حذر ناشطون في العمل المدني والاجتماعي من تداعيات الوضع في مدينة الموصل العراقية التي تقع تحت سيطرة تنظيم داعش، على شريحة الشباب، حيث تفرقت هذه الشريحة في مدن كثيرة ولم يعد التواصل بين أغلبهم سوى على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي، أما داخلها فالوضع خطير جدًا عليهم، وأكد الناشطون على أن شباب المدينة يحتاجون بعد تحرير الموصل إلى إعادة تأهيل ورعاية بغرض استعادة أوضاعهم النفسية والبدنية إلى المستوى الطبيعي.
وقال الناشط في مجال العمل الشبابي عبد الرحمن الموصلي: “منذ أن احتل تنظيم داعش الموصل وتوقفت جميع النشاطات الشبابية المدنية والاجتماعية والتطوعية، لسببين الأول أن التنظيم منعها بشكل كامل، والثاني أنه حدد أن أي نشاط وخصوصًا الشبابي يجب أن يرتبط به حصرًا وهو التدريب على السلاح والقتال وكذلك توقف الدعم لمشاريع الشباب، كما أن عددًا كبيرًا من الشباب تعرض للإعدام والتعذيب والعقوبات الجسدية والنفسية على يد عناصر التنظيم لمخالفتهم قوانينه”.
وأضاف: “الغالبية العظمى من نشطاء المجتمع المدني غادروا الموصل بعد سيطرة داعش عليها، تجاه محافظات أخرى أو خارج العراق، أنا واحد من الذين استقر بهم الحال في أربيل وأعمل على مراقبة أحوال الشباب في المدينة وتوثيق ما يحصل لهم، ونرى أن هناك حالة من اليأس والإحباط وفقدان الأمل خصوصًا في ظل عدم وجود جدية وسرعة لتحرير المدينة”.
وأوضح: “إذا ما تحقق تحرير الموصل، فإن هناك جهد كبير تحتاجه المدينة لإعادة تأهيل شبابها من الناحية النفسية والعملية والبدنية، وأكيد مثل هذا الجهد يتطلب مشروعًا حكوميًا وأيضًا من قبل المنظمات الدولية في سبيل الاستفادة من قدرات هذه الشريحة في بناء البلد وخدمة الإنسانية”.
وكانت مدينة الموصل التي يصل تعداد سكانها إلى نحو 2 مليون نسمة، بها العديد من البرامج والنشاطات الشبابية التي تنفذها مديرية رياضية وشباب نينوى أو منظمات المجتمع المدني أو المجموعات التطوعية ذات النشاط القصير، لكنها توقفت بشكل تام.
وفي المقر البديل لجامعة الموصل في مدينة كركوك يعمل الأستاذ الجامعي (ي. أ) على توثيق الوضع لشباب الموصل في مرحلة داعش، وقال “إن تنظيم داعش ركز على شريحة الشباب بشكل كبير لاستقطابهم إلى صفوفه، من خلال برنامج مدروس بدأ بإيقاف جميع النشاطات المدنية والرياضية والتطوعية والإنسانية والإغاثية في المدينة، والتحذير بمعاقبة من يزاولها، ومن ثم يفرض مغرياته للشباب للانخراط في صفوفه”.
وأضاف، يبث التنظيم دعايات موجهة للشباب مستغلاً حماسهم خلال هذه المرحلة العمرية من خلال نشاطات إعلامية ودعائية فضلاً عن الخطب والمحاضرات، وهي أنهم سيكونون رجالاً أقوياءً أشداءً إذا ما أصبحوا معه وحملوا السلاح، وأن هذا هو ما أوصى به الله، وأن نهاية الطريق مع التنظيم هي الجنة، وأنهم سيحصلون على راتب شهري وعجلة خاصة يقودها وبيت يمنح من العوائل التي نزحت عن المدينة وإيجاد امرأة يتزوجها.
وأوضح أن قلة قليلة من الشباب بسطاء الوعي معدومي التعليم والثقافة قد ينساقون وراء هذه المغريات الخادعة، لكن الغالبية العظمى من شباب المدينة لم تنفع معهم بسبب ارتفاع مستواهم التعليمي فضلاً عن التركيبة الاجتماعية والثقافية المدنية التي يتميز بها سكان الموصل والتي لا تتلاءم مع طبيعة المغريات التي عرضتها داعش.
ولفت إلى أن شباب الموصل يمرون بمرحلة عصيبة جدًا تقتل بداخلهم روح الشباب والعمل والإبداع وتنقلهم إلى مرحلة الشيخوخة المعنوية والنفسية وحتى خمول في لياقتهم البدنية، فلا فرص عمل والمتوفر منها لا يتلاءم مع طبيعة التعليم وكذلك وضع الموصل الحضري، ففرص العمل اليوم في الموصل، إما بائع منتجات نفطية على جانب الطريق أو عامل في كشك لفات أو بائع خضراوات متجول.
وأكد على ضرورة البدء من الآن بتحضير مشروع للاستفادة من شباب الموصل من خلال مشاريع تنمية وإعادة تأهيل لهم، من جانبه يقول الشاب بسام أحمد، “عمري 26 عامًا وخريج كلية العلوم منذ أربع سنوات، وأنا اليوم أصبحت عالة على عائلتي فوالدي متقاعد ولدي ثلاثة أخوة، والمفترض أن أكون اليوم فردًا منتجًا داخل العائلة ولست آخذ مصروف جيب من والدي”، وأضاف، قام تنظيم داعش بخنق الوضع في الموصل، فلا فرص عمل ولا وسائل ترفيه، حيث أغلق صالات الألعاب الرياضية والترفيهية بحجة أنها مخالفة للشريعة، ويقول إن الشاب عليه أن يحمل السلاح ويقاتل ولا ينشغل بمثل هذه الأمور التي تقول عنها داعش “تافهة”.
وبدأت شريحة الشباب في الموصل، تعاني من فقدان مهاراتها في مختلف مجالات العمل والمهن بسبب الركود الاقتصادي في المدينة الذي أثر على سوق العمل، يقول مهندس الحاسبات محمد جرجيس (29 عامًا)، “منذ احتلال الموصل من قبل داعش فقدنا التواصل مع العالم الخارجي ونعاني من عدم مواكبة التطور التكنولوجي، حيث تم إطفاء شبكات الاتصالات وكذلك إيقاف خدمة الإنترنت، لا نستطيع السفر والتدريب وحضور المؤتمرات بمجال اختصاصنا، البرمجيات الحديثة لا تصل وكذلك الأجهزة بسبب غلق الطرق وعدم وجود سوق لها في الموصل بسبب سوء الوضع الاقتصادي.
وأضاف، بدأت أعاني من فقدان مهارتي في العمل على الحسابات لأن عملي شبه متوقف، فلم يعد الناس اليوم يقبلون على شراء الحسابات وتنصيب البرامج والعمل عليها مثل السابق، أما أيمن عامر (31 عامًا) فيقول، “كنت أعمل في مجال الصياغة، لكنني منذ سنة تقريبًا عملي قليل جدًا والقطع التي صغتها معدودة، وإذا ما استمر الحال فقد أفقد مهارتي في الصياغة والنقش، لأن هذه المهنة تحتاج إلى مزاولتها بشكل مستمر ومكثف دون انقطاع لتعتاد أيدينا وعقولنا على التعامل مع هذا المعدن النفيس، وأضاف، من يرغب من أهالي الموصل بشراء الذهب في هذه الأوضاع الاقتصادية السيئة؟ لأن ما يحصلون عليه من أموال تخصص للطعام والدواء والوقود، وتوقفت النشاطات الشبابية في الموصل منذ احتلال داعش لها، ويعاني شباب المدينة من غياب النشاطات الشبابية أو الرياضية أو المهرجات والمؤتمرات، حتى السفر والسياحة والترفيه ممنوع لأن داعش منعت مغادرة المدينة لأي سبب كان.
يقول صالح جمال (27عامًا)، “أصبحت أيامي متشابهة ويغلب عليها طابع الملل والرتابة، حيث إن برنامجي اليومي منذ سنتين تقريبًا، أستيقظ صباحًا فأتناول وجبة الإفطار وأنتظر حتى تحين وجبة الغداء، وأنتظر حتى تحين وجبة العشاء ثم أنام وهكذا نفسه برنامج اليوم التالي”، وأضاف، لا عمل لا ترفيه لا لقاءات وبرامج تطوعية، باتت الأيام متشابهة في الموصل، أنام كل ليلة وأتمنى أن أستيقظ صباح اليوم التالي بأن هناك تغيير وتم تحريرنا من داعش وعودة الحياة الطبيعية للمدينة، لكن دون جدوى.