لم تكن برامج مكافحة التطرف بهذا الاسم منذ بداية انطلاقها، فكانت بدايتها في الولايات الأمريكية المتحدة تحت عنوان برامج مكافة التجسس “Counterintelligence Program”، والتي بدأت في العمل عام 1956، حيث كان هدفها هو مراقبة نشاطات الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، ومن ثم تطوّر عملها لمراقبة جماعة كو كلاس كلان الإرهابية المتطرفة، ومن ثم إلى حزب العمال الاشتراكيين.
تطوّرت تلك البرامج بعد ذلك إلى برامج مكافحة التطرف “CVE”، وهي البرامج التي تقوم بدراسة أسباب التطرف، والكشف عن عناصره للسلطات الأمنية، وهي برامج تم تصميمها من قبل وزارة العدل في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مكتب التحقيقات الفدرالي “FBI” ووزارة الأمن الداخلي.
تضمنت خطة عمل الأمم المتحدة، التي قدمها الأمين العام بان كي مون في شهر يناير الماضي، موجزًا عن اتساع نطاق ما يندرج تحت مكافحة التطرف العنيف، وقدم بان كي مون أكثر من 70 توصية للدول الأعضاء لكي يتم تضمينها في برامج مكافحة التطرف العنيف الوطنية، بدءًا من مبادرات سياسات التنمية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، إلى تمكين الشباب والمساواة بين الجنسين ودور مواقع التواصل الاجتماعي في ذلك.
كان نص الرسالة الافتتاحي كالتالي:
إن في التطـرف العنيـف إسـاءة لمقاصـد الأمـم المتحـدة ومبادئها، فهـو يقـوض السلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، ولا يسلم أي بلد أو منطقة من آثاره
وتتناول خطة العمل لمنع التطرف العنيـف مسألة التطرف العنيف في الحالات الـتي يفضي فيهـا إلى الإرهاب، وتعالجها، والتطرف العنيف ظاهرة تتسم بالتنوع وتفتقـر إلى تعريف محدد، وهو ليس بالأمر الجديد، ولا يقتصرعلى منطقة أو جنسية بعينها أو علـى نظام عقائدي معين، ومع ذلك، فإن جماعات إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتنظيم القاعدة وجماعة بوكو حرام قد شكلت، في السنوات الأخيرة، ملامح تصورنا للتطـرف العنيـف وحـددت معالم النقاش المتعلـق بكيفية التصدي لهذا التهديد، ورسالة التعصب الديني والثقافي والاجتماعي، التي تبثهـا هـذه الجماعات كانت لها عواقب وخيمة في العديد من مناطق العالم، وهي تسعى بحيازتها للأراضي واستخدامها وسائط التواصل الاجتماعي لإيصال أفكارهـا وإنجازاتها إلى مختلف أرجاء العالم، إلى تحدي قـيم السلام والعدالة والكرامة الإنسانية التي نشترك فيها جميعًا.
رابط خطة الأمم المتحدة كاملة في مواجهة التطرف العنيف
لكن حتى الآن لا يوجد توافق في الآراء حول ما يمكن اعتباره نوعًا من “التطرف العنيف” حيث لم يقدم بان تعريفًا محددًا له، لذا نجد أن بعض الدول والمؤسسات الأمنية تندفع بتهور نحو تطبيق برامج مكافحة التطرف العنيف على الرغم من أن تفاصيل كثيرة لا تزال غير واضحة.
لا تستطيع تلك البرامج اتهام الأفراد بكونهم متطرفين بتلك السهولة، إلا أنها وبدون أدلة كافية يمكنها التبليغ عن شخص معين للسلطات الأمنية بالاشتباه في كونه متطرفًا، ويميل إلى كونه إرهابيًا، حيث أصبحت تلك البرامج من أسوأ البرامج التي يخشاها مسلمو الولايات المتحدة الآن، حيث يطلب القائمين على تلك البرامج من كل من كان قريبًا من المجتمعات المسلمة أن يقوم بالتبليغ الفوري عن كل من كان مشتبهًا فيه بقيامه بسلوكيات متطرفة، حتى ولو كان طفلًا، وهو ما يجعل تلك البرامج عدو المجتمعات المسلمة الأول في الولايات المتحدة.
تقوم تلك البرامج على الخلط بين الإرهاب والتطرف، إن التطرف في حد ذاته ليس جريمة، ولكن هناك اتجاه من تلك البرامج إلى المساواة بين الاحتجاج والتمرد والتطرف والإرهاب، ومع ذلك فإن حتى أكثر الجماعات تشددًا تضم كثيرًا من الأعضاء في صفوفها الذين انضموا إليها لمجموعة متنوعة من الأسباب غير الأيديولوجية، ولا تزال هناك أشياء كثيرة غير معروفة عن الكيفية والأسباب التي تجعل الناس متطرفين، إلا أنها ليست بالضرورة تعني أنهم إرهابيون.
ما هي مكافحة التطرف؟ هل توجد أدلة قوية بما يكفي لبناء نهج ملكافحة التطرف العنيف على أساسها؟ ماذا نفقد عن طريق تخصيص موارد لمكافحة التطرف العنيف، وبالتالي نمنع تخصيصها لمبادرات أخرى؟ إن أحد الافتراضات الكامنة وراء مكافحة التطرف العنيف هي أنه يمكن وقاية المجتمعات من التطرف عن طريق توفير فرص العمل والخدمات العامة والتعليم للجميع.
إن مشكلة تعريف مكافحة التطرف والإرهاب مهمة، فهل الهدف بالفعل هو درء ذلك السلوك عن طريق فك الارتباط بين الأفراد وجماعات العنف، أم أنه تحصين للناس ضد الفكر المتطرف وحماية للمجتمع منه في سبيل منع تطوره إلى فكر متطرف إرهابي، إن غياب معايير واضحة هو أحد الأسباب التي تجعل قياس نجاح مكافحة التطرف العنيف أمر صعب للغاية، وهو ما يجعل العديد من الأنظمة تحاكم مجموعات عرقية أو دينية معينة حجة في مكافحة الإرهاب.