ترجمة وتحرير نون بوست
شهدت مدينة مصراتة مصرع معمر القذافي وابنه، ولكن لا تزال القوات الموالية للدكتاتور الليبي، المتوفي منذ خمس سنوات، تطارد الثائر الليبي، أنور صوان.
فبعد ساعات من مقتل القذافي وابنه في الانتفاضة التي هزت العالم العربي، جلب متساكني مصراتة أجسادهما على أيديهم عاليا كأنهم كانوا يمسكون بجائزة النصر. ومن ثم تمّ حمل تلك الجثث إلى بيت صوان أين قضتا كلتا الجثتين الليلة. واليوم يمكن القول أن بيت صوان أصبح مخزنا للسلاح يقوم بدعم الميليشيات في المدينة بالذخيرة والقوة.
وتجدر الإشارة إلى أن صوان قد احتفظ في هاتفه برسائل كراهيةٍ، التي أُرسلت له من الموالين للقذافي، الذين يعتقدون أن صوان قد لعب دورا مهما في مقتل القذافي، فضلا عن أنه كان يعرف مكان الدفن السري لزعيمهم. وقد قيل له في أحد الرسائل، “سنمسك بك أيها الوغد”.
وفي بلاد اشتدت فيه وتيرة العنف، لعب صوان دورا مهما في تغذية كل الصراعات الدائرة، حيث شارك هذا الأخير تقريبا في كل الصراعات التي أعقبت وفاة القذافي. كما قال إنه ساعد على تغذية مسار الفوضى والنزاعات في بلاده بعد أربعة عقود من الحكم الاستبدادي، لتصبح في الوقت الراهن حربا على السلطة والنفط والنفوذ. كما أضاف في نفس هذا السياق، بصوت خشن وحاد، لقد دخلت كل الحروب الدائرة منذ2011 بنفس الحماس.
ومن أجل تأمين الذخيرة لميليشيات مصراته، والفصائل المسلحة الأقوى في ليبيا، كان يشتري كل السلاح والذخيرة، المتأتية من مخزونات القذافي والسترات المضادة للرصاص، والغذاء، والماء، حتى يستطيع التفوق على المنافسة القبلية والإقليمية والسياسية التي يواجهها.
ومنذ شهر مايو/آيار، عمل صوان على تزويد الميليشيات بالأسلحة اللازمة لمواجهة قوات تنظيم الدولة المتمركزة في مدينة سرت الساحلية والتي تبعد قرابة 120 ميلا عن مدينة مصراتة. وبدعم من الضربات الجوية الأمريكية، استطاع الحد من توسع حدود الخلافة لهذا التنظيم الإرهابي في شمال إفريقيا. ولكن بالنسبة لصوان، لم يجلب الربيع العربي له إلا المزيد من المعارك، والأعداء ومن أشباه القذافي.
هذا المخزن المليء بالصناديق كان قد شهد جثتي معمر القذافي وابنه عقب قتلهما في 2011
تهريب الأسلحة
ومنذ ليالي قليلة، قدمت إلى منزله سيارة كبيرة محملة بالسلاح والرصاص وقذائف الهاون. كما قام في نفس ذلك اليوم بالذهاب إلى العاصمة طرابلس، كما يفعل غالبا بعد أن قام بجمع الكثير من المال من رجال أعمال مصراتة المتعاطفين معه والقيادات العسكرية والميليشيات، وذلك من أجل زيارة “تجار الحرب” على حد تعبيره، الذين يتاجرون في بقايا ترسانة القذافي ويقومون بتهريب الأسلحة غير المشروعة التي غمرت البلاد بعد وفاته.
كما قال صوان إن بعض الناس قاموا بالتبرع بصناديق من الرصاص من مخزوناتهم الشخصية وذلك من أجل تزويد الميليشيات بالسلاح في مدينة سرت. مضيفا أنه يتم تحميل شاحنة معبأة بالسلاح خمس مرات في كل أسبوع، التي تتجه إلى القوات المتواجدة في مدينة سرت الساحلية.
قبل خمس سنوات، كان يملك صوان مصنعا مصهرا لمادة الألمنيوم وشركة مصنعة لأغذية الحيوانات. وعند اندلاع الثورة، قام مثل العديد من المهنيين الليبيين، بمسك السلاح والانضمام للثوار المحتجين. كانت مصراتة، ثالث أكبر المدن الليبية، والآن قد أصبحت ساحة معركة كبيرة واشتباكات عنيفة وقصف يومي بين المتمردين والموالين للقذافي. وبدعم من الضربات الجوية لقوات حلف الناتو، استطاع الثوار اليوم السيطرة على المدينة من جديد في مايو/آيار 2011.
وفي 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، قتل القذافي وابنه المعتصم في سرت، وجلب مقاتلو مصراتة أجسادهما إلى ثكنة الميليشيا هنا. وفي ذلك الوقت طالب المئات من الجماهير برؤية الجثث. كما طالب المجلس العسكري المحلي بحضور الطبيب لإجراء فحص الطب الشرعي لإثبات هويتهما، ولذلك تم نقل الجثث إلى منزله. مشيرا إلى أن الناس كانت تحترمه وتهابه لذلك لم يتجرأ أحد على دخول منزله عنوة.
في اليوم التالي، تم نقل الجثث إلى منطقة السوق، حيث تم وضعها في المبردات الصناعية لمدة ثلاثة أيام. وعلى مدى الأشهر والسنوات التي تلت تلك الحقبة، انخرط صوان في دوامة العنف الطائفي، حيث انضم إلى ميليشيات مصراتة لمحاربة القبائل المتعاطفة مع القذافي في مدينة بني وليد والميليشيات المتنافسة في طرابلس.
وفي هذا السياق، قال أنه يتنقل أينما يتواجد المقاتلون ويقدم لهم الدعم أينما كانوا. مضيفا أنه قد تنقل جوا مؤخرا إلى جنوب مدينة سبها لإيصال الإمدادات إلى فصائل مصراتة الأخرى. كما أشار صوان إلى أنه سوف لن يتزوج وينجب أطفالا إلا عندما يستقر حال ليبيا.
أنور صوان يتفقد حمولة شاحنة صغيرة من الأسلحة. تتوجه خمس شاحنات مثل تلك أسوعيا إلى الميليشيات التي تقاتل ضد قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)
بين الأطراف المتصارعة
يعيش صوان في حاوية تغطي جدرانها كتابات لآيات قرآنية، مكتوبة بخط اليد. كما يوجد على أحد جدران هذه الحاوية قميصا كتب عليه، “أحب محمدا”. حيث لا تُعتبر فقط هذه الكتابات مؤشرا على تقوى صوان ولكنها تكشف عن ميوله السياسية. حيث أعرب في حديثه عن تأييده لائتلاف الميليشيات الموالية للإسلاميين، والمعروفة باسم فجر ليبيا، الذين هاجموا مطار طرابلس واستولوا على مناطق واسعة من العاصمة في صيف عام 2014. وتحت حماية الميليشيات، استطاعت حكومة يقودها الإسلاميون اعتلاء رأس هرم السلطة والسيطرة على طرابلس. أما الآن، فتترأس حكومة وحدة وطنية مدعومة من الأمم المتحدة منذ ديسمبر/ كانون الأول السلطة.
وقال صوان أن المجلس العسكري، الذي يقوم بالتنسيق المقاتلين في مصراتة، قد توافق مع حكومة الوحدة الوطنية، التي يتزعمها رئيس الوزراء فايز السراج. لكنه لم يكشف في حديثه عن الصدع والانشقاقات التي تحصل داخل الميليشيات.
ولم يكن تنظيم الدولة هو أكبر تهديد لصوان، بل كان الجنرال خليفة حفتر، الرجل العسكري القوي الذي يسيطر على شرق ليبيا، والذي عاش في المنفى في شمال ولاية فرجينيا لعقدين من الزمـن. حيث أشار صوان في هذا السياق، إلى أن الجنرال خليفة حفتر يمثل بالنسبة له “القذافي الجديد”. مضيفا، وهو يشير إلى ركن من الحاوية، أنه سنرى قريبا جثة حفتر في ذلك المكان.
وتجدر الإشارة إلى أن مجلس مصراتة يحذر كثيرا من تحريض صوان وقادة الميليشيات الشعب ضد حكومة الوحدة الوطنية. حيث يقول في هذا السياق، المتحدث باسم العمليات العسكرية للمجلس، الجنرال محمد جاسر، “إن صوان هو رجل يحب الاستعراض كما يحب أن يظهر نفسه أنه محور كل شيء. لكن في الواقع، إنه مجرد رجل عادي”.
وأثناء الحوار مع صوان، جاء رجل نحيف، يدعى محمد جيلوان أعلمه أن قائد الميليشيا قد أصيب بشظية من قذيفة مورتر عندما كان يقاتل تنظيم الدولة في سرت. كما ألمح هذا الرجل أنه لا يزال على قيد الحياة. على إثر ذلك، قام صوان بإجراء مكالمة هاتفية يستعلم فيها عن ما إذا كانت الميليشيا بحاجة لمزيد من الأسلحة، لأن الشاحنة ستتوجه إلى سرت عند الفجر. وعند انتهائه من تلك المكالمة، قال إنه، لو قام الغرب بدعم الميليشيا بالذخيرة، لكانوا استطاعوا القضاء على تنظيم الدولة منذ فترة طويلة.
وجدير بالذكر أن صوان يأمل أن الانخراط في الكفاح من أجل استعادة مدينة سرت سيمنح مصراتة تأثير أكبر في المنطقة التي تسيطر على معظم إنتاج النفط الليبي. كما أوضح أنه تجري مناقشة خطة في الوقت الراهن لترك ألف مقاتل لحماية وتأمين المدينة. ولكن عندما سئل عن ما إذا رفضت سرت وجود الميليشيات في المدينة، فهي لا تزال تُعتبر مسقط رأس القذافي، ولا تزال قبيلته مهيمنة فيها، أجاب أن “أي شخص شارك في تحرير سرت يجب حمايته، وإذا كانوا لا يرغبون في تواجد سكان مصراتة، فلماذا لا يحررون مدينتهم بأنفسهم؟”.
وأشار جيلوان، الذي كان يعمل المصور الخاص للقذافي في أواخر الثمانينات أنه، عندما ساعد المصراتيون في تحرير سرت في عام 2011، وافقوا على تسليم المدينة لسكانها. لكن سكانها سمحوا للموالين للقذافي بالسيطرة عليها، وفي وقت لاحق أتاحوا الطريق لتنظيم الدولة للاستحواذ عليها. ولهذا نحن لن نكرر نفس الخطأ مرة أخرى.
وأضاف صوّان أن “ما سيوحّد ليبيا هو القوة والمال، لأن الليبيين مثل الأطفال، يجب أن تعطيهم ملابس جميلة ولعبا، ولكن عندما يخطئون، يجب أن يضربوا بالعصا. مشيرا أن القذافي كان يستخدم نفس هذه الإستراتيجية لإحكام السيطرة على ليبيا.”
وألمح صوان أن أقارب القذافي عرضوا عليه 25 مليون دولار لإرشادهم عن موقع قبر الدكتاتور، لكنه رفض ذلك. وأضاف جيلوان في هذا السياق، أنه اتفق مع قادة مصراتة على إبقاء موقع القبر سرا، خوفا من أن يقوم مقاتلي الميليشيا بتدنيسه أو أن يجعله أتباع القذافي مزارا، مثل الفاتيكان.
وعندما سئل جيلوان حول وجود ثمانية أشخاص من سكان مصراتة ممن شهدوا دفن القذافي وعما إذا كان صوان من بينهم؟. أجاب أنه حتى لو كان يعرف، لن يخبر أحدا، لأن كل الذين شهدوا دفن القذافي أقسموا اليمين أن لا يخبروا أحدا عنه”. وأما صوان فقد رفض الانجرار في الحديث عن هذا الموضوع.
بعد لحظات، سار صوان خارج الحاوية ليتفقد الذخيرة في الشاحنة، لكن قبل ذلك قال إنه “على الرغم من أن حياته تدور حول الحرب وفي خطر مستمر، فهو ليس نادم على الانتفاضات التي قلبت مصير بلاده، لأن أسوأ يوم يعيشه حاليا هو أفضل من أيام جيدة عاشها في ظل نظام القذافي”.
المصدر: واشنطن بوست