يعيش قطاع الإعلام الجزائري أزمة مالية خانقة جعلتة يتنفس الصعداء على أمل الخروج منها، ولكن المشهد الحالي المتفاقم بسبب غياب الإرادة الحكومية بدعم القطاع، وسياسة توزيع الإعلانات المنحازة إلى الصحف الموالية للسلطة، ينذر بأن الأزمة الراهنة لن تمر مرور الكرام بل ستأخذ وقتًا كي تتعافى من علتها.
ولا تزال الحكومة الجزائرية، تعيش حالة المتفرج، أمام الأزمة التي تمرّ بها العشرات من الصحف المحلية، فرغم توجه المؤسسات الناشرة إلى تسريح المئات من الصحافيين والعاملين لديها، بسبب تراجع إيراداتها المالية، إلا أن وزارة الاتصال مازالت تلتزم الصمت تجاه هذا الوضع.
واكتفى وزير الاتصال حميد قرين، طيلة الأسابيع الماضية، بالتعليق على حسابه في تويتر، بأن طباعة الصحف الجزائرية تراجعت بنحو 40%، وأشار في تغريدة أخرى إلى أن عشرين صحيفة من ضمن 150 فقط، تفوق طباعتها 10 آلاف نسخة.
ويتوقع ناشطون في المجال الإعلامي بالجزائر، أن تشهد الفترة المقبلة، توقف العشرات من الصحف المحلية، وتسريح المئات من الصحافيين والعاملين بالقطاع، بسبب تقلص مداخيلها من الإعلان، خاصة بعد تراجع العروض لدى الوكالة الوطنية للنشر والإشهار، المحتكرة للإعلان الحكومي، الذي يموّل غالبية الصحف الورقية الصادرة في الجزائر.
صمت واستياء
وفي ظل غياب نقابات تمثيلية وهيئات مهنية للصحافيين في الجزائر، تسود الوسط الإعلامي المحلي حالة من الغليان والاستياء، بسبب صمت الحكومة عن الاعتراف بالأزمة الخانقة التي تضرب القطاع، وغياب أيّ مبادرة لديها لإيجاد حلول، بإمكانها التخفيف من حدة الأزمة، وإنقاذ المئات من الأسر من ضياع مصدر رزقها، وهو ما يعزز فرضية تقضي بتعمد الحكومة توجيه الوضع نحو المزيد من التدهور والتعقيد، للتخلص من التشبع الذي يضرب القطاع، والاكتفاء بعدد محدود من الصحف والمطبوعات التي بإمكانها الاستمرار.
وصرح الناطق باسم “مبادرة كرامة الصحافي” رياض بوخدشة، لصحيفة “العرب” اللندنية، بأن هيئته رغم عدم اعتمادها لحدّ الآن، إلا أنها دعت منذ أشهر، الأسرة الإعلامية والجهات الوصية في السلطة، إلى فتح جلسات نقاش وتشاور من أجل تجاوز هذه المرحلة، وقامت بإعداد وثيقة من التصورات والأفكار، لأنها ترى أن الصحافيين والمهنيين وكذلك الرسالة الإعلامية هم الضحايا الأوائل للأزمة الخانقة.
وأضاف بوخدشة “سبق أن توقفت عدة صحف عن الصدور، وتم تسريح صحافييها وعمالها، وتدخلنا بصفة ودية لدى بعض الزملاء من أجل استقطابهم مجددًا، إلا أن الوضع يسير نحو المزيد من التأزيم، وهناك نذر بانهيار جماعي للمؤسسات الإعلامية، لكن الكل يقف في موضع المتفرج”.
وتتداول داخل كواليس القطاع في الجزائر، أن الحكومات المتعاقبة ترغب منذ سنوات، في التخلص من العشرات من الصحف، وأمام صعوبة اتخاذ قرارات إدارية والإمعان في التضييق عليها من أجل التوقف، جاءت ظروف الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد من منتصف العام 2014، لتشكل فرصة سانحة لتنفذ رغبتها القديمة بالنيابة عنه.
وفي ظل غياب الشفافية والمساءلة في موازنات واستثمارات القطاع، فإن أزمة خانقة تمر بها المؤسسات التابعة لوزارة الاتصال، وفي هذا الشأن توجه العشرات من الصحافيين والفنيين من التلفزيون الحكومي، إلى طلب التقاعد المسبق قبل دخول قانون التقاعد الجديد حيز التنفيذ مطلع العام المقبل، وذلك بإيعاز من إدارة المؤسسة التي تسعى إلى خفض تعداد الهيئة العاملة لديها وتقليص كتلة الأجور.
احتكار واحتضار
كما أن مؤسسة النشر والإشهار، التي تحتكر الإعلان الحكومي وتملك الأفضلية في البعض من الأنشطة المتصلة بالنشر، دخلت خلال الأشهر الأخيرة في أزمة مالية خانقة، اضطرتها للتأخر في دفع مستحقات الصحف من نشر الإعلانات لديها، بسبب عجزها عن تحصيل مستحقاتها لدى الهيئات والمؤسسات الحكومية.
وأضافت المصادر أن المؤسسة التي تحتكر نشر وتوزيع ما يقارب مبلغ 200 مليون دولار من الإعلان الحكومي، ورثت تسييرًا بيروقراطيًا وخضوعًا مطلقًا لتوجهات السلطة من أجل التحكم في توجهات القطاع، وهو ما وصلت إليه، فبعدما ارتفع عدد المطبوعات منذ مطلع الألفية إلى حوالي 200 مطبوعة بين صحيفة يومية وأسبوعية ومجلات، أخضعت جميع خطوطها الافتتاحية وسياساتها التحريرية لخط السلطة، إلا أن عجزها عن تحصيل مستحقاتها وارتفاع عمالتها وكتلة أجورها، سيضعها هي الأخرى على صفيح ساخن.
وصرح ناشر لصحيفة يومية صادرة باللغة الفرنسية، رفض الكشف عن هويته، لصحيفة “العرب”: “إننا نعيش وضعية احتضار، والعشرات من المؤسسات والصحف تعد أنفاسها الأخيرة، والعمل الآن جار في كيفية الاختفاء من الساحة بأخف الأضرار، لأن تسريح الصحافيين والعمال هو أكبر المعوقات التي تواجه مسيري المؤسسات الإعلامية”.
وأضاف “للأسف قطاع الإعلام في الجزائر هو أول دافع لفاتورة الأزمة المالية، وغياب هيئات مهنية للناشرين والصحافيين، شجع الحكومة على تنفيذ مخططاتها، ورغم المخاطر التي تهدد بنسف العشرات من العناوين الصحافية وتسريح المئات من الصحافيين والعمال، إلا أن الجميع يقف موقف المتفرج، وهو أمر يثير الشبهات والاستفهامات حول هذا الصمت، ويعزز توجه الحكومة لتوظيف ظروف الأزمة من أجل التخلص من العشرات من الصحف، والاكتفاء بالعناوين المدعومة من طرف النافذين في السلطة ورجال الأعمال”.
وأكد تراجع عروض المؤسسة المحتكرة للإعلان الحكومي من حوالي 200 صفحة يوميًا إلى حوالي الربع، الشبهات الكثيرة التي تحوم حول كيفية توزيع تلك الكمية على الصحف الناشطة، إذ تستفيد العناوين التي تحظى بحماية ودعم شخصيات حكومية وبرلمانية ورجال أعمال من كميات ثابتة ومستقرة، وتتداول بعض الأحاديث ما يعرف بـ “مجموعة العشرين”، بينما تحرم غالبية العناوين من الإعلان بحجة قلة العروض.
ويرى مختصون في الشأن الإعلامي بالجزائر، أن القطاع يشكل قنبلة شديدة المفعول وينطوي على ممارسات فساد واسعة، ولذلك يتم التكتم عليها سواء من طرف السلطة أو من طرف الفاعلين والمستفيدين، لارتباطها بدوائر نفوذ سياسية واقتصادية.
قضية رأي عام
تحولت أزمة الصحف الجزائرية، المهددة بالإغلاق، إلى قضية رأي عام، فقد وقعت أزمة صحيفة “الخبر” اليومية المستقلة في بداية السنة الحالية، وقامت باعتراض نقل أسهمها لمشتر جديد، مما يفرض وقف تصريح إصدار الصحيفة، وتصاعدت حدة الأزمة مع تنظيم عشرات الصحفيين، وقفة احتجاج تضامنية، مع زملائهم في صحف: “صوت الغرب” و”لافاوا دولوراني” و”الأجواء” و”الخبر” المهددة بالغلق.
وانطلقت مبادرة التضامن مع الصحفيين، في مايو الماضي، بنداء وجهه صحفيون للخروج إلى الشارع للتعبير عن مخاوفهم من التضييق على الحريات، وللتنديد بالأوضاع المهنية الهشة التي يعيشها الكثير منهم في عدد من الجرائد الصادرة في مدينة وهران الجزائرية.
وبدوره كشف وزير الاتصال الجزائري حميد قرين أحد أسباب الأزمة القائمة فأوضح بأن ثلاث جرائد في الجزائر أسسّوا لوبي لزرع اليأس والتشاؤم والكراهية بين الجزائريين، بسبب كتابات بعض الصحفيين، التي ترى كل شيء سوادًا في البلاد.
ورفض قرين الإفصاح عن هوية هذه الجرائد لأنّه لا داعي لذكرها فهم يعرفون أنفسهم جيّدًا، أما عن دعوى وزارته ضد صحيفة الخبر، فقال إن القضية على مستوى العدالة بحكم أن صفقة التنازل عن أسهم فيها غير قانونية.
وجانب آخر من جوانب الحصار كشف عنه مدير صحيفة “الخبر” بأن وزير الاتصال دعا المعلنين الخواص منذ سنتين لعدم منح إشهار الإعلان لصحيفة “الخبر”، والحصار يتعدى الخبر إلى الصحف الأخرى، بحسب رؤساء تحرير الصحف المستقلة والحزبية، لدينا تأكيدات المعلنين الخواص الذين لا يمكننا الكشف عن هويتهم، لأنهم يخافون تبعات ذلك، وجاءت التعليمات لهم صريحة، إذا لم تسايروا ما نريده، فإنه بالإمكان أن نرسل إليكم الضرائب، وهذا أمر خطير، حيث يتم توظيف واستغلال هؤلاء لقتل الصحف.
ويرى الكاتب الصحفي الجزائري، عبد الحميد الرياحي، رئيس تحرير صحيفة “الخبر“، أن القضية تطرح الأسئلة الكبرى حول خيارات الجزائر السياسية والاقتصادية، منذ أحداث أكتوبر 1988 وإقرار التعددية الحزبية وحرية التعبير وتأسيس الصحافة الخاصة والمستقلة، فهل نحن بصدد إتمام عملية التراجع عن هذه الخيارات؟ وتأتي هذه الأسئلة الكبرى على بعد سنتين من انتخابات رئاسية، يرى الكثيرون أنها ستكون مصيرية في تاريخ الجزائر على كل المستويات.
وأضاف الرياحي: أولاً على المستوى الدولي بسبب ما تعرفه الساحة الدولية من تحولات كبرى ومحاولة احتواء الجزائر كورقة مهمة في الصراعات الدولية، بعد سقوط أوراق دولية كثيرة، كانت ترتكز عليها القوى الكبرى في العالم، وثانيًا على المستوى الداخلي، خاصة مع الأزمة البترولية الخانقة التي وضعت النظام في موقف حرج، وكشفت عيوبه، وأكدت أن شراء السلم الاجتماعي لن يكون متاحًا مستقبلاً، ومصيرية أيضًا للنظام القائم الذي إما سيعيد رسم خريطة جديدة للحكم في الجزائر بأبعادها الخارجية وعمقها الداخلي سياسيًا واقتصاديًا وحتى فكريًا وثقافيًا، أو أنها ستحاول تكريس ما هو قائم رغم كل الاختلالات والفشل الذي أصابه، ويعيقه أكثر مرض الرئيس الذي أصبح أكثر وضوحًا، وعملية إخفائه ستكون شبه مستحيلة خاصة مع التصريحات الأخيرة للوزير الأول الفرنسي.
وتابع الرياحي، هناك دور يتطلب تكريس الوضع القائم، ووضع كل شيء في الحسبان من الآن عن طريق إزاحة كل معوقات، والترتيب لما هو آت، ومنها ضمان صوت الإعلام أو تمييعه أو شرائه، فالقاعدة تقول من امتلك المعلومة امتلك السلطة، وقد استطاع النظام القائم والسلطة ومن يدور في فلكها أن يسيطروا على الأمر عن طريق خلق توافق وتوازن لتجنيب الجزائر الصدامات الداخلية، لكن الأمر لن يكون متاحًا مستقبلاً، وربما يومية “الخبر” تدفع ثمن خيار النظام الحفاظ مستقبلاً على الوضع القائم بفرض سلطة الأمر الواقع.
وجدير بالذكر أن النظام الجزائري له موقف ضد الصحف التي تحسب على المعارضة، أو يصنفها النظام في إطار الصحافة المعارضة، رغم أنه في أبجديات الإعلام لا توجد معارضة في الصحافة، إلا الصحافة الحزبية، والتي لا نجد لها إلا نموذجًا واحدًا.
ويرى النظام أن كل من ينتقده أو ينقل الحقيقة عنه فهو بالضرورة معارض، وبالتالي سيتم التضحية به مهما كانت أهميته داخل المجتمع، ومهما كان الدور الذي يلعبه قطاع الصحافة ومهنة الصحافة، وبالتالي فإن خيار حرية التعبير والصحافة المستقلة سيتم التراجع عنه، كما تم التراجع عن خيارات أخرى أساسية، ومهمة بالنسبة للجزائر في المرحلة الراهنة، بحسب تعبير الرياحي الكاتب والمفكر الجزائري.
الإعلام يلفظ أنفاسه الأخيرة
ولم تقتصر الأزمة على الصحافة فقط بل عصفت بالإعلام أيضًا، فقد صدم الإعلام الجزائري في آخر شهر مايو الماضي بقرار رئيس الوزراء عبد المالك سلال، القاضي بإغلاق أكثر من 50 قناةً فضائيةً خاصة، لا تملك تصريحًا للعمل بالداخل الجزائري.
فقد أعلن رئيس الوزراء الجزائري، قرب إغلاق عشرات القنوات الجزائرية الخاصة، مشددًا على أن “الدولة عازمة على تطهير القطاع وإنفاذ القوانين”.
وطلب سلال من وزير الاتصال، المباشرة في تنظيم أوضاع القطاع السمعي والبصري في أقرب الآجال، مشيرًا إلى أنه وُضعت آلية للمتعاملين الراغبين في تقديم تلك الخدمات على أساس دفتر شروط “يحدد بوضوح الحقوق والواجبات”.
وعلى هذا الأساس، تعهد رئيس الوزراء، في حديث له خلال نشاط رسمي، بأن “كل القنوات التي ستلتزم ببنود هذا الدفتر ستعتمد كقنوات جزائرية تستفيد من الدعم والتشجيع الذي ينص عليه القانون، أما تلك التي ستخالفه فستمنع من النشاط في الجزائر”.
وكشف سلال أن “من بين ستين قناة تنشط في الجزائر، لا يتعدى عدد تلك المعتمدة بصفة نظامية الخمسة فقط، فيما تنشط البقية في إطار غير رسمي”، لافتًا إلى أن إرادة الحكومة في تطوير هذا القطاع لا تزال “صادقة وكاملة، وذلك في محيط نظيف في ظل احترام القانون وأخلاقيات المهنة”.
وفي هذا السياق، قال سلال “علينا الاعتراف بأن بعض القنوات تمارس الإشهار الكاذب وانتهاك الحياة الخاصة والمساس بالشرف والتضليل، وما هو أخطر من ضرب توازن المجتمع باستعمال الكراهية والجهوية والفتنة”.
في هذا الإطار، أوضح رئيس تحرير قناة “الخبر” سابقًا، عثمان لحياني، في تصريح لصحيفة “الأخبار“، أن هذا القرار يأتي في توقيت حرج بالنسبة إلى الصحافة في الجزائر، “فقد أغلقت 40 صحيفة بسبب التضييق عليها في الإشهار، ثم يعلن اليوم إغلاق 50 قناة أخرى”.
ورأى لحياني أن المسببب الأول في حالة الفوضى التي سادت قطاع الصحافة هو السلطة، لأنها كانت تتعاطى مع المشهد الإعلامي من وجهة نظر سياسية، ولم تكن تعمل بالقوانين.
مشيرًا إلى أن “الوصول إلى حالة الفوضى هذه، ثم محاولة السيطرة مجددًا على الوضع، ستخلق أزمات جديدة لأنها ستدفع جيشًا من الصحافيين والعاملين في القطاع إلى البطالة”، ورأى أن السلطة ليست لديها نية لتنظيم القطاع، لكن لتطهيره من أي قوة إعلامية معارضة لا تتبنى الخط السياسي للسلطة.
ولأن الإعلام في الجزائر له وضع خاص ويختلف عن الأوضاع في الدول العربية والأجنبية ومرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصحافة، فإن معظم القنوات التلفزيونية الخاصة التي بدأت تشتغل في السنتين الماضيتين، فيما يشبه الانفجار الإعلامي، هي ملاحق لصحف وليست قنوات مستقلة بذاتها.
ويمكن إعطاء أمثلة كثيرة عن هذا الوضع المتميز، على غرار قناة “كي بي سي” التي تصدر عن شركة الخبر، وقناة “النهار تي في” التي تصدر عن صحيفة النهار، وقناتي “الشروق نيوز” و”الشروق تي في” التي تصدر عن صحيفة الشروق اليومية، وقناة “الأجواء” التي تصدر عن صحيفة الأجواء، وهكذا تصبح هذه القنوات رهينة بشكل أو بآخر بتراجع الإشهار في الصحف، حيث إن معظم هذه القنوات تعتمد على الصحافة الورقية في تمويلها.
ورغم أن هناك قنوات تلفزيونية غير مرتبطة بالصحف، إلا أن تراجع الإشهار في مجمله انعكس بشكل مباشر عليها، إلى درجة أن شرعت قنوات كانت تبدو كبيرة في تقليص برامجها، وتسريح بعض عمالها، بسبب تراجع الإشهار فيها.
وفي هذا الصدد يفسر الإعلامي كمال زايت مراسل قناة “فرانس 24” من الجزائر، في تصريح لـ “رؤية”، هذا الوضع بأن سوق الإشهار في الجزائر لا يتجاوز الـ 200 مليون دولار سنويًا، وهذا رقم بسيط مقارنة بدول أخرى، إلا أن رفض السلطات ضبط سوق الإشهار وسن قوانين واضحة، هو الذي أدى إلى هذا الوضع الخطير اليوم بعد تراجع الإعلانات نتيجة التقشف الحكومي.
ويؤكد كمال زايت أن تأسيس هذا العدد الكبير من القنوات والصحف يأتي في الغالب بهدف الحصول على قطعة من كعكة الإشهار التابع للدولة، الذي يمثل حصة الأسد على اعتبار أن الإشهار التابع للقطاع الخاص ليس كبيرًا، بسبب عدم وجود اقتصاد حقيقي، فالإشهارات الموجودة هي لشركات الهاتف المحمول، ولوكلاء بيع السيارات، وهذه الأخيرة كما يلاحظ كثيرون تراجع نشاطها بشكل واضح، وسوق السيارات الجديدة انهار تقريبًا وأطلقت عليها السلطات رصاصة الرحمة بفرض ضريبة جديدة على السيارات الجديدة في إطار سياسية التقشف، وبالتالي فإن السلطات ستسعى إلى ترشيد النفقات تدريجيًا، وبالتالي اتخاذ إجراءات قاسية شيئا فشيء، ومن الطبيعي أنها ستلجأ إلى غلق حنفية الإشهار العمومي.
ومن ثمة تضطر الكثير من الصحف والقنوات إلى الغلق، خاصة وأنه لا يمكن في الظروف الحالية لصحيفة أن تعيش بالمبيعات، إلا اثنتين أو ثلاث ولا يمكن لأي قناة أن تلجأ مثلا إلى التشفير وبيع الاشتراكات.
ويؤكد متابعون لوضع الإعلام الجزائري، أن عددًا قليلاً جدًا من القنوات الجزائرية، ستكون بمنأى عن هذا الوضع السيء، وهي القنوات التي وراءها رجال أعمال كبار، على غرار قناة “دزاير نيوز” لرجل الأعمال المعروف علي حداد، أو قناة “نوميديا” التي يمتلكها رجل الأعمال طحكوت وغيرها.
خلاصة القول، لن يعود وضع الإعلام الجزائري، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية إلى سابق عهده، بل إن عددًا غير محدود من الصحف والقنوات سيختفي من خارطة الإعلام، والأيام القادمة ستوضح إلى أين ستؤول الأمور.