أثار لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بمرشحي الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، على هامش مشاركته في الدورة الـ 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة المقامة حاليًا بنيويورك، عاصفة من الجدل وعلامات الاستفهام، خاصة بعد التصريحات التي خرجت عقب اللقاءين.
ثناء ترامب على السيسي والعكس، واللعب بورقة الإخوان المسلمين لكسب التأييد المصري، ومناهضة كلينتون في علاقاتها الخارجية، وردود الفعل حيال القضايا التي تمت مناقشتها، أسئلة عديدة فرضت نفسها عقب نهاية اللقاء، في محاولة للوقوف على ملامح خارطة العلاقات المصرية – الأمريكية خلال السنوات القادمة، ومدى تأثرها باسم من يقيم في البيت الأبيض، إضافة إلى أوجه الشبه بين المرشح الأمريكي والرئيس المصري والتي تعكس بصورة كبيرة قراءة شبه دقيقة لمستقبل الرجلين وبلادهما.
لقاء ترامب كلينتون
جاء لقاء ترامب والسيسي بمقر إقامة الأخير تاريخيًا، حسب وصف وليد فارس مستشار المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، والذي أكد أن المرشح الأمريكي الملقب بـ “العنصري” حرص على لقاء السيسي بدافع إعجابه به، نظرًا لتمكنه من مواجهة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط التي تعج بالفوضى وتعاني كثيرًا من الإرهاب، إضافة إلى قدرته على تأمين حدود مصر في سيناء ومن اتجاه الغرب في مواجهة الإرهابيين، وكذلك إعجابه بموقف الرئيس الأمريكي من الإرهاب الإسلامي.
مستشار المرشح الأمريكي نقل أيضًا عن ترامب تعهده – حال فوزه – بتمرير مشروع القرار الحالي المعروض على الكونجرس باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية محظورة، لكن الأمر يتوقف في النهاية على الأغلبية التي تمكنه من تحقيق ذلك في غرفتي البرلمان.
ومن الواضح أن هناك حالة مغازلة واضحة للسيسي عبر ورقة الإخوان يسعى من خلالها ترامب إلى كسب تعاطف الشعب المصري والقيادة المصرية خصوصًا، والعربية بصورة عامة، لا سيما بعد الحملة الشعبية التي تعرض لها جراء تصريحاته العنصرية الأخيرة ضد المسلمين.
وفي المقابل كان لقاء السيسي والمرشحة هيلاري كلينتون مفعمًا بالجدل والبرود حسبما وصف مقربون، حيث أشار الرئيس المصري إلى أن بلاده في طريق بناء “مجتمع مدني جديد، ودولة جديدة معاصرة، تتمسك بسيادة القانون، الذي يحترم حقوق الإنسان والحريات”، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
اللقاء المرتقب بين الطرفين استمر قرابة 75 دقيقة تطرق خلالها إلى عدة موضوعات كان أهمها، جهود مكافحة الإرهاب، والتنمية الاقتصادية، وقضايا حقوق الإنسان بصورة عامة دون الدخول في تفاصيل تجميد أرصدة بعض الحقوقيين في مصر، كما طالبت المرشحة الأمريكية بإطلاق سراح المواطنة الأمريكية المصرية آية حجازي المسجونة في مصر منذ عام 2014.
ومن الشواهد التي تبرز حجم توتر اللقاء تلك المشادة التي وقعت بين الصحفيين المصاحبين لمرشحة الرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون، وحرس الرئيس السيسي، حسبما أشارت مجلة “بوليتيكو” الأمريكية.
المجلة أشارت إلى أنه وقبل دخول الصحفيين الفندق الذي عقد فيه اللقاء، طلب منهم ترك حقائبهم وهواتفهم المحمولة وحواسيبهم مع موظف بحملة كلينتون خارج منطقة أمنية، وتابعت: “لقد دخل الصحفيون في جدال مع الأمن المصري للسماح لهم بمجرد حمل مسجلات صوت”.
وعلاوة على ذلك، حدث جدال متكرر بين أعضاء في حملة كلينتون وضباط أمن مصريين حول عدد الصحفيين المسموح لهم دخول الاجتماع، رغم حدوث اتفاق حول ذلك مع مسؤول البروتوكولات قبل وصولهم أصلاً إلى الفندق.
هل ابتلع ترامب طُعم كلينتون؟
بالرغم مما أثاره البعض من أن لقاء ترامب – السيسي ضربة قاصمة للمرشحة المنافسة هيلاري كلينتون، لا سيما في ظل الثناء المتبادل والإعجاب التفاعلي بينهما، إلا أن الواقع عكس ذلك تمامًا، وهو ما أكدت عليه مجلة “بوليتيكو“.
المجلة في تقريرها أشارت إلى أن تصريحات كلينتون بلقاء السيسي ورئيس أوكرانيا منذ فترة دفع ترامب إلى مناهضة جهودها للظهور على المسرح الدولي، من خلال عقد لقاء مماثل أيضًا مع الرئيس المصري، وهو ما وصفته المجلة بأنه أي ترامب “ابتلع طُعم كلينتون”.
المجلة الأمريكية وصفت السيسي بأنه ظهر كجنرال صاحب دهاء سياسي في ظل الاضطرابات التي أعقبت ثورة 2011، وتقلد السلطة بعد احتجاجات حاشدة عام 2013 التي عزلت حكومة الرئيس محمد مرسي الذي انتخب بعد الإطاحة بمبارك في فبراير 2011، وأردفت بوليتيكو: “منذ أن تولى الحكم، أشرف السيسي على عمليات قمع عنيفة في مصر، ليست فقط ضد الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم لكنها استهدفت كذلك الليبراليين العلمانيين الذين كانوا يأملون رؤية تحقق ديمقراطية حقيقية”.
ومضت تقول: “تحت قيادة السيسي، قتل المئات من أنصار مرسي في أغسطس 2012، وهو ما أثار مناقشات مكثفة داخل الولايات المتحدة حول كيفية الاستجابة إلى المذبحة”.
المجلة تقول إن هذا السجل من جرائم القتل والتنكيل والتعذيب لنظام السيسي خلال الأعوام التالية للإطاحة بمرسي وهو ما أكدته تقارير جمعيات حقوق الإنسان في الداخل والخارج، حين يلتقي مع سجل من التصريحات العنصرية للمرشح ترامب، فإن هناك العشرات من علامات الاستفهام حول مستقبل العلاقة بين الدولتين حال فوز الأخير.
التشابه بين السيسي وترامب
العديد من الخبراء والمحللين سعوا إلى البحث عن أوجه الشبه والاختلاف بين المرشحين للرئاسة الأمريكية وبعض الزعماء والقادة في الدول ذات الدور المحوري الهام، أو التي يتقلد أمورها أسماء صاحب توليها الجدل والنقاش، في محاولة لكشف النقاب عن بعض ملامح خارطة العلاقات بين أمريكا وهذه الدول استنادًا على أوجه الشبه بين قادتها وزعمائها.
لكن من الواضح أن أكثر الأسماء تشابهًا وتطابقًا في كثير من الأحيان مع المرشح العنصري الأمريكي ترامب، هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو ما يحل لغز العلاقة الحميمية بين الشخصيتين والتي تبلورت بصورة واضحة خلال اللقاء الأخير بينهما.
- أولًا: النظرة حيال الإسلاميين
أول أوجه التشابه بين الجانبين، نظرتهما للإسلاميين بمختلف توجهاتهم، لا سيما الإخوان المسلمين، فالإسلاميون في نظر ترامب هم الإرهابيون المتطرفون، وذلك حسبما صرح في كثير من المواقف، إضافة إلى مطالبته بقتلهم جميعًا، ومنعهم من دخول أمريكا، وهو ما قوبل حينها بموجة غضب عارمة من المصريين بصفة خاصة.
ففي خطاب ألقاه ترامب بنيويورك في أواخر يونيو الماضي لتحديد سياسته الخارجية، وصف المرشح الجمهوري الإخوان المسلمين بالجماعة “المتطرفة”، متهمًا هيلاري كلينتون بدعمها للصعود على السلطة على حساب الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وطالب بطرد العناصر الإخوانية من الولايات المتحدة وتمرير قانون يعتبر الجماعة منظمة إرهابية.
وفي المقابل نجد السيسي من أكثر المناهضين للتيارات الإسلامية بصورة عامة في مصر والشرق الأوسط، حيث اعتمد من البداية على العزف على وتر إرهاب التيارات الإسلامية خاصة جماعة الإخوان التي خطط للإطاحة بها من الحكم منذ توليه وزارة الدفاع على يد الرئيس المعزول محمد مرسي.
السيسي يعتبر الإخوان والتيارات الإسلامية هم “رمانة الميزان” في حكمه، والمقوم الأول الذي يكسبه تعاطف وتأييد الشعب لا سيما بعد فشله في تلبية الحد الأدنى من تطلعات المواطنين في ظل ارتفاع جنوني للأسعار وديون داخلية وخارجية كارثية، والاعتماد على الاقتراض من الجميع دون وجود رؤية أو خطة تعطي بصيصًا من الأمل في مستقبل أفضل حالاً من الواقع المعاش الآن.
شماعة السيسي التي وظفها بصورة رائعة لتعليق أخطائه وفشله، يقابلها شماعة ترامب العازفة على وتر إرهاب الأمريكيين والخوف من المد الإرهابي الإسلامي كانت كفيلة أن تخرج لقائهما بهذه الصورة التي وصفها مستشار ترامب بـ “التاريخي”
- ثانيًا: جنون العظمة والقوة
من أوجه الشبه أيضًا التي تجمع بين ترامب والسيسي، أن كلاهما مصاب بمرض “جنون العظمة” معتبرًا نفسه خليفة الله في أرضه، يسعى فيها وفق ما يراه هو مناسبًا، دون النظر إلى عواقب ما يسعى إليه، وبالرغم من اختلاف خلفية كلا الأسمين، فالسيسي ذو الخلفية العسكرية وترامب ذو الخلفية الرأسمالية، إلا أن هذا المرض قد تمكن منهما بصورة كبيرة.
وفي مقال له بصحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية، تحدث كبير المعلقين للشؤون الخارجية الكاتب جدعون راشمان، عن الصفات المشتركة للحكام الأقوياء الذين يتزعم حاليًا بعضهم دولاً كبرى، فيما يسير المرشح الأمريكي دونالد ترامب على ذات الطريق للوصول إلى سدة الحكم.
راشمان أشار إلى أنه قبل وصول الزعماء الأقوياء لسدة الحكم، تجدهم يستخدمون قوة شخصياتهم واللعب على وتر بناء الأحلام الكبيرة للناخبين، والحديث عن إعادة إحياء البلاد ورفعها للقمة، حتى يصل الأمر بهم إلى إعلانهم الاستعداد للعنف من أجل حماية الدولة، فهناك بوتين، السيسي، شي جين بينغ رئيس الصين، وغيرهم، جميعهم تصيّد الجانب الضعيف من شخصيات الشعوب، فلعبوا على مشاعر الخوف، والأمن، فبوتين رأى بلاده محاطة بالأعداء، والسيسي انطلق من إنقاذ مصر من مخاطر الإرهاب، على حد قوله.
الزعماء الأقوياء من وجهة نظر الكاتب غالبًا ما يتجاوز تأثيرهم حدود بلادهم، فينقلون على مهل أو عجل تيار العنف الذي يتسببون به في بلدهم، ليغرقوا السياسة الدولية بأكملها، حسبما يرى الكاتب.
هل يأمل السيسي في فوز ترامب؟
بالرغم من الإعلان عن الوقوف على مسافة واحدة من المرشحين للرئاسة الأمريكية، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، إلا أن المؤشرات ترجح دعم مصر ممثلة في قيادتها السياسة لفوز ترامب لما ترتب عليه من تطابق في بعض الرؤى والتوجهات خاصة المتعلقة بملفات الشرق الأوسط.
“هل يأمل السيسي في فوز ترامب” تحت هذا العنوان استهلت صحيفة “المونيتور” الأمريكية تقريرها حول الخيار الأفضل للرئيس المصري بين مرشحي الرئاسة دونالد ترامب وهيلاري كلينتون.
الصحيفة أشارت أن تصريحات ترامب تجاه الإخوان المسلمين وتطابق الرؤى حيال الملف السوري واليمني، يعكس أرضية مشتركة بين الجانبين، إضافة إلى الموقف من السلام الدافئ الإسرائيلي والذي يزيد رقعة هذه الأرضية بصورة كبيرة.
التقرير المنشور استعرض بعض المواقف ووجهات النظر بالنسبة لترامب تظهر وجود أفكار مشتركة بينه وبين الرئيس المصري، ففي يونيو الماضي وصف المرشح الجمهوري الإخوان المسلمين بالجماعة “المتطرفة” متهمًا هيلاري كلينتون بدعمها للصعود على السلطة على حساب الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، واستطرد: “لقد ساعدت كلينتون في إقصاء نظام صديق في مصر وإحلاله بجماعة الإخوان المتطرفة، إلا أن الجيش المصري استعاد السيطرة على الأمور، لكن كلينتون فتحت “صندوق باندورا” الذي يحتوي على شرور الإسلام السياسي”.
وفي خطاب له في 27 أبريل الماضي، اتهم ترامب الرئيس الأمريكي باراك أوباما بدعم الإخوان المسلمين، قائلاً: “لقد دعم عزل نظام صديق في مصر كان يمتلك سلامًا طويل الأمد مع إسرائيل، كما ساعد في جلب الإخوان المسلمين إلى السلطة”.
ونقلت المونيتور عن وزير الخارجية السابق نبيل فهمي قوله: “السرد الذي ينتهجه المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب في مواجهة الإسلام والمسلمين غير مقبول، ومسيء للغاية وعلى الجانب الآخر، نجد أن هيلاري كلينتون تختار كلماتها بعناية، كما أنها سياسية مخضرمة بكافة المعاني الإيجابية والسلبية المرتبطة بهذا التوصيف”.
وأردف فهمي: “لسوء الحظ، فإن معظم الدول العربية، لا سيما الخليج تنظر إلى المرشح الجمهوري باعتباره فرصة أفضل من المعسكر الديمقراطي استنادًا على العلاقات الوطيدة السابقة فيما يتعلق بقطاعي الأعمال والنفط، لا أشارك هؤلاء هذا الرأي، وأفضل أن يعتمد اختياري على مواقف المرشح والظروف السائدة”.
وفي تصريح للسفير المصري السابق لدى واشنطن عبد الرؤوف الريدي، أكد خلاله أن كلينتون ستكون المرشحة الأفضل بالنسبة لمصر، رغم بعض المواقف غير المشجعة التي تتعلق بمصر والعالم العربي.
وبالرغم من هذا نجد أن التشابه بين موقفي ترامب والسيسي والذي جرى تغطيته عبر عدد من الصحف العربية والعالمية يمهد تفضيلاً مصريًا للمرشح المتهم بالعنصرية، خاصة بعد التوتر مع كلينتون لتدخلها في الشؤون الداخلية المصرية فيما يتعلق بملف المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان، ما يجعل فرص دعم مصر لترامب أكبر من وزيرة الخارجية السابقة.
بعيدًا عما سبق وتغريدًا خارج سرب التحليلات والتأويلات السياسية هنا وهناك، فإن هيلاري كلينتون ودونالد ترامب كلاهما وجهان لعملة واحدة، لا فرق بينهما في التوجهات والمعتقدات، فمصلحة أمريكا العليا هي العقيدة الثابتة لدي المرشحين، ودعم الكيان الصهيوني هو التعهد الذي لا يمكن التراجع عنه، ومحاربة الإسلاميين والحيلولة دون تقدم المسلمين هو الهدف الرئيسي لكل من يجلس على الكرسي.
معلوم أن المؤسسة الرئاسية الأمريكية لا تتأثر بأسماء من يقودونها، فهناك خطة واستراتيجية ملزمة لكل من يقطن البيت الأبيض، والرئيس عندهم ليس أكثر من موظف يؤدي واجبه استنادًا لهذه الخطة، ومؤشرات الفارق بين رئيس وآخر تتوقف على الإبداع في تنفيذ محاور الخطة المعدة وليس ابتكارها كما هو الحال في الدول العربية والتي يصبح فيها الرئيس هو الدستور والحكومة والبرلمان والقضاء والإعلام في آن واحد، فلا يرسم أحد أحلامه على فوز أي من المرشحين حتى لا يستيقظ على سراب يحسبه الظمآن ماءً.