“لطالما أحببت أنه ينهي طعامه”، “كنت أمنحه الطعام وقتما أراد”، “لم يكن ينهي طعامه عندما يأكل الوجبات، لذا وجدت أن إطعامه باستمرار على مدار اليوم هو شيء جيد لصحته”، كل ما سبق هي عبارات ترددها الأمهات يوميًا عن أطفالهم، وهو ما ينتج عنه جهل مجتمعي بسمنة الأطفال، فكوّن الطفل ينهي طعامه، ليطلب المزيد منه باستمرار هو علامة على صحته بالنسبة لبعض الأمهات، إلا أنه لا يدل على شيء إلا أن ذلك الطفل سيتحوّل إلى رجل مصاب بالإفراط في الوزن في المستقبل.
هل يمكننا اعتبار الأم التي تقوم بتجويع أطفالها من أجل الحرص المفرط على عدم إصابتهم بالسمنة في نفس المكانة التي نرى بها الأم التي تقوم بإطعام أولادها باستمرار، بل وعدم الانتباه إلى عاداتهم الغذائية في الصغر بحجة أنهم مازالوا أطفالاً ويحتاجون للطعام المستمر؟ بالطبع ستبدو الأولى أم شريرة للغاية، ولن يتقبلها المجتمع بصدر رحب، كما سيفعل تجاه الأخرى، فتبدو الأولى مهملة وجاهلة بصحة أطفالها، وتبدو الأخرى حريصة للغاية على سعادة أطفالها بإطعامهم المستمر.
هل يمكن اعتبار إهمال عادات الطفل الغذائية نوعًا من أنواع الاستغلال للطفل، مثلما يحدث في أساليب تربيته الخاطئة، لا يبدو أن إهمال عادات الطفل الغذائية عنيفًا لدرجة أنه يتم توصيفه بأنه استغلال للطفل، فلا يبدو بالطبع مثل ضرب الطفل، أو تعذيب الطفل، ولكن على الرغم من عدم ظهور إهمال العادات الغذائية للأطفال بذلك الفعل العنيف، إلا أنه أحد أخطر أنواع استغلال الأطفال، والذي نتج عنه وجود 43 مليون طفل مصابًا بالإفراط في الوزن حول العالم، بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية.
كيف يمكننا تعريف السمنة؟
متي يمكن لك أن تصف شخصًا بأنه مصاب بالسمنة؟ قام الباحثون بتعيين مؤشر خاص بكتلة الجسم “BMI” يقوم بقياس الوزن بالكيلوجرامات بالنسبة للطول بالمتر مع تربيعه، تم تعيين نسبة 85-95 مئوية بأنها تشير إلى إصابة الفرد بالسمنة، كما يحدد المؤشر أن تجاوز النسبة المئوية 100-120% أن الفرد مصاب بالسمنة المفرطة.
لا يجب أن تكون المؤشرات الموجودة حول العالم والتي تشير بانتشار إلى الإفراط في الوزن مفاجئة بالنسبة إلينا، إلا أن هذا لا يعني أنها ليست خطيرة، فوجود أمراض مثل السكري، وارتفاع الضغط، وصعوبة التنفس أثناء النوم، وغير ذلك من الأمراض النفسية الناجمة عن سخرية المجتمع من الطفل المفرط في الوزن، مثل الاكتئاب، ومن ثم التشاؤم المستمر عندما يتحول الطفل المفرط في الوزن إلى رجل مفرط في الوزن، فيتخيل نفسه أكثر عرضة للمرض، أو أكثر عرضة للسخرية، وأنه سيتوفى أسرع من غيره، إلى آخره من الأفكار التشاؤمية التي تؤثر على صحته الجسدية.
لا يجد أغلب الآباء مشكلة في كون أطفالهم مفرطين في الوزن، بل لا يصفونهم بأنهم مصابون بإفراط الوزن، بل يقولون إنهم جذابون بسبب كونهم ممتلئين قليلًا، كما أنهم لا يجدون مشكلة في اعتبار الإفراط في الوزن بالنسبة للأطفال مشكلة خطيرة، ولكن ما تشير إليه الإحصائيات الدولية هو عكس ذلك تمامًا، حيث يكون اثنان من بين كل ثلاثة أطفال مصابين بالزيادة في الوزن أفردًا مصابين بالإفراط في الوزن عندما يبلغون.
هل تحدد الجينات مصيرنا في المستقبل؟
كل ما يتطلبه الأمر من الآباء هو ملاحظة وزن الطفل بداية من بلوغه عامه الأول، ولكن يقرر بعض من الآباء المصابين بإفراط في الوزن كذلك أن الجينات هي من حددت مصير طفلهم، وأنه لا داعي للمحاولة والاعتماد على التدخل الطبي من أجل حماية الطفل من الإصابة بالإفراط في الوزن.
لا يعتبر الآباء إهمال الطفل بكونه مصابًا بإفراط في الوزن منذ عامه الأول وحتى بلوغه عشر سنوات مشكلة خطيرة، إلا أن الأطباء ينظرون للمسألة بأن الطفل قد قضى عقدًا كاملاً من حياته وهو مفرط في الوزن، وهو ما يقلل من فرصه في محاولة إصلاح ذلك عند البلوغ، وهو ما سيتطلب منه مجهودًا أكثر في محاولة تعديل وإصلاح ذلك، لذا فإن العبارة الروتينية التي يحب الآباء ترديدها بخصوص تلك المسألة وهي “سيقوم بتخطي ذلك حين يكبر”، من أكبر العبارات المدمرة لحياة الطفل في المستقبل.
الإفراط في إطعام الأطفال ليس تعبيرًا عن اهتمام وحب الوالدين لهم، بل هو نوع من الاستغلال الخفي لهؤلاء الأطفال، حيث تأتي هنا هيمنة الثقافات المختلفة لتلعب دورًا مهمًا في إهمال مرض السمنة بالنسبة للأطفال، فتأتي الثقافة العربية من أكثر الثقافات التي تعتبر إطعام الطفل باستمرار هو نوع من أنواع الحب والاهتمام، كما يعتبر المجتمع العربي الأم التي تحرم أطفالها من الحلوى أو الوجبات الجاهزة بالأم القاسية التي تحرم أطفالها من السعادة، فينظرون للثقافة الغربية بكونها ثقافة باردة، حيث لا تعتني فيها الأمهات الغربيات بأطفالهن ويحددن لهن مقدار ما سيأكلوه من حلوى في اليوم الواحد، وهو ما لا تكترث إليه العديد من الأمهات العربيات في بعض الأحيان.
تظهر تلك المشكلة في الولايات المتحدة كذلك، فيكون عدد الأطفال المصابين بإفراط في الوزن ظاهرًا بشدة بين الأمريكان الأفارقة، أو الأمريكان من أصل لاتيني، حيث تميل تلك الثقافات كذلك إلى تناول الوجبات بكميات كبيرة، وبعدد أكبر، فهو نوع من حب الآباء لأولادهم في تلك الثقافات كما هو الحال في كثير من البلاد العربية.
لا يتناول أطفالنا الطعام إلا منا، ولا يكتبسون العادات الغذائية الخاطئة إلا من آبائهم، لذا فمن المهم بالنسبة للآباء أن يحذروا من انتقال عاداتهم الغذائية غير الصحية كما تنتقل الصفات الموروثة الأخرى، ويجب أن يهتموا بذلك لأنه من الممكن جدًا أن يسبب ذلك الإهمال مشاكل صحية خطيرة لأطفالهم في المستقبل، وهو ما يرفض العديد من الآباء تحمل مسؤوليته.