في الحرب، من الطبيعي أن يكون الموت حاضرًا، وأن يكون الأكثر حضورًا كذلك، ليس فقط في الأماكن التي تدور بها الحرب، بل في عدة أماكن أخرى، كالتلفاز، والجرائد، والأدب أيضًا، وتحديدًا في الروايات التي لعبت دورًا مهمًا في توثيق ما جرى من أحداث على مر الزمن، وكانت بمثابة نافذة تتيح للآخرين الاطلاع على ما جرى في ذلك الوقت، في بلدان وأماكن مختلفة.
على سبيل المثال رواية “ألف شمس مشرقة” للروائي الأفغاني خالد حسيني، والتي أتاحت للبعض – وبالتحديد جيلنا – الاطلاع ولو بشكل بسيط على ما حدث في أفغانستان قبل الغزو السوفييتي، مرورًا بالحرب الأهلية التي دارت بين الفصائل الأفغانية، ومن ثم سيطرة حركة طالبان على البلاد، وتصور لنا الرواية معاناة الشعب الأفغاني في تلك الفترة، وكانت الرواية بمثابة إجابة بسيطة على سؤال “ما الذي حدث في أفغانستان في تلك الفترة”؟ كما كانت روايات كثيرة بمثابة إجابات مختلفة على عدة أسئلة، منها الروايات التي تتحدث عن النكبة الفلسطينية ومنها ” بينما ينام العالم” لسوزان أبو الهوى وكذلك سلسلة الملهاة الفلسطينية للكاتب إبراهيم نصرالله، وأعمال غسان كنفاني أيضًا، وأدباء آخرون.
بعد مرور أكثر من سنتين على بداية الأزمة السورية، بدأ الأدباء بتوثيق ما يجري داخلها من حرب ودمار ومعارك لا تنتهي، والأهم من كل ذلك “الموت” الذي كان الأشد حضورًا في سوريا، واستطاع الروائي السوري خالد خليفة توثيق ما يجري في رواية – رغم صغر حجمها – إلا أنها كبيرة بما تحمله من معاناة لعائلة من بين آلاف العائلات السورية الأخرى.
خالد خليفة الذي وثق ما جرى في سوريا عام 1982، أثناء الصراع بين السلطة والإخوان المسلمين في روايته “مديح الكراهية” والتي تعتبر أول رواية تتحدث عن تلك الفترة من الزمن، وعما حدث من معارك ومجازر بحق الآلاف من الناس، وبالتحديد في حلب وحماه ناقلًا بذلك أحداث لم تستطع شاشات التلفاز والجرائد والإنترنت نقلها للعالم، عاد من جديد، وبعد روايته “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” برواية جديدة تحمل اسم “الموت عمل شاق”.
يوثق من جديد خالد خليفة في هذه الرواية ما يجري الآن في سوريا، وكيف تحول الموت من أمر سهل في بلد لا يتوقف به الرصاص والقذائف والغارات اللواتي يقدمن للشعب موتًا سهلًا ومجانيًا، إلى عمل شاق.
عكس رواية “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” التي بدأها خالد خليفة بموت الأم، بدأ روايته “الموت عمل شاق” بموت الأب، وبداية العمل الشاق الذي سيواجه أبناء الأب، وبالتحديد “بلبل” الذي وعد والده بتنفيذ وصيته بأن يدفنه في مسقط رأسه في قرية العنابية، جوار قبر شقيقته “ليلى”، ولكن فيما بعد، أدرك بلبل أنه أوقع نفسه في مأزق كبير، وقد اتضح ذلك في الطريق المحفوف بالموت والمخطار من دمشق حتى العنابية، وبالتحديد حينما اعتقلت “جثة الأب” الذي كان مطلوبًا لأكثر من فرع مخابرات، كما قال خليفة، بالإضافة إلى بلبل وحسين وفاطمة، ومن ثم تفسخ الجثة أكثر فأكثر، والتوقف المستمر على الحواجز العسكرية للجيش والفصائل المعارضة، ومشهد الموت على الطرق العامة بفعل القنص المتواصل، وعلى الرغم من كل ما مر به بلبل، إلا أنه لم يستطع دفن جثة والده بقرب قبر شقيقته، كما أوصاه قبل موته.
يأخذنا خالد خليفة في هذه الرواية إلى عمق الأزمة السورية، وانتشار الموت في كل مكان، ويلخص محنة شعب تائه ما بين البقاء داخل سوريا برفقة الموت، ومغادرتها لموت آخر قد يكون أقل ألمًا، دون أي أمل في انتهاء الحرب الدائرة، ويكون خالد خليفة قد وثق ما جرى في روايته لأجيال قادمة تتساءل عما حدث في هذا الوقت، إن طوى التاريخ صفحة سوريا كما حدث في الثمانينات.