خلال السنوات القليلة الماضية، نجح نادي مانشستر سيتي الإنجليزي في التحول من نادٍ متوسط، محدود الإمكانيات والإنجازات، إلى واحد من كبار أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي يعد أفضل وأقوى دوريات أوروبا والعالم، مسطرًا واحدةً من أسرع قصص الصعود والنجاح في عالم كرة القدم.
وبدوره، حافظ المدرب الإسباني الشهير بيب غوارديولا، الفائز بجائزة أفضل مدرب في العالم لعام 2011، على مكانته ضمن أبرز مدربي عصره، بعدما تابع كتابة مسلسل نجاحاته المبهرة، التي بدأت مع برشلونة الإسباني قبل نحو 8 سنوات، واستمرت مع بايرن ميونيخ الألماني على مدى المواسم الأ 3 الماضية، قبل أن يقرر الانتقال لتدريب نادي مانشستر سيتي مطلع الموسم الحالي، لتلتقي قصة صعود النادي الإنجليزي الثري بقصة نجاح المدرب الإسباني العبقري، في ثنائية كروية مميزة.
فكيف سارت قصة صعود كل من مانشستر سيتي وغوارديولا قبل الالتقاء؟ وما أبرز المحطات التي ميزت تاريخ كل منهما؟ وهل تنجح تلك الشراكة الكروية الثنائية في حصد أخضر الملاعب ويابسها؟ تابعوا معنا:
في إحدى ليالي شتاء العام 1880 بمدينة مانشستر الإنجليزية الباردة، اجتمع أعضاء كنيسة (سانت ماركس) الواقعة في منطقة (ويست غورتون)، وقرروا تأسيس نادٍ لكرة القدم يمثل الكنيسة، تحت اسم (نادي سانت ماركس – ويست غورتون)، وكان لهم ما أرادوا، حيث تأسس النادي رسميًا في شهر نوفمبر من العام ذاته، وارتدى لاعبوه القمصان السوداء التي تحمل علامة الصليب، كدلالة على تبعيتهم للكنيسة، تلك التبعية لم تعمر كثيرًا حيث انفصمت عراها بعد 7 سنوات، حين تغير اسم النادي ليصبح (نادي أدوريك)، وتحت هذا المسمى لعب النادي أول مواسمه في دوري الدرجة الثانية الإنجليزي عام 1892، وبعد حوالي عامين تغير اسم النادي مجددًا، ليتخذ اسمه الحالي (نادي مانشستر سيتي) في 16 أبريل 1894، ويتابع نشاطه في دوري الدرجة الثانية، بعدما غير ألوان قمصانه لتحمل اللون السماوي، كدلالة على زرقة أنهار مدينة مانشستر الـ 3: إيرول وإيرك ومدلوك.
عام 1899 كان شاهدًا على أول ظهور لأصحاب القميص السماوي في دوري الدرجة الأولى بإنجلترا، فيما كان عام 1904 شاهدًا على أول ألقابهم الكبرى، حين استطاعوا إحراز كأس الاتحاد الإنجليزي (كأس إنجلترا)، بفوزهم في المباراة النهائية على نادي بولتون، ذلك الانتصار بقي يتيمًا نحو 3 عقود من الزمن، عانى فيها النادي عدة مصاعب، كان أبرزها الحريق الضخم الذي التهم سدة ملعبهم (هايدي رود) عام 1920، والذي أجبرهم على بناء ملعب جديد والانتقال إليه اعتبارًا من عام 1923، وقد حمل اسم (ماين رود).
عام 1934، عاد مان سيتي لإحراز كأس إنجلترا على حساب نادي بورنموث، فيما شهد عام 1937 إحراز النادي أول ألقابه في الدوري الإنجليزي، قبل أن يغيب عن البطولات فترةً طويلة، قضاها بين الدرجتين الأولى والثانية، وتخللها انتصارًا ثالثًا في كأس إنجلترا، تحقق عام 1956 على حساب بيرمنغهام، قبل أن يحين موعد الحقبة الذهبية في تاريخ النادي، والتي انطلقت أواخر الستينات تحت قيادة المدرب جو ميرسر، وأسفرت عن فوز النادي بـ 4 ألقاب خلال 3 أعوام، بدايةً بلقب الدوري الإنجليزي لعام 1968، ومرورًا بكأس إنجلترا عام 1969، وكأس الرابطة الإنجليزية المحترفة عام 1970، وانتهاءً بكأس الكؤوس الأوروبية عام 1970، والذي ما زال يعتبر النجاح الخارجي الوحيد في تاريخ النادي، وقد تحقق بفوزهم على فريق غورنيك زابرزي البولندي بنتيجة 2-1، في النهائي الذي أقيم في العاصمة النمساوية فيينا.
واستمرت تبعات الحقبة الذهبية في السبعينات، فأحرز السيتيزنز كأس الرابطة مرةً أخرى عام 1976، قبل أن ينهوا الدوري في مركز الوصيف عام 1977، وليدخلوا بعدها نفقًا طويلًا مظلمًا خاليًا من الإنجازات والألقاب، هبطوا خلاله إلى الدرجة الثانية عدة مرات، كما تخلله هبوط مزر إلى دوري القسم الثالث عام 1998، لم يطل مكوثهم فيه أكثر من موسم واحد، حيث عادوا للقسم الثاني ومنه إلى الدوري الممتاز عام 2000، وهبطوا مجددًا في الموسم التالي وعادوا للصعود سريعًا، ليستقروا في الدوري الممتاز منذ موسم 2002-2003.
وفي شهر أغسطس من عام 2008، انتقلت ملكية النادي إلى مجموعة أبو ظبي المتحدة للتنمية والاستثمار، المملوكة للأمير الإماراتي منصور بن زايد آل نهيان، ليشهد النادي انتعاشةً اقتصاديةً هائلة، حولته من نادٍ على حافة الإفلاس يقاوم كوابيس الهبوط، إلى نادٍ ثري لا يجد غضاضةً في إنفاق عشرات الملايين لاستقطاب نجوم الكرة العالمية، حيث أنفق الملاك الجدد نحو 200 مليون جنيه إسترليني خلال الموسمين الأولين لإجراء تعاقدات جديدة، كروبينيو وتيفيز وكومباني وباري وليسكوت وزاباليتا، ثم يايا توريه ودافيد سيلفا وسمير نصري وأغويرو، الذين استطاعوا تحت إشراف المدرب الإيطالي روبيرتو مانشيني، إنهاء فترة جفاف البطولات، بإحرازهم كأس إنجلترا عام 2011، قبل أن يحققوا لقب الدوري الإنجليزي الممتاز عام 2012 للمرة الأولى منذ 41 عامًا، بعد فوزهم الدرامي والإعجازي على كوينز بارك رينجرز في آخر دقائق الموسم، والذي توجهم باللقب بفارق الأهداف فقط أمام غريمهم التقليدي وابن مدينتهم مانشستر يونايتد.
بعدها انتقلت دفة تدريب الفريق إلى التشيلي مانوييل بيلغريني، الذي قادهم للفوز بلقب كأس الرابطة المحترفة لعام 2014، قبل أن يقودهم للتويج بلقب البريمير ليغ مجددًا عام 2014، بعدما تفوق على ليفربول في آخر مراحل الدوري بفارق نقطتين، وحل وصيفًا لتشيلسي في الدوري موسم 2014-2015، فيما أنهى دوري الموسم الماضي في المركز الرابع، مع نجاحه في تحقيق إنجازين، تمثلا بتحقيق لقب كأس الرابطة في فبراير 2016، وبلوغ نصف نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى في تاريخ النادي، حيث خسر أمام ريال مدريد الإسباني.
أما قصة بيب غوارديولا، المولود يوم 18 يناير 1971 في مدينة سانتاندر الإسبانية، فقد بدأت من نادي برشلونة، حين تدرج في صفوف ناشئيه وشبابه كلاعب بين عامي 1984 و1990، قبل أن يُصعد إلى الفريق الأول اعتبارًا من عام 1991، ليلعب تحت قيادة المدرب الهولندي الأسطوري يوهان كرويف كجزء من فريق الأحلام، الذي توج ببطولة الدوري الإسباني 4 مرات متتالية بين عامي 1990 و1994، إضافةً إلى تحقيقهم اللقب الأول للنادي الكتالوني في دوري أبطال أوروبا عام 1992، كما حصد غوارديولا بعدها بطولة الدوري عامي 1998 و1999، وكأس إسبانيا عامي 1997 و1998، إضافةً لكأس الكؤوس الأوروبية عام 1997، خلال سنواته الـ 10 التي قضاها لاعبًا في صفوف البارسا، والتي انتهت صيف عام 2001، حيث خاض اللاعب بعدها 4 تجارب احترافية قصيرة في كل من بريشيا وروما الإيطاليين، ثم الأهلي القطري، وأخيرًا دورادوس المكسيكي الذي أنهى معه مشواره كلاعب صيف عام 2006.
وفي مطلع يوليو من عام 2007، بدأ غوارديولا مشواره كمدرب في الدرجة الثالثة بإسبانيا، حيث استطاع قيادة فريق برشلونة الثاني للصعود إلى الدرجة الثانية، فكافأه رئيس النادي خوان لابورتا بتعيينه مدربًا للفريق الأول صيف عام 2008، خلفًا للهولندي فرانك ريكارد، ومع البارسا حقق غوارديولا الأعاجيب خلال موسمه الأول، حيث استطاع قيادتهم لتحقيق سداسية تاريخية غير مسبوقة عام 2009، بإحرازهم ألقاب الدوري والكأس والسوبر الإسبانية، إضافةً لألقاب دوري الأبطال والسوبر الأوروبي وكأس أندية العالم!
وتابع نجاحاته المذهلة خلال المواسم الـ 3 التالية، حيث حافظ على لقبي الدوري والسوبر الإسباني عامي 2010 و2011، وحقق ألقاب دوري الأبطال والسوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية عام 2011، وأخيرًا كأس إسبانيا عام 2012، الذي اختتم به مسيرته الأسطورية مع البارسا وفي رصيده 14 لقبًا مختلفًا!
وبعد استراحة مدتها عام كامل، تولى بيب تدريب عملاق بافاريا الألماني بايرن ميونيخ صيف عام 2013، في مهمة صعبة عنوانها الحفاظ على نجاحات سلفه يوب هاينكس، فكان المدرب العبقري عند حسن الظن، حيث افتتح عهده مع البايرن بتحقيق لقبي السوبر الأوروبي وكأس أندية العالم عام 2013، ثم توج بثنائية الدوري والكأس المحليتين عام 2014، وحافظ على لقب الدوري عام 2015، قبل أن يعود لإحراز الثنائية المحلية خلال الموسم الماضي، لينهي مشواره مع البايرن وفي رصيده 7 ألقاب مختلفة، تخللتها غصة واحدة تمثلت بفشله في استعادة لقب دوري أبطال أوروبا، بعد أن ودع البطولة من الدور نصف النهائي في 3 أعوام متتالية!
وفي مطلع يونيو من العام الجاري، تولى بيب غوارديولا رسميًا تدريب فريق مانشستر سيتي الإنجليزي، لتلتقي قصة نجاح المدرب العبقري بقصة صعود النادي الثري، ويفتتحان عهدهما الجديد بـ 8 انتصارات متتالية، منها 5 في البريمير ليغ وضعت الفريق منفردًا على قمة الترتيب، و3 في دوري أبطال أوروبا مكنتهم من تجاوز الدور التمهيدي بكل سهولة، وافتتاح مباريات مجموعتهم بانتصار عريض على مونشن غلادباخ الألماني، في بداية صارخة للثنائية الكروية الخطيرة، التي يتوقع النقاد أن تثمر نجاحًا منقطع النظير، ينقل نادي السيتيزنز إلى مستويات جديدة من التألق على الصعيدين الأوروبي والعالمي، ويمنح الفيلسوف غوارديولا فرصة كتابة فصل جديد في سجل إنجازاته المذهلة كمدرب.