ترجمة وتحرير نون بوست*
أعربت امرأة مسنة عن فرحها عند لقائها مرشحا عن حزب المعارضة كان يحمل بيده منشوراً يدعو إلى تنحي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. استغربت هذه المرأة عندما سمعت أن حزب حرية الشعب، أو ما يسمى “حزب البرناس”، مشارك في الانتخابات الرئاسية التي كانت على وشك أن تقام في روسيا.
لم تكن هذه المرأة على خطأ، فقد عمدت الصحف ودور النشر إلى رفض معظم المنشورات التي جهزت للمرشح يركايف أثناء حملته الانتخابية والإعلانات التي ستساهم في تعزيز هذه الحملة. كما حظرت الحكومة المحلية اللافتات التي جهزت لأجل الحملة ومنعت ظهوره على شاشات التلفزيون بتصريح قانوني، مما دعاه إلى الخروج والدعوة إلى “ارتداء الأقمصة التي تحمل اسم الحزب وشعاره وتوزيع المنشورات بأنفسنا.”
صرحت سيدة طلبت عدم الكشف عن هويتها، خوفاً من السلطات الروسية، أن “روسيا بحاجة إلى حزب ديمقراطي بديل على الأقل، ولكن الحكومة لن تسمح بهذا مطلقاً.”. توجه المواطنون الروس أمس الأحد إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم التي ستحدد مستقبل البرلمان، أو “مجلس الدوما”، المتكون من 450 مقعداً والذي تعمد الرئيس بوتين خفض عدد أعضائه إلى العدد الذي أراده لكي يتفرغوا لدعمه في كل خطوة يقوم بها.
وعد الكرملين لمرات عديد أن عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية ستكون حرة وشفافة، ولكن واقع الحملة التي تقام في مدينة تولياتي يكشف عكس ذلك ويوضح الفجوة التي تقف بين هذه الوعود التي من المفروض أن تؤدي إلى نتائج نزيهة وبين الأحداث الجارية في روسيا.
يسعى الكرملين، بلا شك، إلى إجراء انتخابات عادلة وحرة ويهدف من خلال هذه الانتخابات إلى الخروج من حقبة الانتخابات التي أنتجت العديد من الاحتجاجات، خاصةً من قبل الطبقة الوسطى. بالإضافة إلى ذلك، يخشى الكرملين من أي تجاوز قد يؤدي في نهاية الانتخابات إلى الاعتراف بعدم نزاهتها، لأن ذلك سيدخله في حالة قلق إزاء الانتخابات الرئاسية لسنة 2018.
يبلغ الرئيس بوتين من العمر ما يناهز 63 سنة، ولكنه مع ذلك يسعى إلى الفوز بالانتخابات الرئاسية التي ستضمن له رئاسة روسيا للمرة الرابعة على التوالي، وربما الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، يسعى بوتين إلى الاستفادة من الشعبية المتصاعدة التي يتمتع بها بهدف تحقيق النصر الذي سيزيد من نفوذه وسيعزز ارثه.
ولتحقيق الشفافية والنزاهة التي سبق وأن وعد بها، عين الكرملين محامية مدافعة عن حقوق الإنسان لرئاسة اللجنة الانتخابية المركزية. بدأت هذه المحامية بإرسال تحذير للمسؤولين المحليين الذي يشككون في نزاهة النتائج الانتخابية ويدعون إلى إبطال الانتخابات التي يجدون فيها غشاً. يتبنى هؤلاء المسؤلون موقفاً أقره فياتشيسلاف فولودين، أحد كبار المستشارين السياسيين للرئيس بوتين، الذي من المرجح أن يتعين رئيساً جديداً لمجلس الدوما.
وأفادت المحامية إيلا بامفيلوفا، في مؤتمر صحفي، أنها تحدثت مع السلطات المحلية وأكدت لهم أن “نسبة 99 بالمائة التي اعتادوا عليها في التصويت لم تعد مقبولة.”، ولكن يبدو أن هذه الملاحظة لم تكن واضحة لمعظمهم، وخاصةً المرشحين المعارضين لبوتين والمحللين السياسيين الذين ينتمون إلى منطقة سمارى، التي تتضمن مدينة تولياتي.
لم يحمّل المحافظ نيكولاي مركوشكين مسؤولية المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها روسيا لسوء الإدارة الاقتصادية أو العقوبات الغربية التي انجرت عن عملية ضم شبه جزيرة القرم ولكن على معاداة الرئيس أوباما ووكالة الاستخبارات المركزية لروسيا.
أفاد المنشور أن مرشحي المعارضة مصنفون على الخانة الخامسة في جدول رواتب وزارة الداخلية وجزءًا من المخطط الذي يتضمن التعامل مع أسعار النفط وظهور تنظيم الدولة. وأضاف المنشور أن الرئيس بوتين يسعى إلى إعادة بناء الجيش، مشيراً أن “بلادنا تدفع الأطراف الأخرى نحو المزيد من الجدية في التعامل، وهذا الشيء لن يروق للسياسيين الأمريكان.”
استغل السيد مركوشكين المخاوف بطرق أخرى أيضاً وحذر سكان مدينة تولياتي من العواقب التي ستنجر عن رفضهم التصويت لفائدة دولة روسيا المتحدة وقال “أنتم مسؤلون عن قراركم، لا تأتوا وتطلبوا المساعدة، لأننا لن نوفرها.” من جهته، حذر مديرو مصنع السيارات في مدينة تولياتي العاملين من عواقب رفضهم التصويت لفائدة حزب روسيا الموحدة، وأكدوا لهم أن “العمل في المصنع سيتواصل في حال كان تصويتكم لصالح روسيا الاتحادية، ولكن إذا حدث عكس ما نرجوه، سنغلق المصنع.”
يقول المحللون أن هؤلاء المسؤولون يعتمدون أسلوب التهديد مع سكان هذه المدينة الذين لا يؤمنون أن بوتين وسياساته قد تنفعهم في حل مشاكلهم، لذلك يربطون مصير الانتخابات بالمستقبل المهني لهؤلاء العاملين، ويعتبر أصحاب مصانع السيارات في روسيا أول القلقين على النتائج التي ستأتي بها الانتخابات.
في 2011، فاز الشيوعيون بـ 29 في المائة من جملة الأصوات في روسيا، مقابل 26 في المائة لفائدة “روسيا المتحدة”. بالإضافة إلى ذلك، يشكل الحزب الشيوعي جزءا من المعارضة الموالية التي نادرا ما تتحدى الرئيس بوتين، ولكن الحنين إلى العهد السوفياتي يلقي به كبديل. من المتوقع للحزب أن يحقق مكاسب في روسيا هذه السنة وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية.
قد تساهم قواعد جديدة للتصويت في رفع معنويات الأحزاب الأخرى والمرشحين المستقلين، الذين يعملون على التركيز على القضايا المحلية. سيتم تحديد المقاعد في البرلمان عن طريق تقسيمها وفقاً للترشحات الفردية واعتمادا على الممارسات القديمة للقائمة الحزبية الوطنية.
وقام محافظ مدينة تولياتي بتنظيم التجمعات الانتخابية في كل دائرة انتخابية لأجل المرشح فلاديمير بوتين، الذي يعتبر العاملين في مصنع افتوفاز “مثاليين”، مخبرا موظفي الحكومة على الحضور.
وأفاد المرشح عن الحزب الشيوعي، ليونيد كلاشنيكوف، أن المعارضين “يتعرضون للكثير من الضغط”. من جهتها، نفت المتحدثة باسم المحافظ، ايليا شرنشيوف، الاتهامات بوجود انتهاكات واسعة النطاق في الانتخابات واتهمت بدورها المعارضة باعتماد الشكاوي الكثيرة كطريقة تكتيكية للتأثير في الحملة، مشيرة أن “هدفهم يتمثل في الإظهار للعالم أن القواعد الانتخابية تنتهك هنا، ولكن هذا ليس صحيحا.”. ومع ذلك فإن الأحزاب المعارضة الصغيرة، مثل حزب “برناس”، تعيش وضعا صعبا.
ولا يزال السباق في تولياتي محل شك لا يمكن التنبؤ به، حيث يتمتع الشيوعيون بالدعم من المواطنين، ينافسهم في ذلك الرئيس بوتين، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالصورة الشاملة لروسيا.
المصدر: نيويورك تايمز
*نُشر هذا الموضوع في صحيفة نيويورك تايمز قبل يوم واحد من الانتخابات الروسية التي عُقدت الأحد 18/9/2016، وبعد فرز 90 ٪ من بروتوكولات اللجان الانتخابية، بحلول صباح اليوم الاثنين، تقدم حزب “روسيا الموحدة” بحصوله على 54.21 في المائة من أصوات الناخبين.
وحلّ الحزب الشيوعي في المرتبة الثانية بحصوله على 13.53 في المائة من الأصوات، متفوقاً بفارق بسيط على الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي حصل على 13.28 في المائة، بينما جاء حزب روسيا العادلة في المرتبة الرابعة بنسبة 6.19 في المائة.
وبذلك تجاوزت الأحزاب الأربعة المتمثلة في البرلمان المنتهية ولايته نسبة الـ5 بالمائة المطلوبة للحصول على مقاعد في المجلس الذي يضم 450 نائباً، ولم يتسن لأي حزب من المعارضة “غير النظامية” تجاوز هذه النسبة بنظام القائمة، كما كان متوقعاً.