برغم أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على الفلسطينيين دون رأفة أو رحمة، ويستمر بنهجه الإجرامي في قتل وحرق الفلسطينيين وتدنيسه للمقدسات الإسلامية والمسيحية ووضع مخططات التهويد، إلا أن السلطة الفلسطينية لم تعط اهتمامًا لذلك كله، فمدت يدها من جديد لتصافح المحتل التي تلطخت يداه بدماء الأبرياء.
فبحثت السلطة عن طرق أخرى غير “السياسة الفاشلة” لتقريب وجهات النظر مع الجانب الإسرائيلي والتودد له، فوجدت ضالتها بفتح “باب اقتصادي” جديد عله يُنعش آمالها بسلام دافئ وإعادة العملية التفاوضية من جديد التي لم تحدث أي تقدم طوال الـ22 عامًا الماضية.
وفي الـ 13 من شهر سبتمبر الجاري، وقعت فلسطين وإسرائيل، اتفاقًا من شأنه التوصل لحل نهائي بشأن ديون السلطة الفلسطينية لشركة الكهرباء الإسرائيلية، وجرى التوقيع على الاتفاق في مقر وزارة المالية الإسرائيلية بحضور رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الوزير حسين الشيخ، ووزير مالية إسرائيل موشيه كحلون ومنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية يوآڤ مردخاي.
تفاصيل الاتفاق الغامض
وبحسب الاتفاق فقد وافقت السلطة الفلسطينية على دفع 500 مليون شيقل لشركة كهرباء إسرائيل مباشرة، في حين أنها التزمت بدفع مليار شيقل أخرى على أقساط موزعة على فترات زمنية طويلة، في حين أنه سيتم خصم 500 مليون شيقل من تلك الديون، في حين أنها ستتحمل أي دين جديد في المستقبل.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن السلطة الفلسطينية ستلتزم بحسب الاتفاق بوضع آليات لجمع فواتير الكهرباء غير المدفوعة من قبل المستهلكين الفلسطينيين في الضفة الغربية، بحيث ستتولى السلطة جباية الفواتير المدفوعة وتقوم بدفعها لشركة كهرباء إسرائيل.
يذكر أن شركة كهرباء إسرائيل تقوم بجباية فواتير الكهرباء من البلديات في الضفة الغربية وكثيرًا ما تتأخر تلك المدفوعات لمواجهة البلديات صعوبات في تحصيلها، وكان رئيس شركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية، هدد بفبراير 2014 بقطع التيار الكهربائي عن مناطق السلطة الفلسطينية، على ضوء تراكم الديون على السلطة.
وتزود الشركة القطرية الإسرائيلية شركة كهرباء القدس، وسبق أن شككت الأخيرة بما تعلنه الشركة الإسرائيلية من ديون مستحقة عليها، علمًا أن خدمات الشركة الإسرائيلية تغطي احتياجات 25% من مناطق الضفة وتشمل كل من مناطق شرقي القدس ورام الله وبيت لحم وأريحا.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية في ملحقها الاقتصادي في فبراير 2014 أشارت إلى أن ديون السلطة وصلت إلى (1.3) مليار شيقل، وكانت الحكومة الإسرائيلية كانت قد خصمت خلال شهر ديسمبر 2012 نسبة كبيرة من الديون المستحقة للشركة على السلطة عبر خصمها من عائدات الضرائب، إلا أن الديون عادت للارتفاع بشكل ملموس ما جعل الشركة تفكر في الإعلان عن هذه الديون كديون ليس بالإمكان تحصيلها.
الثمن السياسي الخطير
وفور توقيع الاتفاق بين السلطة وإسرائيل، خرجت تحذيرات كبيرة من قبل شخصيات فلسطينية، بشأن أن يكون “اتفاق أريحا” الاقتصادي هو بوابة جديدة لعودة العلاقات السياسية بين السلطة وإسرائيل، رغم كل الجرائم التي تقترفها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين وحقوقهم ومقدساتهم.
فأكدوا خلال تصريحات منفصلة، أن السلطة الفلسطينية لا تزال تلهث وراء السراب الإسرائيلي، على أمل العودة من جديد لمربع المفاوضات الثنائية الفاشل والذي لم يحقق أي نتيجة طوال الـ22 عامًا الماضية، إلا المزيد من الدمار والهلاك بأبناء شعبنا.
وشدد على أن السلطة الفلسطينية مطالبة ليس بمد يدها لمصافحة الاحتلال وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية معه، بل بالتوجه إلى المحاكم الجنائية ومجلس الأمن الدولي لتقديم قادة الاحتلال للمحاسبة والمحاكمة على جرائمهم التي ارتكبوها بحق شعبنا خاصة في الحروب الأخيرة على قطاع غزة.
وحذر المسؤولون الفلسطينيون، من أن يكون توقيع هذا الاتفاق الغريب والسريع له ثمنًا سياسيًا يمس الثوابت والحقوق الفلسطينية، مؤكدين رفضهم القاطع لأي تنازل جديد قد تقدمه السلطة الفلسطينية مجانًا للاحتلال مقابل التنازل عن بعض ديونها أو دعمها اقتصاديًا.
ويبلغ حجم دين السلطة الفلسطينية من الكهرباء لشركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية 1.8 مليار شيقل، وبالتالي، فإن مما يشمله الاتفاق شطب حوالي 40% من هذه الديون.
هنا قال حسين الشيخ، إن الاتفاق مع الجانب الإسرائيلي يأتي في إطار تعزيز توجه القيادة الفلسطينية في فرض سيطرتها على كافة مناحي القطاعات الحيوية لدولة فلسطين.
وأضاف الشيخ، وقعنا على مذكرة تفاهم تاريخية حول تنظيم قطاع الطاقة بين دولة فلسطين والحكومة الإسرائيلية والتي ننظر إليها بشكل أشمل من تسوية ديون الكهرباء من حيث نقل صلاحيات الكهرباء للحكومة الفلسطينية بما في ذلك التحكم الكامل بنقاط الربط والقطع (حوالي 230 نقطة)، والتعامل مع الجانب الفلسطيني كدولة مستوردة للطاقة وليس كأفراد كما كان معمول به في السابق، واتفاق تجاري جديد بين الجانبين يتم إنجازه خلال ستة أشهر من توقيع هذا الاتفاق.
التآمر على حقوق العمال
كما نفى الشيخ ما أشيع عن الاتفاق مع الاحتلال على خصم ديون الديون الكهرباء من مستحقات التأمين الصحي للعمال الفلسطينيين في إسرائيل، موضحًا أن الحكومة تعمل كل ما بوسعها من أجل حصول العمال الفلسطينيين على مستحقاتهم.
بدوره أكد شاهر سعد الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين أن النقابات لن ترضى أن يتم تسديد ديون الكهرباء من مستحقات العمال الفلسطينيين لدى إسرائيل.
وقال سعد، إنه ليس على علم بطبيعة الاتفاق الذي يروج له وتحدثت الأنباء أنه يتعلق بتوقيع اتفاقية، لكنه أشار إلى أنه إذا ثبت أن الحديث يدور عن تسديد ديون الكهرباء من أية مستحقات عمالية، فإن النقابات لن تسكت.
وأضاف “هذه الأموال ليست للسلطة الوطنية، ولا يحق لأي جهة حكومية أن تتصرف بها، وإذا ما صح أن الديون ستسدد من تلك المستحقات، فهذا يعني أن هناك مخالفة قانونية صريحة لن نسكت عليها”.
وأشار سعد إلى أن القانون ينص على تحويل هذه الأموال لصالح صندوق خاص والحديث يدور هنا عن صندوق الضمان الاجتماعي، ولكن أي تصرف بهذا الخصوص سينسف كل المحادثات بين النقابات والحكومة حول قانون الضمان الاجتماعي.
وكان مصدر مطلع كشف، أن إسرائيل عرضت على السلطة الوطنية تسديد دفعة من مستحقات تأمينات العمال الفلسطينيين في إسرائيل والبالغة نحو 1.1 مليار شيقل، لكن الأخيرة رفضت.
يذكر أن الديون المتراكمة على شركات الكهرباء والهيئات المحلية لصالح شركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية تبلغ نحو 1.8 مليار شيقل منها 1.4 مليار شيقل على شركة كهرباء القدس، والسلطة الفلسطينية عاجزة عن دفعها فبدأت بالبحث عن طرق لتسديديها حتى لو كانت على حساب الفلسطينيين أنفسهم.