مما لا شك فيه أن انعكاس استقبال المهاجرين أو اللاجئين على البلد يختلف تبعًا للظروف الاقتصادية التي يعيشها البلد في حال كان اقتصادًا متقدمًا أو ناميًا يعاني من بطالة وأزمات اقتصادية أم أنه معافى ولديه مرونة في تلقي الصدمات، وتبعًا لمدى تطور الإجراءات الروتينية لاستضافة المهاجرين بالإضافة إلى جهوزية المؤسسات والخطوات التي ستتكفل بإدماج السكان الجدد في مجتمعهم الجديد فضلا عن الاستراتيجية الموضوعة من قبل الحكومة المتعلقة بمستقبل المهاجرين فيما إذا سيعطوا جنسية أم لا.
اللاجئون أمل لا تهديد
في تقرير صادر عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أمس الإثنين 19 سبتمبر/ أيلول جاء فيه أن اللاجئين ساهموا بشكل إيجابي في تنمية اقتصادات الدول التي هاجروا إليها، ودعت المجتمع الدولي لمزيد من التعاون من أجل أخذ التدابير اللازمة التي تساعد اللاجئين على التأقلم والاندماج.
ولفت التقرير أن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى الدول المتقدمة في العام الماضي 2015 ارتفع بنسبة 10% مقارنة بـ 2014 حيث وصل عددهم إلى نحو 4.8 ملايين شخص في مختلف دول العالم.
تعد ألمانيا أكثر الدول الأعضاء في المنطقة التي تلقت طلبات لجوء بعدما بلغ عدد الطلبات المقدمة إليها ما بين مايو/ أيار 2015 وأبريل/ نيسان 2016 قرابة 573 ألف لاجئ.
وحسبما جاء في التقرير فإن الاتفاق المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا ساهم بشكل كبير في تدني عدد اللاجئين والمهاجرين الوافدين إلى أوروبا، مشيرًا أن أكثر من مليون مهاجر ولاجئ دخلوا دول الاتحاد الأوروبي خلال العام 2015، فيما تراجع هذا الرقم إلى ما دون الـ 300 ألف في العام الجاري 2016.
مخيم الزعتري في الأردن
وقد أشار الأمين العام للمنظمة “أنخل غوريا” أن المهاجرين ساهموا خلال الأعوام العشرة الأخيرة في نمو سوق العمل داخل الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 47% وفي أوروبا بنسبة 70%، وأشار غوريا للإمكانات المتوفرة لدى المهاجرين وتوظيفها للتغلب على الأزمات قائلًا إن المهاجرين يشكلون أملا لا تهديدًا.
وقد أظهرت دراسة ألمانية قام بها المعهد الألماني لأبحاث سوق العمل والوظائف، أن استضافة ألمانيا لعدد كبير من اللاجئين أسفر عن إيجاد عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة من بينها مدرسي اللغة وأفراد الحراسة والأخصائيين الاجتماعيين وموظفي الشؤون المدنية وأطباء ووظائف في مجال البناء وتخصصات كثيرة أخرى، حيث زاد عدد معلمي اللغة بنسبة 27% مقارنة مع العام الماضي 2015 وزيادة في عدد أفراد الحراسة بنسبة 10%.
وفي ألمانيا أيضًا سجل معدل البطالة مطلع العام الحالي تراجعًا أكثر من المتوقع عند 6.2% مسجلاً أدنى مستوياته منذ توحيد شطري ألمانيا عام 1990 في ظل نمو اقتصادي مطرد بالرغم من تدفق اللاجئين إليها، ووصف مراقبون ألمان حالة سوق العمل في ألمانيا بالممتازة.
كما شهد معدل النمو في الاقتصاد الألماني نموًا بنسبة 1.7% عام 2015 والسبب يعود إلى زيادة الاستهلاك المحلي وبالتالي زيادة الطلب على المنتجات ما يحفز المصانع والمعامل على الإنتاج.
صدمة اللاجئين على الاقتصاد
مقارنة بسيطة بين ألمانيا البلد المتطور ذي الاقتصاد المتقدم مع بلد آخر مثل لبنان أو الأردن اللتان استضافتا لاجئين بأعداد كبيرة، ولكن الذي حصل أن اللاجئين في هذين البلدين حلوا ضيوفًا ثقيلي الظل على الحكومة، أجبرتهم على طلب أموال كثيرة للقيام بمسؤولية استضافتهم.
الفارق الجوهري بين الحالتين هو تلقي الصدمة وتهيئة مؤسسات البلد للتعامل معها ومن جهة أخرى السياسة التي تريد البلد انتهاجها تجاه السكان الجدد في حال تنوي إطعامهم وإياواءهم أو تريد إدماجهم في المجتمع ليكونوا عناصر فعالين يسهموا في الإنتاج والبناء.
تدريب اللاجئين في ألمانيا للانخراط في سوق العمل
ألمانيا بلد متطور باقتصاد منتج لكل شيء تقريبًا تملك مؤسسات تعليمية قادرة على وضع أي طالب يتخرج على سكة العمل والبدء في الإنتاج ليفيد نفسه والمجتمع، وهي بحكم ما تعانيه من أزمة في تناقص عدد السكان، تستقبل سنويًا آلاف المهاجرين، وهذا ما جعل استراتيجيتها اتجاه اللاجئين والمهاجرين أكثر من تجهيز المأوى والطعام للقادمين.
لذا فمؤسساتها مهيأة لاستقبال المهاجرين وإخضاعهم منذ لحظة وصولهم البلد لدورات تدريبية وإدماج في المجتمع الجديد، ليصبحوا سكانًا فاعلين منتجين لا عالة على الحكومة يعتمدون فقط على الإعانات الاجتماعية.
لهذا فإن ألمانيا نجحت في امتصاص الصدمة وتعاملت بمرونة كاملة على الرغم من كثافة الأعداد التي استقبلتها، فما تطلب من الحكومة المزيد من العمال والموظفين الألمان للتعامل مع إجراءات أعداد اللاجئين الكبيرة والبدء بعملية حضانة اللاجئين لإدماجهم في المجتمع وسوق العمل.
في حين أن لبنان أو الأردن من البلدان غير المنتجة التي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير وتعاني بالأساس من ارتفاع في معدلات البطالة والفقر، لا تستقبل مهاجرين سنويًا ولم تعتد على التعامل مع أعداد كبيرة من المهاجرين أو اللاجئين لتوفير كل متطلبات الحياة لهم، لذا فمؤسساتها غير مهيأة إطلاقًا للتعامل مع مئات الآلاف من السكان الجدد الذين يحتاجون لأكثر من المأوى والطعام، كما أن استراتيجية الحكومة في التعامل مع اللاجئين لا تتعدى تأمين المسكن والطعام لهم. لهذا كانت صدمة اللاجئين على البنان ولأردن واقتصاديهما كبيرة ولا زالت، واستدعت طلب مليارات الدولارات للقيام بمتطلبات ومستلزمات استضافة اللاجئين.