارة أوباما شملت موقفه من عزل مبارك، وتفضيله إيران على السعودية.

وقد أكدت مجلة “بولتيكو” أيضا أن “كلينتون ستحاول عبر لقاء السيسي تخفيف القلق الذي يساور حلفاء واشنطن العرب، بأنها ستفضل الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان على الاستقرار في الشرق الأوسط”.

تقارب كلينتون والرياض

فمن مؤشرات تقارب هيلاري كلينتون مع الرياض أيضا (الحليف التقليدي القديم) أنها لا تُشاطر باراك أوباما رأيه في العلاقة مع طهران، التي أوضحها في مقال سمي “عقيدة أوباما”، ما يعني أنها تري أن حلفاء بلادها الأساسيين هما السعودية ومصر.

وفي محاضرة قدمتها في مؤسسة بروكينغز قبل شهرين، أكدت على ضرورة البقاء وبشكل جذري على مسافة من طهران، وقالت: “لا أنظرُ إلى إيران على أنّها شريكنا في تطبيق الاتِّفاق، إيران هي موضوعُ الاتفاق”، ما يعطي مؤشراً حول السياسة الواقعية التي ستتعامل بها كلينتون مع واحد من أهم ملفات الشرق الأوسط، وربما العودة الي النمط السابق في عهد الرئيس الاسبق بوش.

وقد نشر موقع “ميدل إيست آي” 13 يونيو/حزيران مقالا عن وكالة الأنباء الأردنية قال فيه إن المملكة هي الممول الرئيسي للحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون، ومع أن وكالة “بترا” تبرأت من خبر تمويل السعودية للانتخابات الأمريكية، فقد قام معهد واشنطن للشؤون الخليج بإعادة نشر التقرير الأصلي.

وجاء في الخبر المنسوب لوكالة “بترا” الأردنية تصريحات خاصة عن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تلمح لأن السعودية قد قامت بتمويل 20% من حملة المرشح المحتمل لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عن الحزب الديموقراطي.

وجاء نص التصريحات عن الأمير محمد بن سلمان علي النحو التالي: “إن المملكة لم تبخل طيلة السنوات الماضية بالدعم المالي للحملات الانتخابية الخاصة بالحزبين الديمقراطي والجمهوري، وجريا للعادة تتكفل المملكة بدفع 20% من تكلفة الحملة الدعائية لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجديدة، في حين أن بعض القوى الفاعلة في البلاد لا تثمن هذا الدعم الموجه إلى المرشحة بوصفها امرأة”.

كلينتون ضد الربيع العربي

المؤكد أيضا، أن “كلينتون: تعادي الربيع العربي، وتتفق في هذا مع الرياض، وقد كشفت رسائلها البريدية التي نشرت على موقع ويكليكس أنها كانت ضد دعم أوباما للثورة المصرية علي الرئيس الاسبق حسني مبارك.

فقد كشف مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية للكاتب “ديفيد إجناتيوس” محلل الشئون الخارجية بالصحيفة كواليس الأيام الأولى من ثورة يناير 2011 في مصر، وما كان يدور داخل أروقة البيت الأبيض حول أفضل السبل التي ينبغي أن يتعامل بها النظام المصري آنذاك مع حشود المحتجين في ميدان التحرير.

وأوضح أن الرئيس الأمريكي أوباما كان ميلا لدعم الثورة علي مبارك والتخلص منه، بينما جاء موقف هيلاري كلينتون – الذي أوردته في كتابها الصادر عام 2014 بعنوان Hard Choices (خيارات صعبة) – معارضة للإطاحة بمبارك، من زاوية أن هذا قد لا يكون من صالح المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة.

وقال إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتخذ قرارا بالإطاحة بالرئيس الأسبق مبارك، معتمدا على أن “الصعود الديمقراطي المصاحب للربيع العربي من الممكن أن يقود إلى تحول سياسي مستقر في مصر وأماكن أخرى في الشرق الأوسط”.

وقال تحليل الصحيفة الأمريكية إن ما جري لاحقا دعم رأي “كلينتون” وأظهر أنها حللت قضايا السياسة الخارجية الكبرى بصورة صحيحة خلال وجودها على رأس وزارة الخارجية، وأنه لو كان أوباما قد صغى لصوت العقل وعمل بنصيحة كلينتون، لكانت الولايات المتحدة في وضع أقوى من الآن في العالم العربي”.

وتروي كلينتون في كتابها، سبب دعوتها للحذر وعدم التسرع بدعم إزالة مبارك، بأن الاخوان هم الفصيل المنظم الجاهز بعد رحيل مبارك مع الجيش، وقالت إن الشعب المصري كان يراهن على أن الإخوان لن يفسدوا تجربته الديمقراطية الجديدة، “لكن كما هو الحال دائما مع التغيير السياسي الحقيقي، من المستحيل أن تكون متأكدا من ذلك”.

وسبق أن ظهر في وثائق نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية، 1262 رسالة كانت قد أرسلتها هيلاري كلينتون من بريدها الإلكتروني الخاص، أثناء شغلها منصب وزيرة الخارجية، تضمنت أيضا التفاصيل حول دور الولايات المتحدة في الربيع العربي، وثورة 25 يناير 2011 في مصر وما بعدها.

وكان موقع “إيوان24” قد رصد في تقرير نشره في يناير الماضي، 60 وثيقة من هذه الوثائق معنونه بـ “مصر” أو “القاهرة”، تكشف دور الولايات المتحدة في مصر خلال الثورة.

قال المتحدث باسم الرئاسة المصرية علاء يوسف، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيشارك الأسبوع المقبل في اجتماعات الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك يوم الأحد المقبل 18 سبتمبر.

وأضاف أن السيسي سيقوم خلال زيارته لنيويورك بإجراء لقاءات مع وسائل الإعلام الأمريكية، فضلاً عن لقاء ممثلي غرفة التجارة الأمريكية، ومجلس الأعمال للتفاهم الدولي، إلى جانب التباحث مع عدد من الشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكي حول سبل الدفع قدماً بالعلاقات الاستراتيجية التي تربط بين البلدين.

يذكر أن السيسي شارك العام الماضي في الدورة السبعين للأمم المتحدة.

شركة “كلينتون” تلمع نظام السيسي

وبعيدا عن المصالح الامريكية، هناك مالح مالية أخري لهيلاري من تنشيط تعاونها معه لو وصلت للبيت الابيض، هو كشف موقع “التر نت” AlterNet التابع لمعهد وسائل الإعلام المستقلة غير الهادف للربح، أن حكومة السيسي سوف تستفيد لو فازت هيلاري كلينتون بالرئاسة في التغطية على جرائم حكمه.

حيث أشارت إلى علاقات فريق كلينتون بشركة “جلوبال بارك جروب” الأمريكية، التي تعاقدت معها مصر في 2013 لتحسين صورة مصر بعد انقلاب 2013 وقتل مئات المعارضين، عبر تعزيز علاقاتها مع مسئولين بالكونجرس ووسائل إعلام أمريكية.

فتلك الشركة، يديرها أعضاء سابقون في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون زوج هيلاري، ويمكن أن تساعد مصر في مواجهة الانتقاد المستقبلي لانتهاكات حقوق الإنسان أثناء وجود جديد لعائلة كلينتون في البيت الأبيض.

وذكر التقرير أن الوثائق الرسمية تظهر أن مصر دفعت 5.2 مليون دولار للشركة منذ عام 2013، وإن الشركة ترتب لقاءات لمسئولين مصريين مع مسئولين في الكونجرس لهم تأثير بخصوص التشريعات التي تتعلق بمصر.

ونقل تقرير “التر نت” عن “جيسون براونلي” البروفسور في جامعة تكساس ومؤلف كتاب “منع الديمقراطية: سياسات التحالف الأمريكي المصري” قوله إن الحكومة المصرية تريد ضمان استمرار المساعدة العسكرية الأمريكية التي تصل إلى 1.3 مليار دولار سنويا.

وسخر الموقع الامريكي من تأكيد هيلاري كلينتون أنها ستواصل في حال فوزها بالمنصب “تأكيدها طويل الأمد” على حقوق الإنسان، مشيرا لشكوك تثور حول كلماتها بسبب روابطها مع مؤسسة العلاقات العامة التي تعمل لحساب مصر، التي تواجه انتقادات لوضع حقوق الإنسان بها.

قرارات السيسي رهينة لأمريكا

وللتدليل على انه لا خلاف حقيقي بين إدارة اوباما والسيسي سوي عدم “استلطاف” الاول للأخير، نشير لدراسة سابقة لمعهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية الأمريكي (CSIS) ذكرت أن “قرارات نظام السيسي باتت رهينة لأمريكا وقوي أخري في المنطقة تدعم نظامه”.

وقال “جون ألترمان” مدير مشروع الشرق الأوسط بالمعهد أن “استراتيجية الحكومة الحالية لن تؤدي لتحقيق الاستقرار المنشود، بسبب تبعية مصر وارتهانها بدول أخرى في الشرق الأوسط وأمريكا في اتخاذ الكثير من القرارات”.

وشدد على أن “هذا هو ما يجبر الحكومة المصرية على إيلاء طريقة اتخاذ القرارات اهتماما أكبر من ذي قبل” لمراعاة مطالب من يتبعهم النظام، في إشارة لمن يدعمون نظام السيسي ماليا وعسكريا مثل الإمارات وأمريكا والسعودية.

نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع إيوان 24