كانت الدول الغربية دائمًا متسامحة مع مبارك، الذي حكم مصر 3 عقود، ولكنهم على العكس يتجنبون الرئيس الحالي لمصر، عبدالفتاح السيسي.
ودفعني هذا إلى التساؤل، هل نفورهم القوي من السيسي بسبب شعورهم بعد الرضا عن أنفسهم بسبب موقفهم السابق، أي لكونهم كانوا متسامحين جدًا مع مبارك؟، وإن الطريقة الرئيسية التي حصل بها مبارك على ثقة وصداقة زعماء الغرب كانت من خلال التلميح إلى احتمالية سقوط مصر في يد الحكم الإسلامي.
وكان مبارك الذي تولى مقاليد الحكم في مصر هو الشيء الوحيد الذي يقف بين الاستقرار الهش والفوضى الكاملة، كما كان حكيمًا بما يكفي لتقديم سيناريو إيجابي، وكان تقديمه لـ”مصر المستقرة” بديلًا مقبولًا ومقدرًا لدى الغرب “الذي كان يعي التحديات الاجتماعية الاقتصادية في مصر”.
واستفاد مبارك كثيرًا من ورقته الرابحة، ولكن الغرب مع ذلك تركه يسقط.
دخول السيسي.. حان وقت إعادة التقييم
من جانبه، يعتقد السيسي أنه بالإطاحة بالإخوان المسلمين واعتبارها جماعة إرهابية يستحق تقديرًا أكبر مما يتلقى من الغرب.
وعلى الرغم من أنه عمل على استقرار الوضع في بلاده، إلا أن الرئيس المصري ليس له وجود على رادار الغرب السياسي. ومهما تحدث الآخرون عن عيوبه وسلبياته، فإنه يجب عليهم أن يدرسوا الواقع ويقارنوا بين مصر، على الرغم من هشاشتها، وبين الدول الأخرى التي أصبحت أنقاضًا.
وعد مبارك الأكبر لم يكن موفقًا
بددت ثورة 25 يناير، وصعود الإخوان المسلمين للسلطة بشكل سلمي، وهم الاستقرار الداخلي لمبارك. فقد أثبت ملايين المصريين الذين ثاروا بتلك الطريقة المثيرة للإعجاب، أن مصر لديها قدرة حقيقية على أن تصبح دولةً ديمقراطيةً حديثةً.
ذلك التاريخ أصبح الآن دفينا، ولا تزال دول الغرب متحيرة، بسبب جبنهم وتركيزهم المفرط على العلاقات التجارية و”الاستقرار” السياسي، غابوا عن لحظة بزوغ الديمقراطية في مصر.
وتبقى المهمة الواضحة المطروحة هي: الحاجة إلى دمج الإسلاميين بشكل بناء في العملية الديمقراطية.
وفي النهاية، فإن الانتخابات الوحيدة النزيهة والحرة التي أجريت في التاريخ الحديث للبلاد، نجح فيها الإسلاميون الديموقراطيون في الحصول على أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان المصري، وفيما بعد، فازوا في الانتخابات الرئاسية حيث أصبح محمد مرسي، رئيسًا للبلاد.
ضمير الغرب السئ
لقد قبل الغرب بهذه التطورات في وقت متأخر، ما أحدث نقلة نوعية في موقف الساسة الغربيين. ولهذا السبب لا يزال الباب مغلقًا تماما بالنسبة للسيسي، الذي قام فيما بعد بالإطاحة بنتائج الديموقراطية بالقوة.
ويرى السيسي، الذي لا يأسف لما فعل ويتمسك بقوة بفلسفة “أنا ما أنا عليه”، أن الغرب يجب أن يكون “لطيفًا” معه أكثر ما كان عليه مع مبارك.
هل هناك حاجة لمزيد من البراجماتية؟
في رأي السيسي، لا يجب فقط أن يعترف الغرب بسياساته، ولكن يجب أن يدعمه أيضًا، ويعتقد الرئيس المصري أن هذا بسبب أنه في رأيه أعاد بلاده إلى نقطة البداية. ويعتقد أن الغرب يجب أن يتراجع، وأن يدعمه بقوة، بدلًا من التوجس حول الأحداث التي وقعت في مصر في السنوات الأخيرة.
وعلاوة على ذلك، يعتبر السيسي أن تعاون الغرب الوجيز والمتردد مع الرئيس المنتخب المنتمي لجماعة الإخوان قبل الإطاحة بمحمد مرسي هو دليل على التآمر ضد مصر. الدول الغربية ليست عادة صريحة في علاقتها مع مصر. لكن بعد مراقبة ما حدث في مصر في السنوات الأخيرة جعلت العديد من الدول الغربية تعتقد أن مصر يجب أن تسلك طريقًا سياسيًا أفضل، وأن تتجنب على وجه الخصوص انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة على نطاق واسع.
إن تلهف السيسي لإعادة بناء “العلاقة الخاصة” رئيس مصر مع الغرب يجب أن يعطي زعماء الغرب ميزة للتعاون معه بشكل بناء. كما تحاول وسائل الإعلام العالمية أيضًا إحداث تقدم في مصر من خلال الاعتراف بالتحديات التي تواجههم خلال تغطيتهم للأحداث داخل البلاد. لكن السيسي معتاد فقط على الشكل المحلي لوسائل الإعلام الواقعة “تحت السيطرة”، وهو مقتنع أيضًا أن وسائل الإعلام الغربية تسلط الضوء فقط على السياسات القمعية في مصر.
وهو يشعر أن الإعلام الغربي لا يظهر أي عرفان أو تفهم لجهوده التي تهدف إلى التخلص من الإخوان المسلمين. ويتهم السيسي العالم كله بالتآمر ضد بلاده. ونتيجة لهذا، فإنه يبدو “ضائعًا” بينما تستعد الدول الغربية وغير الغربية لتقديمه لمصر، وما يجب أن يلتزم به هو، والمصريون جميعًا.
الغرب لديه نفوذ كبير
ما يمنح الغرب القوة في تعاملاتها مع السيسي هو أن استعداد دول الخليج لممارسة دبلوماسية دفتر الشيكات وإنقاذ مصر ورئيسها ماليًا، أصبح محدودًا أكثر من أي وقت مضى، فالأموال التي دفعوها لمصر تقدر 29 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأشار السيسي، في عدة مناسبات، إلى أن مصر لن تتلقى مزيدًا من المساعدات المالية دون أن تقوم ببعض الالتزامات في المقابل. وبالرغم من ذلك فإن السيسي يقاوم اقتراحهم البناء بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية. حتى أن روسيا قامت بضغوط سياسية متزايدة على مصر بعد إسقاط الطائرة الروسية داخل الأراضي المصرية.
ونتيجة لكل هذا، لا يزال السيسي مغرورًا جدًا وواثقًا من نفسه، بينما يظل الغرب بعيدًا جدًا، ولا يرغب في تلطيخ يديه مع ديكتاتور مصري آخر.
لقد رأوا أن هناك طريقًا آخر، على عكس تحذيرات مبارك التي استمرت لعقود، وأتى السيسي ودمر كل هذا على أي حال – حيث أصبح العنف الذي كان يزعم أنه يمنعه أكثر سوءًا.
المصدر: جلوباليست – ترجمة: التقرير