تولد الأفكار مع ولادة الإنسان وتبدأ في الازدياد كلما أعمل عقله، فيبدأ في تكوين اتجاهات وميول نحو الكثير من الأمور في هذه الحياة، واكتساب قيم وعادات تساهم في تكوين شخصيته وتكون هي بطاقة الهوية التي يتعامل بها مع الناس، كل هذا مرتبط بشيء واحد في هذا الفرد من المجتمع، إنه الفكر.
لقد اتفق الكثير من المفكرين على أن المجتمع هو نسيج أفكاره، وكلما ظهرت فكرة جديدة على المجتمع تلقى قبولاً لدى البعض ورفض البعض الآخر لاختلاف القيم والاتجاهات، ثم بعد ذلك تتغلغل الأفكار إلى أن تمتزج بالأخلاق فتشكل بذلك بيئة فكرية خاصة بالمجتمع، ومن هنا طرح المفكر مالك بن نبي في سلسلته مشكلات الحضارة، مشكلة الأفكار التي ترتبط بالأشياء والأشخاص في خطوط متوازية يحدث خلل في المجتمع كلما ابتعدت هذه العناصر الثلاث عن الأخلاق، ولعل الأفكار التي نتحدث عنها ليست بدعًا أو شبهات بل هي تحول وتغيير في مختلف المجالات، فاختراع المصباح كان فكرة ثم أصبح حقيقة، والهاتف والتليفزيون والطائرة والألبسة المتنوعة والتعاملات الاقتصادية والكثير من التحولات التي أصبحت متتالية يومًا بعد يوم.
تمثال لجيمس نايسميث مخترع كرة السلة
ومن بين المجالات التي لمستها هذه التحولات، المجال الرياضي، حيث تعد الكثير من الرياضات التي تمارس حاليًا في إطار قانوني منظم وتتسم بمتابعة شعبية واسعة من الرياضات القديمة التي كانت مجرد ملئ وقت فراغ، أو رياضات خاصة بالاستعداد للحروب بين الدول والشعوب حول المعتقدات والأفكار، وسرعان ما تطورت هذه الرياضات لتصبح أكثر تنافسية وتطبق فيها قوانين محددة تناسب كل شرائح المجتمع من أطفال وذكور وإناث وحتى من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
بعض الرياضات اخترعها أشخاص بفضل تفكيرهم العميق في إمكانية أن تكون هذه النشاطات بهذا التركيب والتنظيم رياضة يمكن أن تنتشر عالميًا، كما هو الحال في جيمس نايسميث مخترع لعبة كرة السلة، أو محمد حمان مخترع لعبة كرة العين، أو الكثير من الأشخاص الذي اخترعوا وطوروا الألعاب الرياضية المختلفة التي تمارس في كل المجتمعات رغم اختلاف العادات والقيم والمعتقدات.
ومع انتشار العلوم الرياضية المتخصصة المرتبطة بالعلوم العامة مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم وظائف الأعضاء… إلخ ، بدأ الفكر الرياضي يدخل في خبايا التدريب كفكر خاص يتعلق بالجانب الفني والخططي والبدني، وكذلك مجال التربية البدنية التي تطورت مناهجها وطرق وأساليب تدريسها لمختلف المراحل العمرية، وأيضًا الاهتمام بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة التي أصبحت تقام دورات عالمية خاصة بهم في رياضات تناسب إعاقتهم، ومع تطور وسائل الإعلام سواء المكتوبة أو السمعية أو المرئية، ظهرت قنوات رياضية تنقل مختلف الأحداث الرياضية وظهر مفهوم الإعلام الرياضي، وبهذا ظهرت تخصصات رياضية كثيرة ترتبط بمختلف العلوم الأخرى وواكبت تطورها ليرتقي المجتمع في أفكاره واتجاهاته.
إن عالم الأفكار التي يمتاز بها الواقع الرياضي امتزج بالكثير من الأمور التي ربما أثرت سلبًا في تطور الفكر الرياضي واقتصاره على بعض الأشخاص والدول فقط، وهذا للظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تعاني منها مختلف الشعوب، فأصبح الاهتمام في الأكل والشرب، ودخل عالم الأفكار في نفق مظلم، والحديث هنا عن المجتمع العربي الذي يعاني من تبعية فكرية لا تناسب الظرف الاجتماعي والثقافي والديني الذي يميزه.
وأهم فئة يتطلب منها وقفات فكرية هي فئة الشباب الذين أصبحوا وقودًا للعنف في الملاعب، هذه الظاهرة التي تفسد الممارسة الرياضية، فعلى الشباب أن يكونوا وقودًا للحياة تمارس، من خلالهم الرياضة بأشكالها المتنوعة في أجواء تنعم بالصحة والتنافس والتميز، يمارس هذا الشاب نوعًا من أنواع الرياضة ويكتب الثاني عن الأحداث الرياضية التي تجري ويعلق الثالث عليها ويعلم آخرون الأطفال في النوادي والمؤسسات التربوية، وبهذا يصبح المجتمع أكثر وعيًا بفائدة الرياضة وبضرورة تطور الفكر الرياضي.