تقف هولندا على بعد سنوات قليلة من استنفاد مخزون الغاز الطبيعي لديها، حيث بلغت احتياطيات الغاز في البلاد زهاء 940 مليار متر مكعب، بينما استخرجت حتى الآن ما يقرب من 52 مليار متر مكعب من حقل غاز “غروبينغين” المكتشف عام 1959، وقدرت التقارير أنه في حال استمرار الإنتاج على هذه الوتيرة فإن 17 عامًا كافية لاستنفاذ الغاز من هولندا.
هولندا استنفدت ما يقرب من 80% من احتياطياتها من الغاز الطبيعي
وبحسب التقرير الصادر عن المكتب الهولندي للإحصاء، فإن نسبة إيرادات الغاز بلغت 3% فقط من عائدات البلاد خلال العام الماضي 2015 بانخفاض وصل إلى 5.3 مليار يورو عن عام 2013 حين وصلت إيرادات الغاز إلى 15.4 مليار يورو أي ما نسبته 9% من عائدات البلاد.
عيون روسيا وقطر على الأسواق الأوروبية
نفاد الغاز في هولندا سيؤدي إلى زيادة الواردات من روسيا وهو ما تنوي روسيا استغلاله أو تذهب هولندا بخيار شراء الغاز الطبيعي المسال، وهو ما تتطلع قطر (أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال) عليه في المستقبل لتزويدها بحاجاتها من الغاز، ويزاحم قطر في هذه السوق منافسان من الولايات المتحدة وأستراليا، إلا أن الغاز القطري يصل إلى أوروبا بتكلفة أقل من بلدان أخرى. والجدير بالذكر أن معظم الأسر الهولندية تستخدم الغاز في بيوتها وهناك ما يزيد عن 10 آلاف بيت زجاجي وحوالي 5 آلاف مشروع موصول بشبكة الغاز الطبيعي المحلي في البلاد لذا يعد الغاز الطبيعي طاقة رئيسية في البلاد.
تقدر حاجة أوروبا من الغاز في العام 2030 ما بين 80-90%
والواضح في السنوات الماضية أن التنافس على خطوط وممرات الغاز الطبيعي أخذ حيزًا كبيرًا في الجيوسياسة العالمية فضلاً عن أسواقه التي تتنافس عليها الدول المصدرة، فالطلب على الغاز يشهد نموًا مطردًا بالمقارنة مع أنواع الطاقة المختلفة، مع الإشارة إلى تنامي الطلب على حصة الغاز الطبيعي المسال.
هل سيتأثر الاقتصاد الهولندي؟
الاقتصاد الهولندي صدر للعالم تجربة المرض الهولندي في النصف الأول من القرن الماضي 1900 -1950 بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال، حيث هجع الشعب للراحة والإنفاق والبذخ، فانتشرت البطالة وهبطت معدلات الإنتاج، حتى جاء اليوم الذي نضبت فيه الآبار ووقعت البلاد أمام استخفاف الشعب بالعمل والإنتاج واستثمار الموارد الطبيعية بشكل رشيد.
ولكن فيما بعد أعاد الاقتصاد الهولندي بناء نفسه وأعطى أهمية قصوى للإنتاج والعمل التي سبق وأن نزعها، حتى أصبح من الاقتصادات المتقدمة ويتمتع بالاستقرار ونسبة بطالة منخفضة، ففي العام 2014 بلغ الناتج المحلي الإجمالي زهاء 879 مليار دولار وبلغ نصيب الفرد منه زهاء 48.3 ألف دولار.
يعد ميناء روتردام في هولندا أكبر ميناء في أوروبا وثاني أكبر ميناء في العالم
وبفضل استراتيجية تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على إيرادات الثروة الطبيعية الناضبة، وضعت هولندا في مكان متقدم في المؤشرات العالمية، حيث تعتبر ثالث أكبر مصدر زراعي بعد الولايات المتحدة وفرنسا، حيث تم استغلال 70% من أراضيها في الزراعة والرعي وإلى جانب الخضراوات والفاكهة والحبوب تشتهر البلاد بزارعة الأزهار والورد لتحل هولندا أكبر مصدري الورد في العالم، حيث تستثمر 10% من مساحة هولندا في زراعة الورد وبالأخص التوليب.
كما تعتمد على الصناعات الرئيسية مثل المواد الكيميائية والمعادن والآلات والسلع الكهربائية والسياحة ومن الشركات الهولندية ذات النشاط الدولي، شركة “فيليبس” لإنتاج الآلات الإلكترونية والكهربائية والموجودة في مدينة آيندهوفن التي تتضمن كبرى الشركات والمصانع المحلية والعالمية، وشركة “شل” في الصناعات النفطية والبتروكيميائية ومجموعة “ING” في الخدمات المالية، وغيرها من الشركات الرائدة التي حملت العلامة التجارية الهولندية في التجارة الدولية لتضعها في مراتب متقدمة.
هولندا ثالث أكبر مصدر زراعي في العالم
وكذا بورصة أمستردام AEX والتي تعتبر جزءًا من “يورنكست” وهي من أقدم أسواق الأوراق المالية في العالم وواحدة من أكبر البورصات وأنشطها في أوروبا، وبالإضافة لما ذكر فهولندا استطاعت توطين الكثير من الصناعات الغذائية والصناعية والإلكترونية بالاعتماد على الذات، حيث تنتج المصانع الهولندية سيارات ومركبات النقل والطائرات التجارية والآلات الصناعية، كما الأغذية المصنعة التي تشمل الشوكولاتة واللحم المعلب والألبان وتوابعها حتى أضحت هولندا واحدة من أكبر منتجي الجبن في العالم.
أدخلت هولندا على ميزانيتها إيرادات صادرات الطاقة بنسبة 20% من الغاز الطبيعي والنفط الخام والمكرر في العام 2014، وهي نسبة تعد قليلة نسبيًا، إذ بمقدور البنية المتنوعة في الاقتصاد الهولندي أن تتفادى أي نقص بالإيرادات في قطاعات أخرى، ما يقلل بدوره من صدمة نفاذ الغاز الطبيعي في البلاد وانعدام إيراداتها في المستقبل.
التجرية الهولندية مليئة بالتجارب والخبرات التي يمكن للدول العربية أن تستفيد منها وتحاول أن تتلافى وقوع المشاكل الاقتصادية والأزمات، إذ وقعت كثير من الدول العربية وبالأخص المصدرة للنفط بالمرض الهولندي، لذا فهي فرصة للاستفادة مما مرت فيه هولندا وإسقاطه على الدول العربية للخروج باقتصادات متنوعة لا تنحصر في مورد واحد ناضب، وتنتقل من بلد نفطي يعتمد على الاستهلاك والإنفاق وخالي من الصناعات إلى بلد صناعي يعتمد على نفسه في الكثير من الصناعات.