هل فكرت يومًا ماذا لو استيقظت من النوم ووجدت أنك لست مضطرًا للعمل؟ ماذا ستفعل في حياتك إذًا؟
يتساءل ريان آفنت في جريدة الغارديان عن شعورك عندما تستيقظ يومًا ما وتجد أنك قد فزت في اليانصيب، ربما ستقوم بشراء العديد من المنازل، والقيام بالعديد من الرحلات حول العالم، أو الحصول على توقيع اللاعبين بعد شراء الأرسنال، بالنسبة للكثيرين، فأكثر ما يحيرهم في هذا الأمر هو الحرية التي سيحصلون عليها: أن تفعل ما تريد، عندما تريد، وكيفما تريد.
تخيل مرة أخرى إذا امتدت هذه الحرية لتشمل الجميع، ففي يوم من الأيام ربما ليس في حياتنا لكن بعدها بوقت ليس ببعيد، سوف تصبح الروبوتات قادرة على القيام بمعظم المهام التي يقوم بها الإنسان، وعندها سوف نعيش حقًا في عالم من البطالة.
بطبيعة الحال، علينا أن نكتشف ما الذي ينبغي أن نفعله مع أنفسنا ومع الآخرين، فكما أن ورقة اليانصيب لن تحرر الفائز من قيود الحالة البشرية، فإن أجهزة الروبوت متعددة الأغراض ليس لديها طريقة سحرية تسمح لنا بالاستمرار كذلك، لذا يجب علينا البدء في بناء مؤسسات اجتماعية تستطيع الصمود لفترة طويلة عندما يحل التقدم التكنولوجي محل الإنسان.
وبالرغم من تقدم الروبوتات بشكل كبير، إلا أن جيلنا الحالي يستطيع الحفاظ على عمله حتى الوصول إلى سن التقاعد، لكن مع وجود نسخ مماثلة من فيلم “ستارتريك” والمربيات الآليات، فقد بدأت الثورة الرقمية في نشر خرابها، وأصبح الخبراء السياسيون والاقتصاديون في حيرة من المعاناة التي يشهدها العمال في العقود الأخيرة مع معدلات الأجور التي يُرثى لها، وارتفاع نسبة عدم المساواة وزيادة الدخل القومي عن طريق الفوائد والإيجارات وليس دفع الشيكات.
والمتهم الرئيسي في ذلك هو التكنولوجيا، فقد ساعدت الثورة الرقمية على انتشار العولمة والوظائف الروتينية الآلية، والسماح لفريق صغير من العمال ذوي المهارات العالية بإدارة مهام كانت تتطلب عشرات العمال سابقًا للقيام بها، وكانت النتيجة وجود وفرة في العمالة يحاول الاقتصاد استيعابها.
لم تجد أسواق العمل سوى طريقة واحدة للتعامل مع ذلك: توظيف العمال بأجور منخفضة، يقوم أصحاب العمل أيضًا بتعيين العمال في وظائف تستطيع الآلات القيام بها، كما تراجعت شركات التوزيع وتجار التجزئة عن استخدام الروبوتات في مخازنهم لوجود صف طويل من العمال على استعداد لنقل الصناديق رغم تدني الأجور، وللمفارقة، فإن أول أعراض بزوغ فجر التكنولوجيا هو انخفاض الأجور والعمالة منخفضة الإنتاج.
هذه الفوضى بدأت في الكشف عن مدى صعوبة بناء عالم من البطالة، والتحدي الأكبر الذي تشكله الثورة الاقتصادية ليس في كيفية التعامل مع التكنولوجيا الجديدة في المقام الأول، ولكن في كيفية إعادة تشكيل المجتمع للاستخدام الأمثل للتكنولوجيا مع الحفاظ على رضا الغالبية العظمى من العاملين، لكننا فشلنا في ذلك حتى الآن.
التحضير لعالم بدون العمل يعني التصارع بين أدوار العمل في المجتمع ومحاولة إيجاد البدائل الممكنة، أولًا وقبل كل شيء، نحن نعتمد على العمل لتوزيع القوة الشرائية: أي الحصول على المال لشراء الطعام، لكن في المستقبل البعيد، قد نتخلص من المال والأسعار تمامًا حيث سيرتفع الإنتاج بما يسمح بتزويد الناس بما يحتاجونه بتكلفة تقترب من الصفر.
ولأجل مصلحة الجميع، يجب أن تستمر الأجور في كونها وسيلة الناس للحصول على المال، فالأسعار هي طريقة الحصول على السلع والخدمات، وفي غياب تغيير اجتماعي واسع ومع دفع الناس لترك العمل، فسوف يتم توجيه المال من العمال إلى أصحاب العمل وحينها يصبح الأثرياء أكثر ثراءً.
لذا لكي يتم تحرير الناس من العمل دون حدوث انهيار اجتماعي، ينبغي على المجتمع أن يجد طريقة لتوجيه الأموال إلى من لا وظيفة لهم، فربما تقوم الدولة بإعادة توزيع الدخل على الناس أو التوفير المباشر لخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية والإسكان، وربما تمنح الدولة جميع الناس مخصصات مالية عند الولادة.
هذه الترتيبات لن تتحقق بطريقة سحرية لكنها تحتاج إلى عمل سياسي لتنفيذها، ومن هنا تبدأ الأمور في التعقيد، هناك الكثير من الطرق تستطيع الحكومة من خلالها زيادة رواتب العمال مثل رفع الحد الأدنى للأجور أو سن قانون الدخل الأساسي وزيادة دعم الأجور، وإجبار الشركات لمشاركة أرباحها بنسبة كبيرة مع العمال، لكن يبدو أن العمال والنقابات أقل اهتمامًا بالسياسات مثل الدخل الأساسي وقطع الصلة بين الأجور والعمل، مما يجعل بناء هذه المدينة الفاضلة أمرًا صعبًا والمشكلة الأكبر هي أن الإصلاح الاجتماعي يحتاج إلى وقت طويل حتى يظهر تأثيره.
بالنسبة لتفضيلات العمال فمن السهل فهمها، فالعمل ليس مجرد وسيلة لتوزيع القوة الشرائية لكنه من أهم مصادر تحديد الهوية والهدف في حياة الإنسان، لذا إذا تقلص دور العمل في المجتمع فينبغي العثور على مصادر أخرى للهوية وتحديد الهدف، قد يستطيع بعض الأشخاص العثور على ذلك بأنفسهم مثل الانخراط في العمل التطوعي مثل الأشخاص الذين وصلوا إلى سن التقاعد ويجدون طرق مرضية لشغل أوقاتهم، لكن البعض الآخر قد يقعون عندها في حيرة.
لذا ينبغي على المجتمعات أن تقرر المساهمة في طرق تأهيل المجتمع لدعم الدولة، ويجب على هؤلاء الذين لا يعملون أن يشاركوا في خدمة المجتمع أو في أي نشاط آخر وعندها يستطيع العاملون تمويل الدولة دون أن يشعروا بالغضب، وفي أنحاء العالم الغني، من المُلاحظ أن الاضطراب الاجتماعي ليس سببه كرم الدولة في إعادة التوزيع، ولكن لأن الجماعات من اللاتينيين والبولنديين وحتى اللاجئين هم من يحصلون على تلك الأسهم.
بناء مدينة فاضلة بلا عمل، يتقاسم فيها الناس الثروة على نطاق واسع ويشعرون فيها بالرضى عن حياتهم، ويتحقق فيها السلام دون استبعاد للأجانب، ليست مهمة سهلة على الإطلاق، فالصراعات قد بدأت بالفعل والجولات السابقة من المفاوضات لا تبشر بالخير، وبعد قرنين من الآن، أعتقد أننا سنكون قد حققنا عملًا رائعًا، على افتراض أننا سنقوم الآن بإدارة أولى الخطوات الؤلمة دون أن ندمر العالم.