ترجمة حفصة جودة
ربما سمعتم عن تشاك مكارثي، وهو رجل من لوس أنجلوس يتقاضي نسبة لكل ميل من المشي والتحدث مع أحد العملاء، تلك الطريقة التي وصفت بأنها شكل جديد من أشكال التفاعل الاجتماعي، وقد بدأ عمله في التوسع وأصبح لديه 5 مساعدين، فالخدمة التي يقدمها أصبحت جزءًا من اتجاه جديد يمكننا أن نطلق عليه “صناعة الرفقة”، حيث يقوم مكارثي بتعبئة وتغليف التواصل الاجتماعي بشكل نستطيع شراءه.
فإذا كنت تمتلك المال، تستطيع الآن أن تستأجر صديقًا، أو تشتري عناقًا، أو تتناول العشاء مع الغرباء، لكن ردود أفعالنا على هذه الخدمات تختلف حسب حميمة الأمر، فالعناق يبدو أغرب بكثير عن تناول العشاء، لكن المفاضلة الأساسية هي أننا ندفع المال في جميع الحالات.
لكن، هل هناك خطأ ما في تلك الخدمة؟ دائمًا ما نشيد بمخططات مصاحبة وزيارة كبار السن، لكننا نحكم بقسوة عندما يقوم شخص في الثلاثين من عمره بالدفع لأجل نزهة، بالرغم من أننا جميعًا بحاجة للتواصل الاجتماعي، وإذا كنا نوفر الدعم للبرامج التي تكفل وجود صحبة لكبار السن، فلماذا لا نفعل الشيء ذاته مع الشباب؟
تشاك مكارثي برفقة أحد مراسلي الغارديان
وجهة النظر السائدة في هذا الأمر، هي أن الشباب يمتلكون الموارد اللازمة لخلق علاقات صداقة خاصة أو علاقات رومانسية، لكنه يبدو جليًا أن الكثير من الشباب يعانون من مشكلات في هذا الأمر، فقد أشار تقرير مؤسسة “الصحة النفسية” (Mental Health Foundation) عن الوحدة في المجتمع إلى أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 حتى 34، يعانون من الوحدة أكثر من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 55 عامًا، وترى المؤسسة أن الوحدة سوف تصبح شعورًا جمعيًا، حيث إن الأجيال الناشئة أصبحت تعاني من شعور تدريجي بالعزلة.
يتعلق الأمر أيضًا بالآثار التراكمية المرتبطة بالشعور بالوحدة، فإذا أردنا أن نمنع أمراض القلب والأوعية الدموية المرتبطة بالوحدة والتي تنتشر بين الأشخاص في عمر الـ 60، يجب علينا أن نبدأ في معالجة مشكلات التواصل الاجتماعي للأشخاص في عمر الـ 20.
لكن الواقع يقول إننا لا نركز على تطوير الدعم الاجتماعي للشباب، فإذا كنت كبيرًا على الاشتراك في برامج ما بعد المدرسة، وصغيرًا للحصول على زائر ودود، ولا تشعر بالإحباط الكافي للحصول على مساعدة، فحينها ينبغي أن تعتمد على نفسك تمامًا، وفي تلك الحالة، سوف يبدو دفع المال للحصول على رفقة عندما تكون وحيدًا خيارًا قابلًا للتطبيق.
بالنسبة إليّ، لا أحبذ الدفع لأجل التواصل الاجتماعي، لكنني أيضًا لا أؤيد أن يشعر الناس بالوحدة إلى الحد الذي يجعل دفع المال للحصول على التواصل أمرًا معقولًا، يواجه الشباب الآن العديد من الضغوط الاجتماعية الهائلة، فالقليل من أماكن العمل توفر لنا صحبة ثابتة من زملاء العمل، والقليل من الأحياء توفر منتزهات وأماكن عامة بسعر معقول، والقليل من الوظائف تمنحنا ساعات عمل ثابتة ومعقولة.
كما أن القطاع الخاص هو من يستجيب لتلك الضغوطات وليس الحكومة، حيث يقول عالم الاجتماع بجامعة بيركلي “آرلي رسل” إن حياتنا تصبح أكثر صعوبة وعزلة وأن السوق هو من يقدم الحلول لتلك المشاكل، فيمكنك الآن أن تدفع للغرباء للخروج مع كلابك في نزهة أو رعاية والديك المسنين، أو استضافة حفلات الميلاد، أو رعاية مقابر العائلة.
لذا، إذا كنا مستعدين لدفع المال في هذه الخدمات، فالأمر قد أصبح مجرد مسألة وقت حتى يصبح الدفع من أجل التواصل الاجتماعي في شكل نزهة أو تناول القهوة مع أحدهم أو تناول العشاء، أمرًا سائدًا.
ينبغي ألا يستجيب السوق لحاجاتنا إلى التواصل الاجتماعي، لكن من الصعب انتقاد السوق في ظل غياب أي حلول أخرى، في الحقيقة يستطيع الشباب الانضام للأحداث الاجتماعية واللقاءات لكن الانضمام لمجموعة يتطلب درجة عالية من الثقة الاجتماعية والقدرة على التحمل، وهذا ما يفتقده الكثير من الشباب.
كما أن أحد أسوأ آثار الشعور بالوحدة، هو الشعور بالقلق تجاه الأوضاع الاجتماعية غير المنظمة.
نمو سوق التواصل الاجتماعي هو دليل على وجود حاجات لم يتم تلبيتها، وقد نستطيع منافسة السوق من خلال اتخاذ بعض الإجراءات التي تعالج محفزات الشعور بالوحدة مثل انخفاض الدخل وصعوبة الحصول على مسكن مناسب، لكن ربما لن نفعل ذلك.
وفي خلال عشر سنوات أو أكثر، سوف يصبح دفع المال من أجل التواصل الاجتماعي أمرًا عاديًا مثل دفع المال للحصول على علاج، لكن رفقة السوق لن تجعلنا نشعر بالارتياح وسوف ننتقد ذلك، ومع ذلك سوف يستمر الأمر، فالحاجة إلى التواصل الاجتماعي أمرًا رئيسيًا، وإذا كان السوق هو من يقدم لنا فرصة المشي والتحدث مع أحدهم كأنه صديق فسوف نتجه نحوه بالطبع ولن نتوقف عن القيام بذلك.
المصدر: الغارديان