في مارس ٢٠١٢، وبعد عام بالضبط من بداية الثورة في سوريا، كتبت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية تقول أن “ما تتعرض له حمص ليس نهاية صراع، وإنما بداية حرب أهلية”. وبعد قرابة العامين من مقال التلغراف يبدو أن الواقع يتجه بدقة شديدة إلى هذا الاتجاه الذي سارت فيه البوسنة قبل أقل من عشرين عاما.
فالتعدد العرقي والطائفي في سوريا يشبه كثيرا مثيله في البوسنة، فبعد عام من الصراع، ومع تدخل الأطراف الإقليمية (حزب الله وإيران) يتحول الصراع ليغدو طائفيا رغم أنه لم يُرد له أن يكون كذلك.
كانت البوسنة جمهورية صغيرة تابعة ليوغوسلافيا السابقة ومثلت وقتها ازمة اوروبية على اعتاب حلف شمال الاطلسي. لكن سوريا دولة عربية كبيرة لها أصدقاء أقوياء مثل روسيا وايران وتقع عند مفترق طرق استراتيجي في العالم.
سوريا تقف على حافة خطر يذكرنا ببقع الدماء التي كانت تسيل في كل مكان من البوسنة والهرسك، في صراع عرقي وطائفي قاس لا يرحم، وكل طرف يتمترس خلف قوى تسانده وتمده بالسلاح وكل شيء، وتوفر له الدعم السياسي والمعنوي وتعزز مصداقيته.
القوى الدولية أو الخارجية التي تدعم الأطراف المتصارعة هي أبرز ملمح مشترك في المعركتين السورية والبوسنية
النشطاء قبل عدة أشهر تبادلوا هذا الفيديو الذي يظهر فيه الرئيس البوسني باقر بيجوفيتش متحدثا عن تطور المعركة في البوسنة، ويظهر فيه تشابه كبير في الأحداث بين الواقع البوسني أثناء الحرب مع صربيا وكرواتيا و الحالة السورية.
https://www.youtube.com/watch?v=YX7zJIp4psk
بحسب الفيديو فإنه لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في البوسنة سوى بعد أن بدأ المسلمون في البوسنة من تحقيق انتصارات حقيقية على الأرض، ربما كان العالم وقتها يفكر أيضا في أن الشخص الذي سينتصر بعد الهزيمة سيكون أشرس كثيرا مما يمكن السيطرة عليه. يُذكرنا ذلك بالعالم إذ يهرع لجنيف مرة ثانية للوصول إلى حل سياسي سريع مع اقتراب “المتطرفين” من السيطرة على الوضع.
طبيعة الثوار في سوريا وانقسامهم على أنفسهم تكرر سابقا في البوسنة بحسب فوتيني كريستيا من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، ما يعني أنه ليس من المستغرب أن نجد أن الجماعات المسلحة تقاتل بعضها البعض.
وحشية النظام السوري لا تختلف كثيرا عن وحشية المقاتلين الصرب الذين أبادوا أعدادا هائلة من المسلمين في البوسنة بشكل يكاد يطابق ما يفعله “الشبيحة” في سوريا هذه الأيام.
لكن التداعي الأخطر والذي يرجح أساتذة العلوم السياسية حدوثه في سوريا هو أن التعافي لن يكون قريبا، إن الحرب في البوسنة لم تنته إلا بعدما تم وضع حدود جديدة قائمة على أسس عرقية وطائفية أدت إلى بناء مجتمعات متجانسة اختفت فيها أو كادت أن تختفي الأقليات “المزعجة”، وبديل ذلك لن يكون إلا استمرارا للحرب، لأن الأجيال الجديدة لن تنسى أبدا ما رأته من وحشية نظام الأسد الذي استغل الطائفة العلوية والمجموعات الشيعية ممثلة في حزب الله أو الكتائب العراقية أو الإيرانية لتعميق الانقسام الطائفي.