تحاول روسيا منذ فترة توطيد علاقاتها مع الدول القوية في مواجهة محاولات الهيمنة الأمريكية على دول القارة الآسيوية، وتولي روسيا الهند وضعًا خاصًا تأمل من خلاله تطوير العلاقات بين البلدين في كافة المجالات بشكل مستمر.
وفي إحدى الزيارات التي جمعت بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الهندي ذكر فيها ناريندرا مودي في ختام زيارته “حين أنظر إلى المستقبل أرى روسيا شريكًا مهمًا من أجل التحول الاقتصادي للهند، ومن أجل عالم متوازن ومستقر ومتعدد الأقطاب”.
وعليه بنت الهند وروسيا خلال السنوات الماضية شراكة استراتيجية تميزت بطابعها الجامع لكل القضايا، شاملة العلوم والتكنولوجيا وعلوم الفضاء والدفاع والطاقة النووية والهيدروكربونات والتجارة والاستثمار والتعاون الثقافي، وقد شهدت العلاقة تطورًا منذ توقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2000 وارتقت إلى مستوى خاص ومميز في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2010 حيث اندفعت العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستويات جديدة تعززت فيها العلاقات التجارية والاقتصادية وخاصة العسكرية والتسليحية.
بلغ متوسط الاستثمارات المتبادلة بين روسيا والهند نحو 11 مليار دولار ويخطط كليهما زيادتها إلى 30 – 50 مليار دولار بحلول عام 2025.
ممر أخضر بين روسيا والهند
تبحث كلا البلدين إنشاء ممر أخضر لتسهيل عبور البضائع والسلع بشكل سلس بهدف زيادة التبادل التجاري بين البلدين بحسب ما ورد في صحيفة إيكونوميك تايمز الاقتصادية الهندية، حيث سيتميز المشروع بإعطاء رجال الأعمال من البلدين الحرية الكاملة في نقل البضائع بدون خضوعها للجمارك والفحص عند عبور الحدود، ومن المقرر وضع مفتش خاص في محطة الجمارك لإعفاء البضائع من التفتيش الجمركي بين البلدين.
كما يتم تدارس إتمام المعاملات التجارية بالعملات الوطنية لاسيما في القطاعات ذات الأولوية مثل الزراعة والأدوية والمجوهرات والمعدات التقنية والآلات والنفط والغاز والمنسوجات، ومن جهتها تدرس روسيا إمكانية المشاركة في برنامج “صنع في الهند” الهادف إلى تحويل الهند لمركز تصنيع عالمي، لاجتذاب الشركات المحلية والأجنبية للتصنيع في الهند، بينما ترغب الهند بالمشاركة في تطوير مناجم خام للحديد والفحم في روسيا، بهدف إيصال الاستثمارات الهندية في هذا القطاع إلى 15 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة.
تعاون عسكري على أعلى الدرجات
من ناحية التعاون العسكري والدفاعي، فالزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس وزراء الهند إلى موسكو العام الماضي، شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات الدفاعية والطاقة النووية بمليارات الدولارات، حيث طلبت الهند من الجانب الروسي بيعها خمس بطاريات من أنظمة الدفاع الجوي الروسية S – 400 وهي أكبر صفقة سلاح بين البلدين منذ عشر سنوات.
فضلاً أن روسيا تحظى بأكثر من 60% من واردات الهند من المعدات العكسرية، وقد تطورت العلاقة بينهما من بائع ومشترٍ إلى علاقة إجراء البحوث المشتركة وتطوير التقنيات الدفاعية وأنظمة الأسلحة المتطورة.
وبالإضافة لما ذكر لا يمكن إغفال “صفقة القرن” في العام 2001 والتي أعطت فيها روسيا للهند الحق في إنتاج 140 مقاتلة متطورة من طراز سوخوي وحق نقل تكنولوجيا هذا الطراز من المقاتلات.
وفيما يخص الطاقة النووية فروسيا تتطلع لإنشاء ما لا يقل عن 12 مفاعلًا نوويًا في الهند خلال السنوات القليلة القادمة، وقد أنجزت روسيا حتى الآن الوحدة الأولى من وحدات الطاقة النووية “كودانكولام” في يوليو 2013 واكتملت قدرته التوليدية في يونيو 2014.
خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي لموسكو نهاية العام الماضي
وفي مجال النفط فعلى هامش الزيارة الأخيرة لرئيس وزراء الهند في العام الماضي، وقعت شركة “روس نفط” الروسية ورابطة من شركات هندية في مجال النفط مذكرة تفاهم حول مسائل التعاون في مجال البحوث الجيولوجية وأعمال الاستكشاف والتنقيب واستخراج الهيدروكربونات في الجزء البري من أراضي روسيا الاتحادية، كما وقعت كل من شركتا “روس نفط” الروسية و”إيسير” الهندية على توريد النفط بمعدل 10 ملايين طن سنويًا خلال العشرة أعوام المقبلة.
تحاول روسيا في الفترة الأخيرة، التعاون مع دول القارة الآسيوية وتوطيد العلاقات معها وعلى رأس تلك الدول الهند والصين، إذ تشهد تلك الدول تنافسًا بين قطبي العالم روسيا والولايات المتحدة لتوسيع نفوذها فيها.
حيث استطاعت روسيا منذ العام 2005 من تأسيس محور ثلاثي في آسيا بعد لقاء وزراء خارجية كل من روسيا والهند والصين، وتأمل من هذا التحالف أن يكون قوة استراتيجية في مواجهة الهيمنة الأمريكية والتحالفات الأوروبية.