تتميز العديد من الدول الأوربية بأساطيرها وملاحمها الخاصة من الأساطير اليونانية والنوردية والفنلندية وغيرها، إلا أن تولكن كان دائمًا ما يعرب عن قلقه من افتقار بلده “إنجلترا” إلى أساطيرها الخاصة، وقد عكف تولكين على بحث ودراسة الأساطير الخاصة بالبلدان، وواحدة من تلك الملاحم التي تأثر بها كانت ملحمة الكاليڤالا الفنلندية، وقد جمعت أغاني الكاليڤالا ونشرت في منتصف القرن التاسع عشر على يد العالم اللغوي الفنلندي إلياس لونروت .(1802-1884)
وتعتبر الكاليڤالا الملحمة الوطنية الفنلندية أحد أهم أعمال الأدب الفنلندي وكان الهدف منها إزكاء الروح القومية عند الفنلنديين والذي بدأوا يفقدون هويتهم بعد تعاقب احتلال عدة دول أجنبية عليهم لعدة قرون مثل السويد وروسيا، ويعزى الفضل للكاليڤالا في إلهام الصحوة الوطنية التي قادت في نهاية المطاف إلى استقلال فنلندا عن روسيا في عام 1917.
وقد أثرت الكاليڤالا كثيرًا على الفنلنديين، وكان اكتشاف الأساطير الأصلية لفنلندا السبب في منح الفنلنديين الشعور بالاستقلال والهوية الوطنية، وأصبح إلياس لورنوت بطلاً قوميًا في فنلندا، كما أصبح للكاليڤالا مكانة كبيرة في نفوسهم فأسموها “أساطير من أجل فنلندا” وقد كان لها أثر كبير في نفس تولكين الذي كان يقلقه افتقار بلده إلى أساطيرها الشعبية، فعكف على مشروع “أساطير من أجل إنجلترا” والذي أصبح فيما بعد يحمل اسم “السيلماريليون”.
قرأ تولكين الكاليڤالا عندما كان طالبًا في كلية الملك إدوارد في برمنجهام عام 1911 وانبهر بها كثيرًا، فقد استلهم تولكين من الكاليڤالا شخصية كوليرڤو بطله التراجيدي المأسوي، وقد كانت حكاية كوليرڤو هي نقطة تحول في حياة تولكين فقد كانت المرة الأولى التي ينتقل فيها تولكين من كتابة الشعر إلى كتابة النثر، وتعد شخصية كوليرڤو البذرة الأساسية لأغلب شخصيات وأساطير تولكين، والتي حملت اسم “السيلماريليون” وخاصة حكاية أبناء هورين وبطلها تورين تورمبار.
وقد أقر تولكين أنه “تأثر بشدة” بالأساطير الفنلندية، ويظهر في رسائله لخطيبته “إيديت برات” في عام 1914 رغبته في تحويل إحدى حكايات الكاليڤالا وهي قصة كوليرڤو والتي هي حكاية تراجيدية طويلة إلى قصة نثرية قصيرة مع مجموعة من الأناشيد، وبالرغم من أن القصة تعد عملًا غير منتهي لتولكين، إلا أن التشابه بينها وبين أعمال تولكين التالية وخاصة قصة أبناء هورين والتشابه بين كوليرڤو وتورين تورمبار يبدو واضحًا.
فكلا القصتين تعد حكاية مأساوية “تراجيدية” وكلا البطلين يمارسان الزنا مع أختهما بدون أن يعرفوا من تكون، وفي كلا القصتين تنتحر الأخت بإلقاء نفسها في الماء بعد اكتشاف ما قد تم ارتكابه من خطيئة، كما أن كلا البطلين يقتلان أنفسهما بسيفهما بعد أن يسأل البطل سيفه إن كان سيذبحه.
وبجانب تأثير حكاية كوليرڤو الواضح في حكاية تورين تورمبار، فإن أثرها يبدو واضحًا في أغلب حكايات السيلماريليون، وهي توضح أنماط السرد التي اتخذها تولكين في كتابة أساطيره، فهناك المأساة والقصة الأسطورية والشعر والنثر، ولذلك قال تولكين عن الحكاية المأساوية لكوليرڤو إنها المادة الخام التي طور منها أقوى قصصه.
توجد قصة كوليرڤو كمخطوطة واحدة في مكتبة “بودلي” وهي المكتبة البحثية الرئيسية في جامعة أكسفورد كمشروع خام للقراءة مع الكثير من الهوامش وأسطر من الإضافات والتصحيحات بالقلم الرصاص، وفي مسودة القصة كتب تولكين: “يجب أن يعاد تنقيح المخطوطة وإخراج التقرير النهائي عنها”.
وقد ظلت المخطوطة غير منشورة حتى عام 2010 عندما قامت الدكتورة الجامعية Verlyn Flieger بتحرير المخطوطة، ونشرها مع عدة تعليقات ومقالات في العدد السابع من جريدة دراسات تولكينية Tolkien Studies وهي جريدة أكاديمية سنوية متخصصة في دراسة أعمال تولكين، وتم نشر القصة بشكل منفصلة في كتاب “حكاية كوليرڤو” في أغسطس عام 2015 من خلالHarperCollins Publishers وتم ترجمتها إلى العربية على يد المترجم أسامة أبو ترابة ويمكن الحصول على النسخة المترجمة ومعرفة المزيد عن تولكين وأعماله باللغة العربية من هنا