منذ يومها الأول وتقوم السلطة المصرية الحالية، بإقرار عشرات الإجراءات الاقتصادية، للعديد من الأسباب والحجج، منها الاقتراض من الخارج من مؤسسات دولية أو دول خليجية، أو طرح عطاءات وأذون خزانة واكتتاب عام للشركات، وكذلك بعض القرارات التمويلية كشهادات الاستثمار.
في هذا التقرير وما يليه، نحاول تتبع هذه الإجراءات في الشهور الاثنى عشر الماضية، بهدف فهم التوجه الاقتصادي للحكومة، وتأثيرات ذلك على موازنة الدولة والناتج المحلي وكذلك الاحتياطي من النقد الأجنبي، ونخصص هذا التقرير للحديث بشأن الإجراءات التي تتعلق بطرح سندات وأذون الخزانة.
ما هي أذون الخزانة؟
إذن الخزانة هو أداة من أدوات الدين قصيرة الأجل تصدرها الحكومة لغرض الاقتراض وتصدر بفترات استحقاق تتراوح بين ثلاثة أشهر وستة أشهر واثني عشر شهرًا وهي لا تحمل سعر فائدة محدد وإنما تباع بسعر خصم يقل عن قيمتها الإسمية على أن يسترد مشتريها قيمتها الإسمية في تاريخ الاستحقاق.
ويتم بيع إذن الخزانة عن طريق المزاد، حيث يقوم البنك المركزي بعرضه على المستثمرين الذين هم في العادة من المؤسسات المالية الكبيرة كالبنوك التجارية وشركات التأمين وشركات الاستثمار ويتم بيعها لمن يقدم أعلى سعر ثم الأقل حتى يتم تغطية كامل قيمة العطاء الحالية، وتلجأ الحكومة إلى أذون الخزانة لتوفير السيولة النقدية في الآجال القصيرة.
أرقام ضخمة
إن المتابع للشأن الاقتصادي في مصر، وما يُنشر من تقارير حكومية وآراءٍ لمحللين، سيجد أن واحدًا من القرارات المتكررة دائمًا لوزارة المالية هي طرح أذون الخزانة، وبالبحث يتبين أنه خلال الاثنى عشر شهرًا الماضية فقط، طرحت الوزاة وأحيانًا بالنيابة عنها البنك المركزي، بشكل شبه دوري، أذون خزانة بمليارات الجنيهات، بحجة سد عجز الموازنة العامة للدولة وأحيانًا للوفاء بالتزاماتها المالية “المصروفات الجارية” مثل سداد أجور ورواتب العاملين بالدولة والتزامات الدعم وغيرها من المصروفات الجارية، وهو ما يخلف ديونًا متزايدة على الاقتصاد القومى.
في سبتمبر من العام الماضي، تخطى الدين العام 2.5 تريليون جنيه أي ما نسبته 90% من الناتج المحلى الإجمالى
ففي سبتمبر من العام الماضي، أعلنت وزارة المالية طرح أوراق مالية حكومية “أذون خزانة وسندات” بقيمة 98.750 مليار جنيه، للوفاء باحتياجات المصروفات العامة للدولة، حسب الجدول الزمني لإصدارات الأوراق المالية الحكومية المنشور بموقع الوزارة.
أيضًا، بلغ حجم اقتراض وزارة المالية محليًا من البنوك في شكل أذون وسندات خزانة، في شهر أكتوبر من نفس العام، 86 مليار جنيه، طبقًا للجدول الزمني للطرح الذي أعلنته الوزراة حينها على الموقع الإلكترونى.
وخلال الربع الثاني من العام المالي “أكتوبر – ديسمبر” 2015/2016، أعلنت وزارة المالية اقتراض 281.5 مليار جنيه من البنوك المحلية وهو ما يعادل أكثر من قيمة عجز الموازنة خلال العام المالي بالكامل الذي قدر بقيمة 251 مليار جنيه بنسبة 8.9% من الناتج المحلي الإجمالي، لتبلغ قيمة الدين العام “محلي وخارجي” حوالي 2.55 تريليون جنيه بنسبة 90% من الناتج المحلي الإجمالي.
بدوره، أعلن البنك المركزي مطلع ديسمبر، أن إجمالي استثمارات البنوك في أدوات الدين الحكومي المتمثلة في أذون الخزانة قد بلغت 1.03 تريليون جنيه مقابل 904 مليارات جنيه ديسمبر 2014، معلنًا أنه سيصدر أذون خزانة بالعملة الصعبة بقيمة 1.1 مليار دولار، نيابة عن وزارة المالية.
الجدول الزمني لوزارة المالية، لأذون وسندات الخزانة، حمل بداية العام الجاري، وفي الأول من يناير، عزم الوزارة طرح أذون وسندات بقيمة إجمالية 87 مليار جنيه، خلال يناير، وأنه سيتم أيضًا، خلال نفس الشهر، طرح سندات أجل 3 سنوات (استحقاق ديسمبر 2018) بقيمة 6 مليارات جنيه، أجل 5 سنوات (استحقاق يناير 2021) بقيمة 6 مليارات جنيه، وأجل 7 سنوات (استحقاق ديسمبر 2022) بقيمة 3.5 مليار جنيه، وأجل 10 سنوات (استحقاق يونيو 2024) بقيمة 3.5 مليار جنيه.
وفي فبراير، طرحت وزارة المالية أذون وسندات خزانة بقيمة إجمالية 87 مليار جنيه، ذاكرةً في جدولها الزمني، أنه سيتم طرح أذون خزانة آجال 91 و182 و273 و364 يومًا بقيم 12 و16 و18 و18 مليار جنيه على التوالي.
بلغ حجم اقتراض وزارة المالية محليًا من البنوك فى شكل أذون وسندات خزانة، في شهر أكتوبر من نفس العام، 86 مليار جنيه
وفاجأ البنك المركزي الشعب المصري، في مارس بخفض قيمة الجنيه رسميًا بنسبة 14.3% ليصبح سعر بيع الدولار في البنوك 8.95 جنيهًا بدلاً من 7.83 جنيهًا، وأعلن البنك أنه عازم على اعتماد “سياسة أكثر مرونة” في تحديد سعر الصرف، محللون وقتها ذكروا أن هذا هو أكبر خفض في تاريخ سوق الصرف المصرية.
ونقلت وكالة رويترز للأنباء، في يونيو عن البنك المركزي المصري عزم وزارة المالية إصدار أذون خزانة دولارية لأجل عام 2016 قيمتها 700 مليون دولار للبنوك المحلية والمؤسسات المالية الأجنبية.
لتعود وزارة المالية، وتطرح أذونًا وسندات بقيمة إجمالية تبلغ نحو 121.25 مليار جنيه، بما يعادل نحو 13.63 مليار دولار خلال أغسطس الماضي، ثم عاودت لتطرح، أدوات دين بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 99.750 مليار جنيه خلال شهر سبتمبر الجاري.
نتائج وسلبيات
هذه الأرقام المزعجة تستوجب السؤال حول ما يمكن أن تنتجه هذه الأرقام الضخمة.
في سبتمبر من العام الماضي، تخطى الدين العام 2.5 تريليون جنيه أي ما نسبته 90% من الناتج المحلى الإجمالى، بحسب البيان المالي لموازنة عام 2015/2016، منها 2.4 تريليون جنيه دين داخلي بنسبة 83% من الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة تزايد الاقتراض الحكومي من البنوك المحلية، و182.8 مليار جنيه دين خارجي بنسبة 6.5% من الناتج المحلي.
وأثناء الجلسة العامة للبرلمان المصري، في يونيو الماضي، لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة أعلن وزير المالية عمرو الجارحي، أن الدين العام لمصر وصل إلى 100% من الناتج المحلي، وأن أعلى نسبة عجز شهدتها الموازنة العامة للدولة خلال فترة الأزمة الاقتصادية العالمية كانت 10%، وأن الدين المحلي وقتها كان يمثل 85% من الناتج المحلي، وأن فوائد الدين كانت تبلغ 20% فى العام المالي 2010/2011، فيما تبلغ الآن 30%.
وأكد الوزير في أغسطس الماضي مرةً أخرى في حوار تليفزيوني على ذات النسبة، التي اعتبرها خطرة ولا يمكن تركها، وهي في تصاعدٍ مُستمر.
ويحذر الاقتصاديون دائمًا من استمرار وزارة المالية في طرح سندات الخزانة، وهو الأمر الذي يشكل خطرًا يهدد الأجيال المقبلة، ويزيد من الدين المحلي الذي تجاوز الحدود، كما أنه سيؤدي إلى زيادة العجز في الموازنة العامة، ما يزيد الضغوط التضخمية بشكل كبير، كما أن اعتماد الموازنة العامة على الاقتراض الداخلي يمثل خطورة كبيرة، حسب الخبير الاقتصادي خالد الشافعي، الذي أكد أن هذه الإجراءات هي طرق تقليدية، تجعل الفكر العام للدولة مشلولًا عن حلول بعينها، من دون السعي للبحث عن حلول جديدة.