انطلقت فجر اليوم الثلاثاء عمليات تحرير مدينة الشرقاط العراقية جنوب مدينة الموصل، على لسان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ومن مدينة نيويورك الأمريكية بعد لقاء مع الرئيس الأمريكي بارك أوباما وحمل اللقاء عدد من الرسائل المهمة، كما أن العمليات العسكرية لم تبدأ اليوم فقد سبقها مجموعة تحركات ولكن عملية الزحف البري كانت البداية اليوم.
الشرقاط ومعركة التحرير في سطور
تعتبر الشرقاط من المدن المحورية التي تقع على الحدود الجنوبية لمحافظة نينوى وتابعة إداريًا لمحافظة صلاح الدين وآخر معاقل تنظيم الدولة “داعش” فيها.
والشرقاط يقسمها نهر دجلة إلى قسمين: الساحل الأيمن وهو الذي يشكل مركز القضاء والساحل الأيسر والذي يمثل ريف المدينة، كما تقع المدينة ملاصقة لمدينة الحضر التاريخية المشهورة، وتعداد سكانها يتجاوز 90 ألف نسمة حسب إحصائيات عام 2013 ويسكنها عشائر عربية، ومن أبرز عشائر المدينة – عشائرها من أكبر عشائر العراق – الجبور، والجميلة، واللهيب، والعبيد، والدليم وعشائر أخرى، تمتاز المدينة بتربة خصبة للزراعة، كما أن فيها العديد من الشعراء والأدباء المشهورين.
على غرار عدد من المدن العراقية تعرضت لحصار خانق قبل عمليات العسكرية أدى لمجاعة حقيقة، إضافة لنزوح أغلب سكانها وسط تجاهل لأي استعدادات مدنية لاستقبالهم من قبل الحكومة العراقية مما فاقم المعاناة، بينما نزحت العوائل المؤيدة للتنظيم شمالًا باتجاه مدينة الموصل.
بعد التوصل للاتفاق مع الجانب الأمريكي تم إعلان ساعة الصفر للزحف على المدينة وانقسم المشاركون بالعملية للقطاعات الجوية، التي مثلها المقاتلات الأمريكية ضمن التحالف الدولي، والقوات الجوية العراقية التابعة لوزارة الدفاع.
بينما شاركت القطاعات البرية العراقية عبر مدفعية الجيش العراقي، وقوات النخبة “الفرقة الذهبية” العراقية إضافة للحشد العشائري لصلاح الدين من المكون “السني”.
ووفق شهود عيان من داخل الموصل والشرقاط فإن قوات داعش في الشرقاط انسحبت مع عوائلها باتجاه الموصل، وبقي فقط ما يطلق عليه “حوائط الصد” والأبنية المفخخة، والخنادق الملغمة، التي قد تشكل عائقًا حقيقيًا في تقدم القوات العراقية البرية لما تحتاجه من جهد هندسي، وعمليات كر وفر مع الجيوب التي وضعتها داعش داخل المدينة، وكل هذا لن يشكل نقطة تمنع الدخول للمدنية ولكن قد يعيق التقدم ويكسب بعض الوقت.
ماذا بقي لداعش في العراق؟
ما بقي للعراق لتخطي مرحلة وجود داعش العسكري المتواجد على الأرض العراقية هي عدد من المناطق يمكن حصرها في (جزر الأنبار ،القائم، عنه، راوة، والحويجة، والشرقاط، والموصل) ويقتسم الجيش العراقي والبيشمركة الكردية القتال على تلك المناطق ويتوقع أن يتم القضاء على التواجد العسكري كليًا في العراق نهاية هذا العام أو في مطلع العام القادم.
يخوض الجيش العراقي الآن معارك على جبهتين هما الشرقاط وجزر الأنبار(نقصد بجزر الأنبار جز الرمادي وهيت والبغدادي وهي مناطق غرب محافظة الأنبار) إضافة (القائم، عنه، راوة) بمساعدة طيران التحالف الدولي، وتعتبر هذا المناطق ليست بالجوهرية والعصية عسكريًا وإنما مسألة وقت ويتم تحريرها بشكل نهائي خاصة أن هذه المناطق أغلبها ليست مدنًا كبيرة ولا بكثافة سكانية مخيفة.
بينما تستعد البيشمركة الكردية لعمليات تحرير الحويجة التابعة لمحافظة كركوك والتي تعتبر قاعدة للتنظيم في كركوك ويتوقع أن العمليات سيتم تأخيرها بعد الموصل ولكن هناك أصوات تحذر من الإقدام على تحرير الموصل قبل الخلاص من كل جيوب التنظيم في العراق.
خروج الموصل من حكم تنظيم الدولة “داعش” يعني الضربة القاضية لتواجده العسكري المكشوف على الأرض في العراق
وتبقى الموصل هي المعركة الحقيقة الوحيدة التي تحمل الكثير من الأمور أبرزها حجم التداخل الموجود في القوات المتمركزة حولها التي ذكرتها في مقال “رقعة شطرنج الموصل: البيادق حول المدينة”، ووفق هذه الرواية فإن حقيقية التواجد العسكري لتنظيم الدولة “داعش” في العراق مقتصر على الموصل وبقية الجيوب وهي معارك صغيرة لا يمكن اعتبارها مدن حقيقية وبخروج الموصل من حكم تنظيم الدولة يعني الضربة القاضية للتواجد العسكري المكشوف على الأرض في العراق.
رسائل من نيويورك
حمل تعليق الرئيس الأمريكي خلال اللقاء الذي جمعه بالوفد العراقي برئاسة حيدر العبادي اليوم الثلاثاء في نيويورك جملة رسائل مهمة، كان أبرزها الكلام عن داعش ومعركة الموصل بالتحديد، وفي خلال تعليق أوباما ذكر أن معركة الموصل ستكون صعبة وعلل ذلك لسببين رئيسيين أولهما حجم المدينة الكبير والثاني أن داعش قد تغلغلت في المدنية بشكل جيد خلال الفترة الماضية، ولكنه أعرب عن الاطمئنان أن التحرك سيكون سريعًا بمشاركة الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية وقوات التحالف.
هذه الرسالة واضحة عن وجود اتفاق جاهز بين بغداد وأربيل بعد تعثر دام خلال الأشهر الماضية، فيما لم يتم التطرق للجانب التركي الذي توقع البعض أن يكون له دور في عمليات تحرير الموصل.
فيما قال أوباما إن العمليات العسكرية ستأخذ بعين الاعتبار حماية وأمن المدنيين في الموصل، إضافة إلى أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، وكذلك المساهمة بشكل فعال في عملية إعمال مدينة الموصل بعد التحرير.
فيما صرح مسؤول عسكري أمريكي أن الاستعدادات ستكون كاملة لإطلاق معركة استعادة الموصل في منتصف شهر أكتوبر القادم.
وفق هذه المعطيات فإن الرئيس الأمريكي يبدو أنه يبحث عن حسم قبل مغادرته البيت الأبيض الأمر الذي سيجعل معركة الموصل هي معركة سريعة كون أوباما لم يبق له الكثير ليغادر مقعده في البيت الأبيض الأمر الذي يجب أن يحسن استغلاله الساسة العراقيون للحصول على الدعم الكافي في العمليات العسكرية وعمليات الإعمار للمناطق والمدن المحررة والتي تعتبر هي التحدي الحقيقي لما بعد التحرير.
فيما لم يتطرق الجميع لمن سيحكم المدينة بعد التحرير خاصة مع مشاركة قوات بمرجعيات مختلفة (الجيش العراقي والبيشمركة الكردية) فهل سنشهد برلين جديدة ما بعد الحرب وتنقسم الموصل إلى شطرين؟