“ما كاد لبنان يستعيد أنفاسه بعد أحداث عام 1958، ويخطو خطوات واسعة في سبيل التغيير، حتى جاءت الثورة الفلسطينية، تطرق أبوابه، بل تقتحم تلك الأبواب، وتقيم على أرضه ما يشبه الدولة داخل لبنان نفسه”
هذا ما كان يصدر من المسئولين اللبنانين في ذلك الوقت من التاريخ عن الانتفاضة الفلسطينية التي بلغت ذروتها بعد أحداث الحرب الأهلية اللبنانية، التي كانت من أهم الأحداث المؤثرة في مجريات تاريخ القضية خارج الساحة الفلسطينية، والتي انعكست بشكل سلبي على القضية، لتلقي بظلالها السوداء على كل ما تلاها من أحداث تجاه الثورة الفلسطينية على أرض لبنان في ذلك الوقت.
كان التواجد الفلسطيني في الأراضي اللبنانية يُرى من قبل العديد من الساسة اللبنانيين بمثابة قنبلة موقوتة تهدد الأمن السيادي والسياسي للبنانين، بل كان يهدد ديموغرافية الشعب اللبناني كما كانوا يقولون، وبالتالي كان التواجد الفلسطيني بمثابة استفزاز مستمر للجانب اللبناني في ذلك الوقت، لتخسر القضية الفلسطينية ساحة مواجهة مهمة ضد الكيان الصهيوني، وعلى الرغم من أنه لا يمكن تحميل الثورة الفلسطينية سبب مشاكل لبنان الداخلية، بالإضافة إلى آثام الحرب الأهلية في كل من الأردن ولبنان في ذلك الوقت، إلا أن الأنظمة الحاكمة اعتبرت القضية الفلسطينية سببًا رئيسيًا فيما يحدث على الساحة، واعتبرت تواجد اللاجئين الفلسطينين بمثابة مشكلة مؤرقة ديموغرافيًا وسياسيًا وعسكريًا.
مجزرة مُدبرة، وتدريبات مُسبقة
لم يكن الوضع مستقرًا للغاية بالنسبة للاجئين الفلسطينين على الأراضي اللبنانية، وبالأخص في المخيمات، فبدأ الأمر بحصار شديد للمخيمات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بالإضافة إلى الكتائب اللبنانية وجيش لبنان الجنوبي، وهو الجيش الذي يتكون من مجموعة من المليشيات مكوّنة من وحدات منشقة من الجيش اللبناني ساهمت في تشكيلها الجيش الإسرائيلي، تكوّن الجيش من ميليشات مسلحة أغلبها ميليشات مسيحية، وبعضًا من المسلمين، مِن مَن كانت لهم عداوات مع فصائل المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير في ذلك الوقت.
بدأت المقدمات التي تشير بحدوث مجزرة في مخيمات اللاجئين الفلسطينين بتدريبات مكثفة لجيش لبنان الجنوبي، والتي سبقت المجزرة بأسابيع، ومن ثم كان تقدم القوات الإسرائيلية بغطاء جوي مُكثف حتى العاصمة اللبنانية بيروت، ليتم حصار المخيمات الفلسطينية ومنها مخيم صبرا وشاتيلا بدبابات الجيش الإسرائيلي والميليشيات المسلحة من جيش لبنان الجنوبي، ليتم السيطرة على كل مداخل ومخارج المخيم، ومنع الخروج منه كليًا، وذلك بعد مقتل الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل في 14 سبتمبر/أيلول عام 1982.
في مساء السادس عشر من سبتمبر/ أيلول عام، قامت قوات الاحتلال بتأمين دخول كتائب الجيش لبنان الجنوبي المسلحة، وهي الشهادة التي يميل إليها الجانب الفلسطيني من الحادثة، حيث يميلون إلى الرواية التي تفيد بأن التخطيط كان إسرائيليًا، وكون التنفيذ كتائبيًا.
كان فجر تلك الليلة هو الأصعب في تاريخ القضية الفلسطينية، ليس لأنه الجريمة الوحيدة المرتكبة في حق الفلسطينين، ولكنها واحدة من أكثر الجرائم عنفًا ودموية على مدار تاريخ الصراع، اشترك فيها العدو الصهيوني مع حليفه من ميليشيات سعد حداد المسيحية المندرجة تحت مسمى كتائب جيش لبنان الجنوبي.
يصف الفلسطينيون الذين شهدوا الواقعة ذلك الفجر بأنه الفجر الذي استحت فيه الشمس أن تضيء، وأنه اليوم الذي غطت فيه الأرض كلها الدماء، فكانت أشلاء الجثث في كل مكان، وكان ما كان من العوائل الكاملة التي قضت نحبها ذبحًا بالأسلحة البيضاء، فكانت الشهادات مرعبة، حيث استخدمت الكتائب كل ما كان يصلح للقتل، من الأسلحة البيضاء والأحجار، والقنابل والبنادق، بعد أن سيطرت كليًا على المخيم، لتدق أعناق كل من قابلها من أطفال وشيوخ ونساء وشباب، فلم يسلم أحد، حتى ولو كان رضيعًا في عمر الأيام، فلم تكن الجريمة تستهدف أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية فحسب، ولا المقاومين كذلك، بل شوهدت النساء الحوامل تُبقر بطونهن، والأطفال قُطعت أطرافهم، وشوهدت جثث لفتيات كُبلت أيديهن بالسلاسل ومُزقت أجسادهن بعد أن اغتصبهن أفراد الكتائب بوحشية.
بعض من تسجيلات شهود العيان عن المجزرة
من المسئول؟
على المستوى الفلسطيني، رأى الفلسطينيون أن التخطيط كان إسرائيليًا من قِبل وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون في ذلك الوقت، بالاشتراك مع عدد من ضباط الجيش الإسرائيلي، بتورطهم الغير مباشر في المذبحة، إلا أن هناك جانب أغفله التاريخ العربي وكذلك العالمي من القضية، وهو جانب العناصر اللبنانية، الذين عاشوا وماتوا دون محاسبة، ليموتوا أبطالًا وأيديهم ملطخة بالدماء.
إيلي حبيقة: البطل الملطخة يداه بالدماء
إيلي حبيقة
إيلي جوزيف حبيقة، سياسي لبناني ولد عام 1956، كان أحد قادة الميليشيات اللبنانية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث انضم في البداية إلى “حزب الكتائب”، وهو أحد أهم الفصائل اليمينية في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، ومن ثم أصبح مسئولًا عن جهاز الأمن والمعلومات في عام 1979، إلى تورطه في مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982.
” يمكن لحبيقة أن يفعل ما يشاء، فمنذ سنوات، يفعل ما يفعله دون حسيب أو رقيب” هكذا وصفه شهود عيان على مذبحة صبرا وشاتيلا في