ترجمة وتحرير نون بوست
يقود رجل الأعمال الجزائري، رشيد نكاز، “حربًا مقدسة” ضد كبار المسؤولين في الجزائر، من أصحاب الممتلكات في الخارج، متهمًا إياهم بالحيازة عليها بطريقة غير شرعية، إلا أن التحقيق الذي يقوم به “الفارس الأبيض” ليس واضحًا جدًا.
يبدو أن جدول أعمال نكاز حافل جدًا بالمواعيد الهامة في شهر أيلول/ سبتمبر الحالي، فبعد أن عرفته فرنسا بالرجل الذي يدافع عن النساء اللاتي يتم معاقبتهن بغرامة مالية بسبب ارتداء النقاب في الأماكن العامة، يقود رجل الأعمال اليوم “حربًا مقدسة” ضد بعض كبار المسؤولين الجزائريين، أصحاب الممتلكات في الخارج.
ورفقة مجموعة من رفاقه والمتعاطفين معه، قاد نكاز في التاسع من أيلول/ سبتمبر، مسيرة أمام المبنى الذي يمتلك فيه الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، شقة والواقعة في بلدة نويي سور سين الفرنسية.
وفي اليوم الموالي، قامت نفس المجموعة باحتجاجات في الدائرة رقم 5، على ضفة نهر السين بباريس، أين يحوز وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشارب، على ممتلكات فيها، وضمن نفس السلسلة من الاحتجاجات، زار نكاز وأصدقاؤه شارع الشانزليزيه، أين تمتلك ابنة رئيس الوزراء عبد المالك سلال شقة، في 11 من نفس الشهر، وفي نفس هذا الإطار، تنقل نكاز إلى جينيف في 15 من أيلول/ سبتمبر، ونظم اعتصامًا أمام إقامة من المفترض أنها ملك لعبد العزيز بوتفليقة.
وبالنسبة لرشيد نكاز، فإن ملكية هذه العقارات كانت عبر طرق غير شرعية وخاطئة، وتجدر الإشارة هنا، إلى أنه ليست هذه المرة الأولى التي يهاجم فيها رجل الأعمال، شخصيات جزائرية، فمنذ ثلاث سنوات قام نكاز بالسخرية من العديد من الشخصيات في الصحف أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو على التلفزيون، فاضحًا ثراءهم غير المشروع والمزيف، وفي هذه المرة، قرر نكاز أن يخصص كل وقته وثروته ليكشف عن حقيقة ممتلكات القادة الأربعة، الذين سبق ذكرهم، والتي تم حيازتها بطرق مشبوهة.
كما أنه في الجزائر، يتم متابعة هذه القصص عن كثب، وبدوره، يسعى نكاز لإثبات هذه التهم، ومن جهتها، تحدثت عناوين الصحف الجزائرية في ربيع عام 2015، عن شراء ريم سلال لمسكن في باريس، تبلغ تكلفته حوالي 860 ألف يورو، كما ظهر اسمها مرة أخرى ضمن فضيحة أوراق بنما، في مايو/ أيار الماضي.
وفي هذه المرحلة يمكن طرح تساؤلات حول علاقة بين عملية شراء مسكن نجل سلال وفضيحة الفساد التي هزت شركة النفط العملاقة سوناطراك، والتي تورطت فيها أسماء مثل وزير الطاقة السابق شكيب خليل وعدد من أسرته، بما في ذلك عمر حابور، وعمومًا هذا ما يسعى نكاز للتحقيق فيه وإثباته.
وفي رسالة بعث بها رجل الأعمال رشيد نكاز، يوم 20 آب/ أغسطس، للقاضي الفرنسي رينو فان ريمبيكي، المعروف بمكافحته للفساد، للتحقيق في المسألة وتحديدًا للتحقيق في ملف ريم سلال وعلاقتها بعمليات غسل الأموال التي قادها عمر حابور والرشاوى التي تدفعها شركة سايبم.
وجدير بالذكر أن حابور مطلوب من قبل العدالة الجزائرية والإيطالية لتورطه في قضية فساد مزعومة مرتبطة بالعقود الموقعة بين سوناطراك وشركة سايبم، ولذلك، فإن حابور بطبيعته في دائرة ضوء فان ريمبيكي، وفي هذا الإطار، صدر أمر في فبراير 2014، يقضي بحجز شقته في باريس التي تقدر بقيمة 3 مليون يورو.
إنكار للتهم
عمومًا يقدر قاضي القطب المالي، أن هذا الشراء متعلق بعملية غسل الأموال المرتبطة بالرشاوى المدفوعة في إطار فضيحة سوناطراك – سايبم، وعلى الرغم من أن رينو فان ريمبيكي يعرف بمثابرته وجديته في العمل، إلا أن حساسية هذه المسألة والعلاقة الخاصة بين باريس والجزائر، يمكن أن يعطي القضية بعدًا سياسيًا ودبلوماسيًا، سيعيق بدوره التحقيق في هذه المسألة.
وإلى جانب عملية الشراء المشبوهة، فإن شقة وزير الصناعة والمناجم الكائنة في باريس وغيرها من الممتلكات، هي في دائرة ضوء نكاز، إلا أنه من جهته، اعتبر بوشارب أن هذه الاتهامات ليست إلا هراءً، وفي هذا الإطار، قال بوشارب: “ليس لدي أي شيء لأخفيه، فكل ممتلكاتي مسجلة، سواء كان ذلك عندما كنت نائبًا أو وزيرًا”.
أما عن ممتلكات النائب العام لحزب جبهة التحرير الوطني في نويي، فهناك قصة طويلة، فالسعدني، قام مؤخرًا بالدفاع عن شرعية ممتلكاته قائلاً: “لقد اطلع الرئيس السابق لجهاز المخابرات، على الوثائق القانونية الخاصة بهذا العقار، كما أن ابنتي مريضة، وتتلقى العلاج في باريس منذ ثلاث سنوات، ونصحني الأطباء بأن تقيم في باريس لمراقبة أفضل، ولا يمكنني إلا القيام بذلك”.
وحول إقامة بوتفليقة في جنيف، فإن قصر المرادية قد نفى هذه الشائعات وقال في بيان له إن “الرئيس لم يستخدم أبدًا هذا المبنى كإقامة رسمية أو خاصة”، كما برر بأن هذه الإقامة هي من ممتلكات الدولة، حصلت عليها في عام 2008 من قبل سفارة الجزائر في سويسرا بقيمة تقدر بـ 25 مليون يورو، وهي كذلك المقر الرسمي للبعثة الجزائرية لدى الأمم المتحدة في جنيف.
البحث عن الشفافية
رشيد نكاز، البالغ من العمر 44 سنة، هو من خريجي التاريخ والفلسفة في جامعة السوربون، يعرف بثرائه، بتألقه في وسائل الإعلام وبشهرته، إلا أنه يعتبر نفسه أنه “لا يهاجم الجيش وموظفي الخدمة المدنية وكبار رجال الأعمال، وإنما هو مهتم فقط بالمسؤولين الذين انتخبهم الشعب”.
كما أنه دائمًا يردد أنه “بمجرد نشر كبار المسؤولين في البلاد تفاصيل حول أصولهم باسم الشفافية، سيتوقف هو عن إزعاجهم”، إلا أنه تطلق عليه كثير من الألقاب، من قبيل، الفارس الأبيض غير الواضح، المحرض دون اتساق، القاضي، إلا أنه عمومًا يعتبر شخصية لامعة.
كما يقول: “أنا سياسي ولست قاضيًا، أريد أن تكون حكومتي مثالية، كما نريد أن نشعر بأن النخبة التي تقود الشعب، ليست فوق القانون”، إلا أنه عن السماع بالمناداة بالشفافية والاستقامة، يصعب أن تؤخذ الأمور على محمل الجد، لأن نكاز لا يطبق مبدأ الشفافية على نفسه، فهذا الرجل الذي أصبح مليونيرًا في سن 27، يراوغ في الحديث عن ثروته، كما أنه يدعي أنه حصل على جائزة كبيرة في أوائل سنة 2000، وتمكن من إقامة مشروع بعد إعادة بيعها بسعر مرتفع، رافضًا الكشف عنه.
وقد كشف هذا الأخير أنه يستثمر في العقارات، وقال: “اشتريت أملاكًا في فرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا وغيرها، قبل بيع كل شيء، أملك الآن ثروة تسمح لي للعيش بكل أريحية، ولدي الكثير من الوقت والمال لقيادة معركتي”، وحتى في الحديث عن مقر سكناه، هو يراوغ، وأجاب أنه “يغير مسكنه بشكل مستمر داخل باريس”.
وحول البيئة التي يعيش فيها وعلاقاته، فمن الصعب التوصل إلى معلومات حول هذا الجانب، وفي الحديث عن عائلته، تم التوصل إلى أن ابنه البالغ من العمر 15 سنة، يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، أما زوجته فتعيش في لو رو، وتشتغل كمسؤولة عن اتصالاته الدولية، دون أي تفاصيل أخرى عن ذلك.
كما كشف أنه يقوم بإدارة أعماله بمفرده بإرشادات من مؤسسات خارجية، وهو كذلك حر فكريًا وماليًا، وليس مدينًا لأحد.
وحول حياته السياسية، فتبدو وكأنها سلسلة من الفرص الضائعة، ومن بين المناصب التي ترشح لها، نذكر أنه ترشح للرئاسة الفرنسية عام 2007، كما أنه لا يجد حرجًا في الحديث على أن “والده كان عنصرًا من اتحاد فرنسا لجبهة التحرير الوطني، أو أنه وضع المال في خدمة رئيس الجبهة الوطنية”.
وجدير بالذكر أن علاقات نكاز، ليست بعيدة عن الفضائح الدولية، وعلى رأس المقربين منه، نذكر المحامي كريم عشوي، الذي حكم عليه في 2008 بالسجن سبع سنوات بتهمة التواطؤ في قضية هروب اللص أنطونيو فيرارا، وكان لنكاز دور في خروج هذا المحامي من السجن وذلك بدفع مبلغ بقيمة 50 ألف يورو.
كما تجدر الإشارة إلى أنه في تموز/ يوليو 2013، أعلن نكاز أنه تخلى عن الجنسية الفرنسية لأنه لم يعد يؤمن “بقيم الجمهورية الفرنسية”، وبعد بضعة أشهر، قام بترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية في الجزائر في عام 2014 وسافر للبلاد للترويج لحملته الانتخابية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن رجل الأعمال، يملك ثقة بالنفس لا مثيل لها، وكلما يصفه منتقدوه بالأحمق، يجري مزيدًا من التحقيقات حول الزعماء الآخرين الذين يمتلكون أصول في الخارج.
التبرع بالمال لصالح غرامات ارتداء النقاب
عند دخول القانون الفرنسي الذي يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة حيز التنفيذ في عام 2011، كان نكاز على استعداد لدفع غرامات المخالفين، كما كشف أنه تبرع في العموم بحوالي 245 ألف يورو، وبالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يعود إلى الساحة بعد الجدل في فرنسا حول ارتداء البوركيني.
ومن الواضح أن هذا الأمر قد أزعج وزير الداخلية الفرنسي برنار كازانوف، والذي يسعى إلى منع دفع هذه الغرامات من قبل طرف ثالث، لأنه من شأنه أن يشجع النساء على تحدي القانون.
المصدر: جون أفريك