تعني صحافة البيانات إعداد قصص خبرية عن طريق معالجة مجموعات كبيرة من البيانات، حيث يجد الصحفيون قصصهم الخبرية، أو يضيفون أبعادًا جديدة لها، من بين طيات قواعد البيانات المختلفة.
إذ إن عملية إضافة بيانات للقصة الخبرية في أبسط صورها تضفي بعدًا جديدًا لم يكن موجودًا من قبل في تلك القصة، ومع التعمق في قواعد البيانات أيضًا يمكن للصحفيين بابتكار قصص جديدة من بين ثنايا قواعد البيانات، أو إضافة جوانب جديدة لقصصهم الأصلية، لم تكن لتظهر بطريقة أخرى، ومن هنا اكتسبت صحافة البيانات أهميتها.
هذا النوع من الصحافة بحسب ما يرى رشيد جنكاري هو وسيلة تقنية تستدعي اللجوء إلى الحواسيب والهواتف الذكية والألواح الإلكترونية بطريقة جديدة لإعداد الروايات والأخبار الصحفية.
فالصحافة القائمة على البيانات كما يرى تشكل قطيعة مع الممارسة الصحفية التي كانت تعاني من شح المعلومات وصعوبة صيد الخبر وجمعه، وأما مع الطفرة التقنية، فقد أصبحت معالجة الخبر نفسِه أمرًا أكثر أهمية.
لماذا يتعين على الصحفيين استخدام البيانات؟
في كتاب صحافة البيانات، كيف نستخرج الأخبار من أكوام الأرقام والمعلومات في الإنترنت، يرى محرروه الثلاثة جوناثان غراي، ليليان بونيغرو، لوسي تشيمبرز أن الصحافة تتعرض لنوع من الحصار، حيث كان الصحفيون الوحيدين الذين يستخدمون التكنولوجيا لنسخ ما حدث في الليلة السابقة وتوزيعه، وكانت المطبعة بمثابة بوابة، فإذا أراد أي شخص الوصول إلى أناس في مدينة أو منطقة ما في الصباح التالي، لجأ إلى الصحف.
واليوم تتدفق الأخبار أثناء حدوثها من عدة مصادر ومن شهود ومدونات، وما يحدث تتم تصفيته من خلال شبكة هائلة من المواقع الاجتماعية، ولهذا السبب تزداد أهمية صحافة البيانات، حيث تتزايد أهمية الجمع والانتقاء من بين هذا الكم الهائل، وتخيل ما يحدث بشكل يتجاوز محدودية ما تستطيع العين رؤيته، وطرحه للناس من خلال هذه البيانات التي باتت متاحة للجميع.
وباستخدام هذه البيانات يتبع الصحفي نهجًا معينًا في طرح القصة، ويمكن أن يشمل هذا كل شيء، بدءًا من إعداد التقارير بالطريقة التقليدية بمساعدة الحاسوب (باستخدام البيانات كمصدر لتلك التقارير، مرورًا بالإنفوجرافيك وهي النسخة الأكثر تطورًا من الرسوم البيانية، وانتهاءً بتطبيقات الأخبار).
فتوفير المعلومات والتحليلات استنادًا على المعلومات البيانية هو الهدف العام لصحافة البيانات، وهو ما يساعد على إثراء الأخبار بمصداقية أعلى، لذا يطرح هذا الأمر تحديًا جديدًا على الصحفيين، وهو باختصار كيف يمكن استخدام البيانات الرقمية لإنتاج وتوزيع المعلومات في القصص الصحفية؟
تحديات الثورة الرقمية أمام الصحفيين
يقول تيم بيرنرز لي مؤسس الويب: “إن المستقبل ملك الصحافة المعتمدة على البيانات، لذا وجب على كل صحفي أن يبرع في التعامل مع تكنولوجيا البيانات”.
ويضيف: “في الماضي كان الصحافي يحصل على المواد عن طريق الدردشة مع الناس في الحانات وربما ما يزال الأمر كذلك في بعض الأحيان، لكن الحال تغير الآن وأصبح من اللازم على الصحفي أن ينكب على دراسة البيانات مع تجهيز نفسه بالأدوات اللازمة لتحليلها وانتقاء ما هو مثير للاهتمام مع الحفاظ عليها جميعا في رسم توضيحي، لمساعدة الناس على رؤية جميع زوايا الموضوع وفهم حقيقة ما يدور حولهم”.
لذا ربط البعض بين مستقبل الصحفيين ورهنه بقدرتهم على مواكبة الطفرة التقنية الحالية، التي انتقلت من مجرد المعرفة باستخدام الإنترنت والبريد الإلكتروني والشبكات الاجتماعية كوسائل جديدة لنقل الخبر ومواكبة الأحداث، إلى خوض غمار عالم صحافة البيانات، التي تتطلب معرفة برمجية وتكنولوجية أعلى بكثير من ذي قبل لدى الصحفي.
وهو ما يعني أن الأمر لم يعد مجرد وجود زاوية صحفية لدى الصحفي المحترف، بل تعدى الأمر الآن ليتطلب معرفة تقنية عالية بالصحافة الرقمية وأدواتها وتكنيكاتها.
حيث تعتمد صحافة البيانات بشكل رئيسي على الأرقام المجمعة على شكل معطيات إحصائية من خلال المصادر المفتوحة المتوافرة للجميع الآن، ثم تقوم فرق عمل صحافة البيانات بجمعها ثم إخضاعها لعمليات فرز وتنسيق، ثم مرحلة التحليل بهدف استخراج الأنماط الموجودة بداخلها وصولاً إلى إيجاد قصص خبرية داخل تلك الأنماط، وهو ما يتطلب استخدام برمجيات مساعدة عدة في كل مرحلة من هذه المراحل.
البيانات بدلًا من الأخبار التقليدية
شهدت السنوات الماضية صعود البيانات كمصدر أساسي للأخبار بدلاً من الأخبار التقليدية في حد ذاتها، وينظر إلى المستقبل بأنه ستتعدد فيه مصادر البيانات، تلك التي تفصح عنها المنظمات والحكومات كجزء من الشفافية، والبيانات التي يقدمها الأفراد طواعية، والبيانات المتعلقة بالمنصات الإلكترونية، والبيانات المسربة.
وعليه فإن هناك اتجاه لأن تحل صحافة البيانات محل الصحافة الخبرية التقليدية، ويتوقع أن تكون المجال الأكثر تفضيلًا للصحفيين، بمعنى أنها أصبحت تفرض نفسها بقوة، وتمثل كذلك اتجاهًا جديدًا لمستقبل الصحافة يرتبط بالتكنولوجيا والإيضاحات البصرية.
ويبدو من كل هذا أن مجال الصحافة والإعلام لم يعد نظريًا بعد اليوم، فمن خلال هذه التحديات الكبيرة تنتظر المؤسسات الإعلامية أعوامًا تطويرية، كذلك الأمر بالنسبة للصحفيين المستقلين وكليات وأقسام الصحافة عبر العالم.