الشاب حسين، موظف صغير بمصرف أهلي في الكرادة، معروف بنزاهته، لا يقبل دينارًا حرامًا، مما جعل بعض الزملاء بالمصرف يتحاشونه، لتقاطعه مع تطلعاتهم داخل المصرف، لكن لم تكن كل العمليات المصرفية تمر من أمام الشاب حسين، لكنه انتبه إلى أن موظفين بالصندوق تبدلت أحوالهم المادية، فكلاهما اشترى سيارة حديثة ثمينة جدًا، ومع أن راتبه ضعف راتبهما لكن لم يقدر على مجرد التفكير بالسيارة، ثم سمع مباركة الزملاء لهما لأنهما اشتريا بيوتًا جديدة، وهو إلى اليوم ساكن بالإيجار.
بقي يفكر الشاب حسين باللغز، فمن أين يأتون بالأموال وهم أغلب وقتهم في المصرف، لا عمل ثانٍ لهما، ولا ورث ورثاه، وانتبه إلى علاقتهم الحميمة مع أحد المحاسبين الذي تثار حوله الشبهات، في نهاية الأمر اكتشف وجود شبكة داخل المصرف، تستغل المصرف لأغراض غير شرعية ومشبوهة، عندها قدم معلوماته إلى الإدارة مع الأدلة، لكن في صباح اليوم التالي تم الاستغناء عن خدماته.
يشهد العراق ومنذ سنوات ظاهرة واسعة جدًا من الفساد المالي، ترتكز على المصارف الأهلية فهي الممر والبوابة لغسل الأموال المشبوهة، حدث هذا لأسباب عديدة، دفعت بالأمور لتتأزم كثيرًا، وتصبح بعض المصارف الأهلية شريكًا في الجريمة المنظمة، هنا نحاول أن نسلط الضوء على جانب من أسباب انتشار الجريمة، في منظومة المصارف الأهلية.
الأموال الضخمة المتحصلة من الفساد
من يشترك مع منظومة الفساد داخل أي مصرف، يحصل على أموال ضخمة جدًا تجعله يعيش حياة مرفهة، فالمكاسب خيالية، وفي الأغلب يتم استقطاب الشخوص الضعيفة أو صاحبة سوابق بالجريمة، فتكون خير عون لهم، أتذكر شخصًا كان قد طرد من محل بقالة لأنه سرق الإيراد، وبحسب العلاقات توظف في مصرف، وتم تجريبه في أمور بسيطة (جرائم مالية صغيرة)، فنجح، فاطمأنت له شبكة الفساد داخل المصرف الأهلي، فأصبح عضوًا فعالاً في جرائم أكبر، ويتم كل هذا على حساب أموال الناس ومصالح الوطن.
الخلل يكمن في غياب الدور الرقابي الحقيقي لكشف هكذا شبكات فاسدة، وعدم توفر بيانات تامة عن العاملين في القطاع المصرفي، والتي لو تواجدت لأمكن فرز العناصر الفاسدة من كبار الموظفين إلى الصغار.
إدارات فاشلة تقود المصارف
بحسب نظام العلاقات وسيطرة أصحاب رأس المال على المشاريع، أوجد طبقة من المدراء الضعفاء وعديمي الخبرة، ممن يمكن الإيقاع بهم، أو تجاوزهم، لضعف قدراتهم المحاسبية، أو لكونهم من تخصص بعيد عن المحاسبة، أي أن هنالك خلل في نظام التوظيف داخل المؤسسات الأهلية.
فلو كانت هنالك لوائح تلزم تعيين نوعية معينة من الإدارات، لأمكن إبعاد هذه الإدارات الفاشلة، وهنا نحدد مسؤولية البنك المركزي وديوان الرقابة، فكلاهما يمكن إن يزيل الفاشلين عبر لوائح ملزمة للمصارف.
عامر، كان لصًا في عصابة، وسجن عامًا، لم يكمل تعليمه، كل ما يملكه الرابع الإعدادي، قام بتزوير شهادته ليتعين في أحد المصارف الأهلية، في منصب يحتاج أن يعين فيه فقط النزيه الأمين، وخلال سنة تحولت أموره إلى شيء خيالي، فمع أن راتبه لا يتعدى الخمسمائة ألف، لكنه اشترى بيتًا بمئتين مليون، مع سيارة وسفرات للخارج،
إنهم الفاسدون داخل المصرف، الذي وجدوا في عامر خير معين لهم، فلو يتم طرد المزورين لما استفحل الأمر، لتتحول المصارف الأهلية إلى بؤرة للفساد.
أعتقد أن على المصارف العمل لإثبات صحة الأوراق الثبوتية المقدمة من كواردها، لحساسية عمل المصارف، خصوصًا أن الإرهاب يستغل البعض، لغرض غسل الأموال العفنة، فإن بقيت إدارات المصارف ساكتة عن المزورين فهي شريك للإرهاب.
مطالب مهمة
نطالب المصارف الأهلية بعملية غربلة لكوادرها، وطرد كل من تثبت عليه جريمة التزوير، مع تثبيت قاعدة بيانات للموظفين، كي يتم حظر المطرود من أن يعمل في مصرف آخر، مع أهمية وضع الكفاءات في إدارة المصارف بشرط التخصص، والأهم تثبيت كشف ذمم للموظفين، كي يتم ملاحظة التغييرات سنويًا، لإجراء تحقيق بما يحصل من متغيرات كبيرة، كي يكون جسد المصارف الأهلية معافى من أي مرض خبيث.
ونطالب ديوان الرقابة بتشديد المراقبة على المصارف الأهلية، وعملية غربلة كبيرة لما يحصل فيها من عمليات تلاعب وغش، فالإرهاب والجريمة لهما يد داخل أغلب المصارف.