هذا ليس عرضًا للأزياء المحافظة أو المحتشمة والمتسمة بالسواد كما الحال في كابول العاصمة الأفغانية، أو في عاصمة السعودية الرياض، بل هو عرض للأزياء المحتشمة ولكن زاهية الألوان، ومختلفة التصاميم، في قلب مدينة إسطنبول التركية.
بدأت صناعة الأزياء بالنسبة للمحجبات تزدهر فيما يمكن اعتباره ثورة الأزياء الإسلامية، وبالأخص في تركيا، وهي ما توفر للمحجبات ملابس محتشمة ولكن أنيقة وزاهية الألوان في نفس الوقت، على عكس الطراز الخليجي الذي يتسم بالسواد في أغلب الأحيان، وهو ما لا يتوافق مع ثقافات كل المسلمات المحجبات في البلاد المختلفة، لذا أصبحت تركيا رائدة في صناعة ملابس المحجبات، ليكون هذا الأسبوع، هو أسبوع الأزياء المحتشمة بالنسبة لصناعة الأزياء في تركيا.
لا يوجد أي مانع في كوّن المحجبة تنافس في مجالات الأزياء والتصاميم مثلها كمثل غير المحجبة، ولا يوجد سبب منطقي في حصر صناعة الأزياء على غير المحجبات، فمن حق المحجبة كذلك أن تتمتع بتصاميم خاصة بها، لا علاقة لها بالصورة النمطية للمحجبة من قِبل العالم الغربي، بل تكون على قدر من الجمال والأناقة، تستطيع أن تنافس بها الأزياء الغربية.
عانت المحجبات في تركيا من عقود من الاضطهاد في عصر الجمهورية التركية العلمانية في بدايتها، فكان الحجاب آنذاك رمزًا للتخلف والرجعية، لذا منعته الحكومة التركية في ذلك الوقت، فحرمت كل المحجبات من الدخول إلى أماكن العمل الحكومية بحجابهن، وأمرتهن بخلعه إذا ما أردن العمل في الوظائف الحكومية، كما منعته من التواجد التام في الجامعات، وكانت مهمة الحرس الجامعي هو خلع الحجاب عن كل فتاة تدخل الجامعة وهي مرتدية غطاء الرأس.
ثورة الأزياء الإسلامية في تركيا
مشاهد من عرض الأزياء
على الرغم من تاريخ العلمانية التركية الأسود مع الحجاب، تبدو إسطنبول الآن رمزًا مميزًا للحرية الدينية مقارنة بغيرها من مدن عالم الدول المتقدمة، فتجد فيها المحجبة وغير المحجبة يعملان جنبًا إلى جنب في الأماكن الحكومية، وذلك بعد إنهاء عصر اضطهاد المحجبات بمجيء حكومة رجب طيب أردوغان.
يصف مصممو الأزياء مدينة إسطنبول بأنها عاصمة الأزياء والموضة الإسلامية، حيث لا تمنح إسطنبول الفرصة لمصممي الأزياء بعرض تصاميمهم الإسلامية بأسبوع الموضة المحتشمة في إسطنبول فحسب، ولكنها توفر المجلات ومواقع الإنترنت، والعلامات التجارية والمحلات الموجود منها على أرض الواقع وكذلك على الإنترنت الخاصة بملابس المحجبات، أو الملابس المحتشمة بشكل عام.
ربما لم يصدق البعض بفكرة “السوق الإسلامي” بالفعل، إلا أنه ظهر الحجاب بالفعل بمظهر جديد في عصر الصحوة الإسلامية كما يحب أن يطلق عليه البعض، ليتحول من فعل ديني تتبعه المسلمات إلى سلعة ربحية وعنصر مهم جدًا في سوق الأزياء الإسلامي، بل والعالمي كذلك.
كما هو الحال في التجارة الإلكترونية لمختلف السلع على الإنترنت، استطاع الحجاب أن يحتل مكانة مهمة في التجارة الإلكترونية، فكان له علامات تجارية خاصة على إنستغرام وصفحات فيس بوك وتويتر، كما كان له نجوم خاصة به على يوتيوب وإنستغرام، بعرضهن لطريقتهن في اختار وتوفيق ملابسهن الملائمة للحجاب، أو غيرهن ممن يعرضن طرقًا فريدة في وضع مساحيق التجميل مع طرق مختلفة لربط الحجاب، لتنال قنواتهن ملايين الزيارات الإسبوعية، يزورها كل من المحجبات وغير المحجبات كذلك.
إحدى التركيات المحجبات المشهورات على يوتيوب
يقول كريم تور الرئيس التنفيذي لشركة “مودانيسا” التركية للأزياء الإسلامية والتي مقرها في إسطنبول، والتي تعتبر الآن أكثر الشركات شعبية وشهرة من بين شركات الأزياء الإسلامية، في تغطية صحيفة نيويورك تايمز لأسبوع الموضة الإسلامي في إسطنبول والذي عُقد في مايو الماضي، بأن الصورة النمطية للسوق الإسلامي كان سوق العباءات السوداء والنقاب، أو هكذا كانت الصورة النمطية لسوق الأزياء الإسلامية من قبل دخول الصناعة التركية بشراسة إلى الساحة لكي تلفت أنظار العالم الإسلامي منه وغير الإسلامي إلى موضة الأزياء الإسلامية كونها تجارة رابحة وكسرًا للصور النمطية عن المرأة المحجبة.
مشاهد من تصوير عرض الأزياء في إسطنبول
تابع كريم تور في التقرير بأنه لا يقوم بالاستثمار في الشركات التركية فحسب، فهناك العديد من الشركات التي تحذو حذو “مودانيسا” في ماليزيا وإندونيسيا وكذلك دبي، حيث قال بأن هدفهم جميعًا هو أن تشعر المرأة المحجبة بالرضا عن نفسها، وأن تشعر بأنها جميلة وجذابة حتى في وجود حجابها، كما لا يرى تور بأنه يجب أن يكون متدينًا لكي يستثمر في هذه الصناعة، إلا أنه يحتاج على الأقل حكومة متدينة لكي تستمر شركته في العمل، لذا فهو ممتن لحكومة رجب طيب أردوغان.
يعد عرض أزياء الملابس المحتشمة هو الأول من نوعه في إسطنبول
يحضره في هذه الأيام العديد من القائمين على صناعة الأزياء حول العالم، ليعرضوا فيه كذلك أعمالهم الفنية في تصاميم الأزياء، إلا أن الاحتشام يسيطر على أغلب الملابس المعروضة في ساحة العرض، الذي اتخذ مكانه في موقع أثري يعود إلى عهد الخلافة العثمانية.
كيف يمكن للمرأة أن تكون أنيقة، وفي نفس الوقت مخلصة لدينها؟
يجيب مصممو الأزياء الإسلامية على هذا السؤال، حيث لا يجد المصممون تعارضًا بين الملابس الإسلامية، والموضة الحالية، فكل ما يتطلبه الأمر في نظرهم، أن يقوم المصمم ببعض التعديلات، لتناسب المرأة المحجبة فيما يتعلق بطول الملبس وعرضه، فيرون بأن كل ما يتطلبه الأمر ألا يصمموا لباسًا يظهر الجلد أو يكون شديد الضيق على الجسد، وهذا كل ما يجب عليهم أن يتجنبوه أثناء التصميم.
قام بعض من حاضري العرض بالتظاهر خارجًا يصيحون “الله أكبر”، في إشارة إلى فخرهم بعروض كتلك، معلنين أن ذلك العرض يدل على انتصار من الانتصارات الصغيرة للإسلاميين في تركيا، فهم يخشون سيطرة الاستهلاكية والسلع التجارية العالمية على الثقافة الإسلامية بالضبط كما يخشى العلمانيون انتشار الزي الإسلامي في تركيا.
تقوم فرنسا الآن بفرض القوانين المجتمعية الصارمة، التي تنص على خلع المرأة ملابسها المحتشمة على الشواطئ الفرنسية، تأتي إسطنبول معلنة نفسها كرمز للحرية العقائدية ومثال لحرية المظهر بعرضها لواحد من أضخم عروض الأزياء الذي تم تصميمه خصيصًا للمحجبات، ليتحول الحجاب في هذا العرض من رمز للقمع والاضطهاد كما تصورّه فرنسا، إلى رمز للحرية في تركيا.