يبدو أن سياسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في التعامل مع المتغيرات السياسية الداخلية والخارجية، وخاصة مع الجانب الإسرائيلي، لا تعجب الكثير من الدول الأوروبية، فبدأوا باتخاذ خطوات “ضاغطة” على الرئيس الفلسطيني عله يتراجع عن مواقفه السياسية ويمد يده من جديد لإسرائيل التي تقتل وتدمر دون حساب.
وكانت أولى الخطوات التي اتخذتها الدول الأوروبية هي اللعب والتهديد بورقة “المساعدات” التي تقدم للسلطة الفلسطينية عن كل عام، فقررت تقليص المساعدات المالية والإنسانية لأكثر من 70%، مما وضع السلطة في موقف حرج ومقبلة على عاصفة كبيرة وخطيرة، قد تتسبب في إنهاء دورها تمامًا وحلها.
وتعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مالية طاحنة منذ عدة شهور، ما أجبر رئيس حكومة التوافق الوطني رامي الحمد الله لتوجيه نداءات بـ”ربط الأحزمة” خلال الفترة المقبلة، بسبب الأزمة الخانقة التي تعاني منها السلطة، والتي قد تطال مؤسساتها وراتب موظفيها.
أزمة طاحنة وحلول معدومة
وبحسب صندوق النقد الدولي، في آخر تقرير رسمي نشر له، فإن “إجمالي الدعم المالي الخارجي للسلطة الفلسطينية، شهد تراجعًا بنسبة 71% منذ عام 2008 حتى العام الحالي (2016)، وقال راغنر غودمندسون، ممثل الصندوق الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة، إن “الدعم الخارجي لفلسطين تراجع من نحو 2.7 مليار دولار عام 2008 إلى 800 مليون دولار خلال العام الحالي”.
وبلغ حجم الدعم المالي الخارجي للموازنة الفلسطينية منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية سبتمبر/ أيلول نحو 592 مليون دولار أمريكي، في حين قال شكري بشارة، وزير المالية في حكومة التوافق، إن توقعات المنح المالية للعام الحالي لن تتعدى حاجز الـ 800 مليون دولار أمريكي.
هذا التقليص، وبحسب مراقبين، فتح باب التساؤلات واسعًا حول الأسباب التي تدفع تلك الدول إلى التخلي عن التزاماتها المالية تجاه السلطة الفلسطينية، وكذلك مدى قدرة وتحمل السلطة للالتزام بدفع رواتب موظفيها المدنيين والعسكريين والمؤسسات التي تصرف عليها شهريًا؟
هنا اتهم بسام زكارنة، رئيس نقابة الموظفين (سابقًا)، وعضو المجلس الثوري لحركة (فتح)، الحكومة الفلسطينية الحالية برئاسة رامي الحمد الله، بالمسؤولية الكاملة عن تراجع الدول المانحة عن دعم الخزينة الفلسطينية.
وأكد زكارنة، أن دور الحكومة “السلبي”، وعدم التعامل بشفافية ومصداقية مع الأموال والتبرعات التي كانت تصل خزينة السلطة من الدول المانحة، ساهما بشكل كبير في تقليص الدعم المالي الخارجي.
وأضاف: “لا توجد أي رقابة على أداء الحكومة أو السلطة في صرف الأموال التي تصلها من الخارج، فالمجلس التشريعي مُعطل، وكذلك هناك تجاهل كبير لدور النقابات، فأصبحت الشفافية التي يعتبرها الغرب معيارًا لاستمرار الدعم المالي غائبة وغير موجودة”.
في حين عزا النائب في المجلس التشريعي، والقيادي في حركة حماس فتحي القرعاوي، العزوف الأوروبي عن مواصلة الدعم المالي لخزينة السلطة الفلسطينية، إلى الفساد “المالي والإداري” المستشري داخل مؤسسات السلطة المدنية والعسكرية.
وأكد القرعاوي أن “الدول المانحة وخاصة منها الأوروبية حذرت في كثير من الأحيان، بأن الفساد المالي والإداري الذي تعاني منه مؤسسات السلطة الفلسطينية، سيكون سببًا كافيًا لوقف الدعم المالي عنها، إلا أن السلطة لم تستطع تجاوز أو حتى تفهم تلك التهديدات”.
في آخر تصريحات نشرت لرئيس الحكومة رامي الحمد الله قال إن “ما وصل خزينة السلطة الفلسطينية منذ بداية العام وحتى أغسطس/ آب الماضي بلغ 350 مليون دولار فقط”، معتبرًا أن تقلص الدعم المالي الدولي يأتي في إطار الحصار المالي والسياسي على السلطة الفلسطينية، لافتًا إلى أن بعض الدول التي لم يسمها تفرض حصارًا كاملًا، لكن القيادة الفلسطينية لديها مواقف ثابتة “لا نتنازل عنها مقابل الأموال”.
فساد مالي وإداري
الخبير في الشأن الاقتصادي والسياسي، الدكتور نائل موسى، أكد أن السلطة الفلسطينية تعاني من أزمة مالية كبيرة في الشهور الأخيرة بسبب تخلي الدول المانحة عن دعم موازنتها السنوية.
وأوضح موسى أن أزمة السلطة المالية الجديدة مرتبطة بشكل كبير بالأزمة السياسية التي تعاني منها، وعدم التوصل لأي اتفاق سياسي مع الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، لافتًا أن كل الدعم المالي الذي يقدم للسلطة الفلسطينية مرهون بالتطورات السياسية، في حال كانت تطورات مشجعة يكون الدعم سخيًا للسلطة والفلسطينيين، وفي حال تعطلها ووضع شروط من هنا أو هناك يستخدم الغرب الدعم المالي للضغط ولأغراض سياسية “خبيثة”.
وأوضح موسى أن السلطة لا تملك أي حلول جوهرية للأزمات المالية الكبيرة التي تعاني منها؛ لكون الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل أساسي على المنح والمساعدات الخارجية التي تقدم من قبل الدول المانحة.
وذكر الخبير في الشأن الاقتصادي والسياسي، أن السلطة الفلسطينية ستبقى مرهونة اقتصاديًا بالتطورات السياسية الحاصلة، واستمرار الأوضاع المالية الصعبة التي تعاني منها سيضع ملف توفير رواتب آلاف الموظفين التابعين لها “المدنيين والعسكريين”، إضافة إلى دعم مؤسساتها داخل فلسطين وخارجها، على المحك.
الحكومة الفلسطينية أقرت أوائل يناير/ كانون الثاني الماضي موازنة بأربعة مليارات و250 ألف دولار في 2016، بفجوة تمويلية قدرها 386 مليون دولار، معلنة إجراءات تقشفية صارمة، كما يتضمن مشروع الموازنة تخصيص 3.9 مليارات دولار للنفقات الجارية، و350 مليون دولار للنفقات التطويرية.
واشتدت الأزمة المالية للسلطة عام 2011 وذلك بعد إعلان السلطة نيتها التوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بعضوية دولة فلسطين، فسارعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى عدم تحويل عوائد الضرائب الشهرية التي تجبيها لمصلحة السلطة، والتي تقدر بما يزيد على 100 مليون دولار.
كما أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات المالية التي تقدمها للسلطة، وهو ما تكرر في نهاية العام 2014 عندما احتجزت حكومة الاحتلال أموال الضرائب، خاصة بعد قرار التوجه للجنائية الدولية، وهو ما أدخل السلطة في متاهة جديدة شلت قدرتها على دفع رواتب الموظفين البالغة نحو 600 مليون شيقل شهريًا.