هددت إيران البحرين مؤخرًا مما أسمته عواقب محاكمة المرجع الديني الشيعي عيسى قاسم وحذرتها بألا “تنساق لحيل ومكر السعودية” بحسب ما جاء على لسان مسؤولين إيرانيين.
بدأت القصة حينما أعلنت وزارة الخارجية البحرينية في شهر يونيو الماضي إسقاط الجنسية عن المرجع الشيعي المعارض عيسى أحمد قاسم، لـ”دوره في توفير بيئة طائفية متطرفة،” حسبما جاء في بيان الوزارة.
وقالت الوزارة إن الشيخ قاسم “قام منذ اكتسابه الجنسية البحرينية بتأسيس تنظيمات تابعة لمرجعية سياسية دينية خارجية حيث لعب دورًا رئيسيًا في خلق بيئة طائفية متطرفة، وعمل على تقسيم المجتمع تبعًا للطائفة وكذلك تبعًا للتبعية لأوامره،” حسبما نقلت وكالة الأنباء البحرينية الرسمية.
كما اتهمت السلطات البحرينية قاسم، الذي يعد أحد أبرز المراجع الشيعية في البحرين، بـ”تبني الثيوقراطية”، وأنه “أكد على التبعية المطلقة لرجال الدين، من خلال الخطب والفتاوى التي يصدرها مستغلًا المنبر الديني، الذي أقحمه في الشأن السياسي لخدمة مصالح أجنبية وشجع على الطائفية والعنف.”
وأضافت الوزارة أنها وجدت أن قاسم “رهن قراراته ومواقفه التي يمليها بصورة الفرض الديني من خلال تواصله المستمر مع منظمات خارجية وجهات معادية للمملكة، ويقوم بجمع الأموال دون الحصول على أي ترخيص خلاف لما نص عليه القانون.”
وتابعت الوزارة أن الشيخ الشيعي المعارض عمل في أكثر من مناسبة وبصور متعددة “على ضرب مفهوم حكم القانون وخاصة السيطرة على الانتخابات بالفتاوى، من حيث المشاركة و المقاطعة وخيارات الناخبين ورهن المشاركة السياسية بالمنبر الديني،” وأنه استغل مكانته الدينية كمرجع شيعي لـ”ضرب كافة نواحي الشأن العام دون مراعاة لأية ضوابط قانونية متخطيًا بذلك الأعراف التي استقر عليها مجتمع البحرين، كما قام المذكور بتحشيد كثير من الجماعات لتعطيل إصدار القسم الثاني من قانون أحكام الأسرة ( الشق الجعفري).”
واستندت الوزارة في قرارها إلى أحكام قانون الجنسية البحرينية والذي يقرر إسقاط الجنسية البحرينية في حال ” تسبب (الشخص) في الإضرار بمصالح المملكة أو تصرف تصرفًا يناقض واجب الولاء لها،” وشددت الوزارة على أن قاسم “اكتسب الجنسية البحرينية ولم يحفظ حقوقها وتسبب في الإضرار بالمصالح العليا للبلاد ولم يراع واجب الولاء لها.”
وأكدت الوزارة أن ذلك القرار جاء في إطار استمرار البحرين في “مواجهة كافة قوى التطرف والتبعية لمرجعية سياسية دينية خارجية، سواء تمثل ذلك في الجمعيات أو أفراد يخرجون على واجبات المواطنة والتعايش السلمي، ويقومون بتعميق مفاهيم الطائفية السياسية، وترسيخ الخروج على الدستور والقانون وكافة مؤسسات الدولة، وشق المجتمع طائفيًا سعيًا لاستنساخ نماذج إقليمية قائمة على أسس طائفية مذهبية.”
إيران ترد على خطوة إسقاط الجنسية
عقب إعلان السلطات البحرينية قرار إسقاط الجنسية عن عيسى قاسم انتقد الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، هذه الخطوة، ونقلت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية شبه الرسمية بيان سليماني حيث قال: “إن الشعب المسلم والمظلوم في البحرين، يعاني منذ سنوات طويلة، من الظلم والتمييز والإذلال،” معتبرًا أن البحريني: “كان يسعى لنيل حقوقه العادلة والمحقة بشكل سلمي” وقد أدى الضغط عليه إلى “تغيير أساليبه السلمية” على حد تعبيره.
وتابع قائلًا أن سجن رئيس جمعية الوفاق البحرينية المعارضة، الشيخ علي سلمان، شجع السلطات في المنامة على ما وصفها بـ”الغطرسة”، واصفًا قاسم بأنه “عالم بارز والقائد الديني لشيعة البحرين” دون أن يوضح سليماني الصفة الرسمية التي تتيح له إصدار البيان.
وفي تلميح ضمني إلى الأوضاع الداخلية في البحرين، قال سليماني إن السلطات في المنامة “ليس لديها تقديرات صحيحة عن مدى غضب” الشعب، معتبرًا أن التعرض للشيخ قاسم “خط أحمر يشعل تجاوزه النار في البحرين والمنطقة”.
وختم بالقول إن هذه الممارسات “لن تُبقي خيارًا للشعب إلا المقاومة،” لافتًا إلى أن “الإساءة إلى آية الله الشيخ عيسى قاسم واستمرار الحملات القمعية الخارجة عن طاقة الشعب البحريني ستكون بداية لانتفاضة دامية.”
وعقب يومين من إعلان وزارة الخارجية البحرينية إسقاط الجنسية عن الشيخ الشيعي المعارض عيسى أحمد قاسم، اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أن مشكلة الحكم في العالم العربي، تتمثل في “العجز” عن تلبية المطالب السياسية والاجتماعية للشعب، قائلا إن بلاده “لا يمكن أن تقبل المساس بحقوق الشعب البحريني من قبل مجموعة، وأن يحرم الشعب من حقوقه”.
المرشد الإيراني يحذر من انتهاء السلمية في البحرين
فيما حذر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي من انتهاء سلمية الاحتجاجات في البحرين بعد قرار السلطات البحرينية بإسقاط الجنسية عن رجل الدين الشيعي عيسى قاسم، واتهم خامنئي النظام الحاكم في البحرين بـ”ممارسة الظلم” ضد أغلبية الشعب، على حد تعبيره.
وقال خامنئي: “إننا نشاهد اليوم أن أقلية جائرة وأنانية تظلم الأغلبية… إنهم يتعرضون اليوم لعالم مجاهد مثل الشيخ عيسى قاسم وهذه الخطوة تنم عن الحماقة والبلاهة”، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن خامنئي خلال استقباله أسر ضحايا تفجير مقر الحزب الجمهوري الإسلامي في 27 يونيو عام 1981.
وأضاف أن “الشيخ عيسى قاسم هو الشخص الذي كان يضمن سلمية الاحتجاجات”، وتابع: “هؤلاء الجهلة لا يدركون أن إقصاء الشيخ عيسى قاسم هو بمثابة إزالة الحواجز من أمام الشباب البحريني ضد الحكومة، وحين ذلك لا يمكن لأي شيء أن يحول دون هؤلاء الشباب”.
البحرين تصعد بمحاكمة عيسى قاسم
بينما نظرت المحكمة الكبرى الجنائية البحرينية يوم 27 يوليو الماضي أولى جلسات محاكمة الشيخ عيسى قاسم وآخرين، بتهم تتعلق بـ”غسل أموال وجمع أموال بدون ترخيص”.
وكان المحامي العام الأول أحمد الدوسري، قال بشأن وقائع جمع الأموال بغير ترخيص وغسل الأموال غير المشروعة والمنسوبة إلى عدد من الجمعيات الأهلية وبعض الأشخاص، إن النيابة العامة قد أنجزت تحقيقاتها في تلك الوقائع وقررت إحالة 3 قضايا إلى المحكمة المختصة، تعلقت القضية الأولى بما أسند إلى 3 متهمين من بينهم رجل دين، لما ثبت لدى النيابة من ارتكابهم جريمتي جمع الأموال بغير ترخيص، وغسل الأموال بإجراء عمليات على تلك الأموال لإخفاء مصدرها ولإضفاء المشروعية عليها على خلاف الحقيقة.
كما ذكرت النيابة العامة في وقت سابق أنها أجرت في هذه القضية تحقيقات مكثفة فور تلقيها البلاغ؛ لاستظهار الملابسات والظروف المادية والواقعية المحيطة بهذه الوقائع كافة، ولتتبع الأدلة المتعلقة بعملية جمع الأموال وتحديد مصادرها وأوجه إنفاقها من خلال رصد وتوثيق التحركات المالية والمصرفية التي أجراها المتهمون على تلك الأموال.
وردت إيران مؤخرًا بتهديد جاء على لسان مدير عام الشؤون الدولية في مجلس الشورى الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، الذي حذر أمس الخميس دولة البحرين من محاكمة رجل الدين الشيعي، عيسى قاسم، الذي أسقطت السلطات البحرينية الجنسية البحرينية عنه، وقال عبداللهيان إن محاكمة قاسم سيكون لها “عواقب،” ونصح البحرين بألا تنساق لما أسماه “حيل ومكر السعودية”.
وقال عبداللهيان إن الشيخ قاسم “ليس للبحرينين فقط وإنما هو عالم لكل الأمة الإسلامية،” وإن محاكمته “ستكون لها عواقب غير محمودة للنظام البحريني،” حسبما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية “تسنيم”.
وأضاف عبداللهيان: “أنصح النظام البحريني الحاكم بأخذ الحيطة والحذر،” مما وصفه بـ”مكر وحيل النظام السعودي وألا تخدعهم السعودية أكثر،” معلقا بأن “على آل خليفة أن يدركوا جيدًا عواقب محاكمة عيسى قاسم وتبعاتها،” على حد تعبيره.
الخشية من تكرار سيناريو نمر باقر النمر
يخشى مراقبون من تصاعد التوتر بين البحرين وإيران بسبب إصرار الأخيرة على التدخل في مسألة محاكمة المراجع الشيعية الدينية، وهو ما يذكر بقضية المرجع الشيعي الذي أعدمته السعودية نمر باقر النمر، والذي اندلعت عقب إعدامه توترات بين المملكة وإيران لا تزال تعاني منها المنطقة حتى الآن في أكثر من بقعة.