“الكاتب الذي ينتظر الظروف المثالية لكي يتمكن من العمل سوف يموت دون أن يضع كلمة واحدة على الورقة” إي. بي. وايت.
يلخص وايت بجملته تلك أزمة عدد كبير من الكتاب الذين ينتظرون تلك الظروف أو الإلهام لكي يتمكنوا من الجلوس إلى مكاتبهم والشروع في عملية الكتابة، ولكن في حالات كثيرة ربما لا يأتي الإلهام وهنا يجد الكاتب نفسه إما أن يتوقف عن الكتابة أو أن يحارب الورقة البيضاء دون الإلهام، لذلك يقوم الكثير من الكتاب بوضع روتين يومي للكتابة لهم حينما يبدأون في عملية كتابة رواية أو كتاب جديد، وفي الجزء التالي سنتعرف إلى عدد من الكتاب المشهورين وروتينهم اليومي في الكتابة.
في حواره مع مجلة The Paris Review يكشف جونتر جراس صاحب ثلاثية داينتسيغ Danziger Trilogie والحائز على جائزة نوبل في الآداب لعام 1999 بعض من روتينه اليومي، فهو غالبًا ما يكتب ثلاث مسودات للعمل، فيقول “أكتب المسودة الأولى بسرعة، وإن كانت هناك ثغرة، إذن فهناك ثغرة، أما المسودة الثانية فهي عادة ما تكون طويلة جدًا، ومفصلة، وكاملة، ولا يوجد المزيد من الثغرات لكنها تكون جافة إلى حد ما، وفي المسودة الثالثة أحاول استعادة حيوية المسودة الأولى، واحتفظ بما هو جوهري من المسودة الثانية، وهذا صعب جدًا”.
يكتب جونتر جراس ما بين 5 و7 صفحات يوميًا حينما يعمل على المسودة الأولى، وتقل إلى 3 صفحات يوميًا حينما يصل إلى المسودة الثالثة وتصبح عملية بطيئة على حد قوله.
يبدأ جراس يومه في الصباح ليحظى بإفطار طويل بصحبة الموسيقى والقراءة ما بين التاسعة والعاشرة صباحًا، ثم بعدها يبدأ بالكتابة إلى الظهيرة ثم يتوقف ليأخذ استراحة ويحظى بكوب من القهوة، ثم يعاود الكتابة مجددًا وينتهي عند السابعة مساءً، ولا يؤمن جراس بالكتابة مساءً لأنها تأتي بسهولة – حسبما يقول – وحينما يقرأ ما كتبه في الصباح لا يجده جيدًا.
رولد دال
يعد رولد دال أحد أشهر كتاب الأطفال على الإطلاق، وقد تحولت أغلب رواياته إلى أفلام مثل تشارلي ومصنع الشوكولاتة وماتيلدا ومستر فوكس الرائع وغيرها.
وطبقًا لموقع رولد دال الرسمي فقد كان يخضع لروتين يومي صارم جدًا، فهو يتناول فطوره في سريره ويقرأ رسائله ثم في العاشرة ونصف صباحًا يذهب إلى كوخ الكتابة ويعمل حتى الثانية عشر ظهرًا ثم يعود إلى منزله ليتناول الغداء مع أفراد أسرته، وبعد قيلولة صغيرة يعود إلى الكوخ مجددًا ومعه ترمس مملوء بالشاي ثم يكتب من الرابعة إلى السادسة مساءً.
يكتب رولد دال دومًا بأقلام الرصاص ولا يستعمل سوى نوع معين منها أصفر اللون وبنهايته ممحاة، وكان دومًا يحرص على أن يضع 6 أقلام بجواره، كان أيضَا يحرص على استخدام نوع معين من الأوراق وهو ورق أمريكي أصفر مسطر والذي كانت يُحضر له من نيويورك، حينما ينتهي دال من الكتابة وعملية إعادة الكتابة يقوم بإرسال المسودة إلى سكرتيرته ويندي ليتم إعداد العمل للنشر.
إسحاق أزيموف
أي قارئ أو مهتم بأدب الخيال العلمي لا بد وأن مر أمامه هذا الاسم بطريقة أو بأخرى، يعد أزيموف أحد أكثر كتاب الخيال العلمي غزارة في الإنتاج، فهو نشر ما يقرب من 500 رواية وكتاب، والمئات من المقالات خلال مسيرته الأدبية، بالإضافة إلى كتابته لـ 90 ألف رسالة ردًا على معجبيه حول العالم، وتعد سلسلة The Foundation من أشهر كتاباته في فرع الخيال العلمي، بالإضافة إلى أنه من وضع أسس وقوانين الروبوتات الثلاثة من خلال رواياته وقصصه القصيرة عن الروبوتات للحد الذي تركت معه أثر في أدب الخيال العلمي.
ولهذا يعد روتين أزيموف اليومي محط فضول الكثير من الكتاب والقراء.
يستيقظ أزيموف في السادسة صباحًا ويجلس أمام آلة الكتابة في السابعة والنصف صباحًا ويعمل حتى العاشرة مساءً، ويحظى خلال ذلك الوقت بفترات راحة قصيرة.
في الجزء الأول من سلسلة مذكراته In Memory yet green يوضح أزيموف كيف أصبح كاتبًا ملتزمًا، فوالده كان يمتلك محلاً للحلويات في بروكلين يفتح أبوابه من السادسة صباحًا إلى الواحدة صباحًا طيلة أيام الأسبوع، وكان أزيموف الصغير يستيقظ في السادسة كل صباح ويقوم بتوزيع الجرائد، وبعد نهاية المدرسة يعود إلى بيته مسرعًا للمساعدة في أعمال المحل وكان والده يعنفه في حالة لو تأخر بضعة دقائق، يقول أزيموف – وبعد مرور 50 عامًا – أعتقد أنه من قبيل الفخر أن يكون لدي منبه لم أقم بضبطه أبدًا، لكنني بكل الأحوال استيقظ في السادسة صباحًا.
نيل جايمان
يعد نيل واحدًا من أهم كتاب الفانتازيا وأدب الطفل والكوميكس المعاصرين، ولعل من أبرز أعماله شهرة هي رواية American Gods، وسلسلة قصص الكوميكس Sandman، بالإضافة إلى روايات أخرى مثل كارولين وStardust، كما حاز على عدة جوائز متخصصة في أدب الفانتازيا والخيال العلمي كجائزة هوجو، ونيبولا، ولوكاس.
أما بالنسبة لعادات الكتابة اليومية فيقول نيل جايمان بأن عادات الكتابة لديه تغيرت بمرور السنين، فهو لم يعد شخصًا ليليًا مثلما كان عليه في الأيام القديمة، فقد كان يميل إلى الكتابة من الساعة الثامنة مساءً إلى الخامسة فجرًا، ولكن مع بداية التسعينات أقلع عن تدخين السجائر وقد صنع ذلك فارقًا معه، فعلى حد قوله لو حاول فعل ذلك بدون السجائر فسوف ينام على الكيبورد ليحصل في نهاية الليلة على 500 صفحة مكونة من الحرف M.
ولكن بعد تلك المرحلة أصبح شخصًا نهاريًا بالإضافة إلى أنه أصبح أكبر سنًا ولديه أطفال، لذلك بات يميل إلى خلق بيئة أكثر هدوءًا وهو ما لم يكن متاحًا له حينما كان كاتبًا صغيرًا، فيقول “لقد بات الآن باستطاعتي أن أؤجر كوخًا صغيرًا حيث لا تتوافر إشارة التليفونات أو الإنترنت، وبالتالي لا يمكن أن تفعل شيئًا غير التحديق في بحيرة قريبة أو أن أكتب، وحينما أكون مضغوطًا فأنني أستعير أحد بيوت الأصدقاء، وأحيانًا أختفي في حجرة فندق رخيص لمدة أسبوع أو اثنان ولا أفعل شيئًا غير الكتابة، أنت تذهب للنوم والقصة تقرقر في رأسك، وعندما تستيقظ تصل إلى أقرب مفكرة لديك”.
وفي موضع آخر يقول جايمان “بالنسبة لي، يوم جيد هو أن أكتب أكثر من 1500 كلمة بطريقة مريحة وسهلة وأدرك أنه سيكون بمقدوري استخدام جزء كبير منها عند النهاية، وأحيانًا تمر بك أيام سحرية وتجد نفسك كتبت أكثر من 4000 كلمة، ولكنك تعرف أنهم سيوازنوا الكفة بسبب تلك الأيام الشريرة والسيئة التي تجد نفسك تكتب فيها بالكاد 150 كلمة وتعرف أنك سوف تتخلص منهم فيما بعد”.
روبرت جوردن
“الكاتب الذي ينتظر الإلهام أو المزاج المناسب للكتابة سوف يموت جوعًا، لأنه لن يكتب كثيرًا”.
روبرت جوردون هو أحد أشهر كتاب الفانتازيا الملحمية بسلسلته الملحمية The wheel of time، والتي كتب خلالها 11 رواية، بالإضافة إلي رواية تمهيدية بعنوان New spring، إلا أن جوردون توفي أثناء كتابته للجزء الـ 12، فتولي الكاتب براندون ساندرسون إكمال السلسلة بعد وفاته ووجد أن المخطوطة للكتاب الأخير والخطوط العامة له أكبر من أن يتسعها كتاب واحد فقام بتحويله إلى 3 كتب أخرى.
أما بالنسبة للروتين اليومي لروبرت جوردون فيقول عند بداية شروعه في بداية أي كتاب فأنه يبدأ يومه بالإفطار أولًا، ثم الرد على الرسائل والمكالمات وبعدها يبدأ في الكتابة من 6 إلى 8 ساعات يوميًا لمدة 5 أيام في الأسبوع، وبعد فترة حينما يقطع شوطًا في الكتاب يصل إلى مرحلة شرب ربع أو نصف جالون من القهوة القوية يوميًا ويكتب خلال تلك الفترة من 12 إلى 14 ساعة يوميًا طيلة أيام الأسبوع، ويقول جوردون “في نهاية الأمر، إما أن أنتهي من الكتاب أو أن أكون ميتًا”.
وفي حوار آخر يعلق روبرت جوردون على عادة كتابته تلك ويقول أحيانًا تأتي إليّ زوجتي وتخبرني أنني أعمل كثيرًا، وتأمرني بالذهاب للصيد، وأحيانًا أجدها تناديني لكي تريني شيئًا ما في الرواق، وحينما أنزل إلى أسفل أجدها وقد أعدت دليل الصيد وتخبرني “اذهب بعيدًا، قم بصيد السمك”.