تحرير نون بوست
في صباح يوم 13 أغسطس، تم اختطاف الصحفي العراقي الكردي وداد حسين علي، البالغ من العمر 28 عامًا، وكان يعمل في وكالة “روج نيوز”، حيث تم قطع رأسه في وقت لاحق من قبل قوات الأمن الكردية في مدينة دهوك بكردستان العراق، وعُثر على جثته بالشارع، بعدما تعرض للتعذيب حتى الموت، وذلك لنشره مقالات تنتقد السلطات الكردية، كما جاء اختطافه وقطع رأسه بعد ما يقرب من 12 شهرًا من الاستجوابات من قبل الشرطة الكردية.
وفي يوم 9 يونيو، تم الحكم على المدون الإيراني، محمد رزق فتحي، بـ 444 جلدة، بسبب المقالات التي تم نشرها على المدونة الخاصة به، والمختصة بالشؤون الاجتماعية والحقوق المدنية، وكان قد تم اتهامه بنشر الأكاذيب وتشويش الرأي العام.
وفي يوم 10 سبتمبر أيضا، تم الإفراج عن الصحفي الكردي عدنان حسن، بعد أن قضى 10 أعوام بالسجن في إيران، وكان قد حكم على حسن بالإعدام لدفاعه عن الحقوق الكردية، والجريدة الأسبوعية المحلية الأسوعية المغلقة حتى الآن، ويعد هو الصحفي الأطول بقاءً في السجون الإيرانية.
مثل هذه القصص شائعة في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي غالبًا ما يخشى فيها الصحفيون على حياتهم، وكثيرًا ما تعرض الصحفيون للتهديد والمضايقة والاعتقال والاتهام والدعاوى القضائية المرفوعة ضدهم والسجن، وحتى قطع الرأس بسبب نشر المعلومات والتعبير عن آرائهم.
لقد بذلت حكومات الشرق الأوسط – التي تعد من بين أكثر دول العالم في عدم الاستقرار والاستبداد – جهدًا كبيرًا لفرض الرقابة وتقييد حرية تداول المعلومات، وذلك من أجل تقديم صورة خاصة للحفاظ على السلطة، وكانت نتيجة ذلك هو أن حرية الصحافة بالكاد تكون موجودة بالمنطقة، وفي أغلب الأحيان يلتزم الصحفيون بالأنماط التقليدية للرقابة، كذلك الرقابة الذاتية بدافع الخوف.
ومع ذلك، خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت حالة الصحافة في الشرق الأوسط أسوأ من ذلك.
ومؤخرًا، أغلقت السلطات العمانية صحيفة “الزمن” واعتقلت ثلاثة من صحفييها، ومنذ نجاته من المحاولة الانقلابية في يوليو، أغلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من 130 وسيلة إعلامية، وتعرض المئات من الصحفيين للاعتقال، أما في البحرين تم احتجاز ناشط وتعريضه لعقوبة تصل إلى 15 عامًا من السجن، بسبب تغريدات تم نشرها في العام الماضي، كذلك منعت الأردن وسائل الإعلام من نشر أي شيء يتعلق بالعائلة المالكة، وهذا العام اعتقلت السلطات المصرية 24 صحفيًا، كما أنشأت إيران شبكة داخلية برعاية الدولة، وذلك من أجل وقف تدفق المعلومات داخل وخارج البلاد.
وتضم منطقة الشرق الأوسط نحو 6% من مساحة سطح الأرض، لكن في العام 2016 وحده، عدد 19 من 37 من الصحفيين الذين قتلوا في جميع أنحاء العالم، تم قتلهم في منطقة الشرق الأوسط، وذلك وفقًا لمؤسسة “مراسلون بلا حدود”، وهي منظمة غير حكومية مقرها في باريس، ومختصة بالدفاع عن حرية الصحافة بالعالم.
وتقول إلكسندرا الخازن، “لا يمكننا الحديث عن حرية الصحافة لأنه لا يوجد حرية صحافة بالمنطقة”، وأضافت، “القتل يعد شكلاً من أشكال الرقابة، لذا عندما يتم قتل صحفي، وهو ما يحدث فعليًا بشكل متكرر، فحق الحصول على المعلومات عن الجمهور الأوسع أيضًا في خطر”.
وفيما يتعلق بمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، فيوجد 145 صحفيًا مسجونين في جميع أنحاء العالم، 65 منهم سجنوا في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم ذلك، نشرت منظمة “بونتو 24″، وهي منظمة تركية غير ربحية تهدف إلى الحفاظ على الاستقلالية التحريرية وحرية الصحافية في تركيا، تقديرات تشير إلى أنه منذ الانقلاب الفاشل، تم اعتقال 200 صحفي على الأقل، بينما تم إطلاق سراح حوالي 2308 من الصحفيين.
وفي هذا العام، تم تصنيف كل دولة شرق أوسطية، بما في ذلك دولة الاحتلال، في النصف السفلي من مؤشر حرية الصحافة، الذي أعدته مؤسسة “مراسلون بلا حدود”، بجانب 6 دول في المرتبة الأدنى بمعدل 10%.
وقال عيسى العمراني، وهو مدير مشروع شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، التي مقرها بروكسل، “بشكل عام، إنها حالة يرثى لها إلى حد ما، ومن الصعب تواجد تنوع في الآراء واستقلالية تحريرية، ولا يوجد دولة في الشرق الأوسط تتمتع بحرية كاملة للصحافة”.
يذكر أنه تم تصنيف تونس في المرتبة رقم 96، ولبنان في المرتبة رقم 98، وتصنف دولة الاحتلال الإسرائيلي في المرتبة رقم 101، وتحظى تلك الدول بالقدر الأكبر من حرية الصحافة بالمنطقة، ومع ذلك، لا تزال هذه الدول تعاني من الرقابة، خصوصًا العسكرية والسياسية.
وعلى سبيل المثال، كان آخرها، هو منع مضر المومني، وهو صحفي أردني بارز يعيش بشكل جزئي في القدس، من دخول الأراضي المحتلة وذلك بسبب “مخاوف أمنية”، وبالرغم من ذلك، يعتبر الإعلام (لا سيما اليهودي) داخل دولة الاحتلال حرًا، ويتمتع بالقدرة على انتقاد الحكومة، كل ذلك بالرغم من سلطة الرقابة العسكرية المتناقضة بشكل مستمر.
وعادة ما تكون البلدان الأكثر تحفظًا، مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، وغيرها من الدول غير المستقرة سياسيًا مثل مصر وسوريا وإيران وتركيا، تفرض القيود الأكثر رقابة وتشددًا.
وتضيف الخازن، وهي تابع لـ “مراسلون بلا حدود”: إن الصحافة تخشى القادة الذين يحاولون البحث عن الاستقرار، كما أن قائمة الموضوعات المقيدة من قبل السلطات طويلة نوعًا ما، وتستمر في الزيادة.
ووفقا لـ “مراسلون بلا حدود”، فالبحرين مصنفة في المرتبة رقم 162، ومدانة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد الصحفيين، وفي يوم 31 يوليو، توفي الصحفي البحريني حسن جاسم الحايكي، والبالغ من العمر 35 عامًا، وذلك بعد تعرضه للتعذيب.
وكان الحايكي قيد الاحتجاز لمدة تقرب من الشهر قبل إعلان وفاته، ودعت العديد من المنظمات الحقوقية الحكومة البحرينية للتحقيق في ملابسات وفاته، ووفقًا لمؤسسة “فريدوم هاوس”، وهي منظمة أخرى غير حكومية تعمل على تعزيز الديمقراطية، فحرية الصحافة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصل إلى نسبة صفر%.
التغيير بمرور الوقت
لقد كان الشرق الأوسط باستمرار في أدنى ترتيب من حيث حرية الصحافة والإعلام، وفي العام 2008، كان هناك 8 دول في أدنى مرتبة بمعدل 10%، وكان هناك 15 دولة في النصف السفلي من مؤشر “مراسلون بلا حدود” لحرية الصحافة.
وخلال جميع انتفاضات الربيع العربي، الذي بدأ في العام 2010، تدهورت حرية الصحافية كثيرًا، بسبب موجة الاحتجاجات الواسعة التي اجتاحت الشرق الأوسط، والمدعومة بحالة عدم رضا من قبل المدنيين تجاه الحكومات والاقتصاد والفساد، وبدأت الاحتجاجات في تونس في ديسمبر من العام 2010، وانتشرت في معظم أنحاء الشرق الأوسط، بجانب الاحتجاجات الكبرى التي اندلعت في مصر.
ومنذ أن بدأ الربيع العربي، وهناك حركة واسعة لقمع الصحفيين والصحافية في المنطقة بجميع الدول العربية تقريبًا باستثناء تونس، التي يبدو أنها تتجه نحو السماح بنسبة أكبر من الحريات، وتراجعت الحريات في العديد من البلدان الأخرى، مثل تركيا وسوريا ومصر، الذين يتعرضون لحالة من الفوضى السياسية والاجتماعية، حيث يشدد القادة الرقابة على وسائل الإعلام، في محاولة منهم للاحتفاظ بالسلطة.
وتقول محاسن الإمام، وهي مدير المركز الإعلامي للمرأة العربية بالأردن، “إن حرية الصحافة في دول الربيع العربي، مثل مصر وليبيا وسوريا والعراق وتونس واليمن، أصبحت مقيدة أكثر من ذي قبل”.
وفي حين أن الربيع العربي كان يدعو من أجل الإصلاح الشامل والاستقرار والديمقراطية، فالنتيجة كانت لا شيء، لكن تقول الخازن، “إن النتيجة الحقيقية للربيع العربي كانت الاضطراب السياسي وعدم الاستقرار بشكل أكثر”، وأضافت “لقد شهدنا انخفاضًا عالميًا في مجال حرية الإعلام بالمنطقة، وذلك بسبب الأنظمة غير المستقرة والبيئات السياسية والأمنية غير المستقرة”.
وتعد عمان والضفة الغربية وقطاع غزة ومصر وسوريا والمملكة العربية السعودية، أمثلة على مناطق الشرق الأوسط سيئة السمعة، من حيث الرقابة المشددة على حرية التعبير، ووسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية، كذلك منصات وسائل الإعلام الاجتماعية.
سلطنة عمان
الصحفي نبهان الحنشي، وهو صحفي عماني يعيش حاليًا في المملكة المتحدة، اُعتقل مرتين في عمان خلال عامي 2011 و2012، وذلك بسبب المطالبة بإصلاحات سياسية في بلاده، وتصنف سلطنة عمان في المرتبة 125 وفقًا لـ”مراسلون بلا حدود”، حيث إنها بلد كثيرًا ما تسجن الصحفيين لانتقادهم للحاكم وعائلته والإسلام والنظام السياسي.
واعتقل الحنشي في 8 يونيو من العام 2012، وتم وضعه بالحبس الانفرادي لمدة 54 يومًا، وحكم عليه من قبل المحكمة بالخدمة لمدة 18 شهرًا في السجن، لكن بعد دفع الكفالة والغرامة المالية، تم إطلاق سراحه، وفر من البلاد في ديسمبر من العام 2012.
وقال الحنشي “إن الكتابة أو العمل كنشاط حقوقي أو سياسي يعني شيئًا واحدًا فقط، وهو أن تكون عدوًا للدولة”، مضيفًا “في سلطنة عمان، الوضع سيء جدًا، وحاليًا يمكنني القول أنه أصبح أسوأ من ذي قبل، وبوجه عام، لا أحد في سلطنة عمان يمكن أن يكتب أو ينشر أي شيء ضد النظام أو انتقاد السلطان قابوس، الذي يتمتع بسلطة مطلقة”.
مصر
تصنف مصر في المرتبة رقم 159، أسفل العراق، ومن بين 18 دولة ذكرها “مراسلون بلا حدود”، وتعتبر “حرة جزئيًا”، وأصبحت مكانًا لا يمكن التنبؤ به بالنسبة للصحفيين.
وقالت الخازن، “إن هذا هو الوقت الأسوأ بالنسبة للصحفيين في مصر، ويشعر الخبراء والصحفيون بأن النظام أصبح يتسم بجنون العظمة، وأكثر حساسية تجاه أي نوع من النقد للنظام أو سياساته أو صنع القرار، وتتقلص حرية التعبير أو الاستقلال، ولا يعرف الصحفيون أين ستتوقف القيود المفروضة عليهم”.
يذكر أنه تم حظر بعض وكالات الأنباء، وتُمارس الرقابة التقليدية والذاتية على نطاق واسع، كما سجنت مصر عددًا قياسيًا للصحفيين، ووفقًا لما قالته الخازن “تحولت مصر إلى دولة بوليسية”.
وقال أحد الصحفيين، “أصبحت مصر كابوسًا، لقد كنت في مصر لعدة مرات، وكان هناك الكثير من القيود لأنه يمكن أن يتم القبض عليك لأي سبب، فقط لأنك صحفي”.
وفي الماضي، اعتاد الصحفيون الأجانب التعرض للمزيد من الحرية، أكثر من الصحفيين المحليين، ومع ذلك، استمرت البلاد في القتال من أجل الاستقرار، حتى المراسلين الدوليين لم يأمنوا من القبضة الحديدة في مصر.
سوريا
سوريا، التي تخوض حربًا أهلية بعد قمع الثورة منذ العام 2011، تقع في المرتبة رقم 177 من أصل 180 وفقًا لمؤشر “مراسلون بلا حدود”، ما جعلها البلد الأقل حرية في منطقة الشرق الأوسط، وتنقسم البلاد بين الحكومة والجماعات المتمردة، وقال ليز سلاي، مدير مكتب بيروت لصحيفة “واشنطن بوست”: “ليس هناك حرية لأحد في سوريا في الوقت الراهن”.
وبين عمليات الخطف والقتل والاعتقالات، فرّ جميع الصحفيين المحليين والأجانب من سوريا، لأنها خطرة إلى حد بعيد للعمل، وجاءت معظم التغطية الصحفية للحرب الأهلية من خارج البلد، الذي مزقته الحرب، وتعرض الصحفيون الأجانب لوقت أصعب بكثير في التغطية من الصحفيين المحليين، وذلك وفقًا لسلاي، الذي توجه لسوريا في عدد من المناسبات على كلا الجانبين الحكومة والمتمردين.
وقال سلاي، في جانب النظام، بقي الصحفيون (المحليون) تحت الرقابة، وتعرض الصحفيون الذين يحاولون انتقاد الحكومة للفرار أو السجن، ومن تبقوا هم فقط الموالون للحكومة، وفي جانب المتمردين، الوضع أكثر فوضوية ويتمتع بقدر أكبر من حرية الصحافة”.
تضيف الخازن، “إن سوريا تعد قبرًا للصحفيين”.
المملكة العربية السعودية
تقع المملكة العربية السعودية في المرتبة رقم 165 في مؤشر حرية الصحافة، وهي البلد المشهور بقمع الصحفيين ووسائل الإعلام، لكن على عكس بعض دول الشرق الأوسط الأخرى، هذه ليست ظاهرة جديدة، وقال آدم جوجل، وهو باحث في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة “هيومن رايتس وواتش”، “لا توجد حرية صحافة في المملكة العربية السعودية، وهناك رقابة مشددة على كافة وسائل الإعلام، كذلك هناك القليل جدًا من النقاشات العامة، ولا يوجد مطلقًا أي انتقاد للدين أو الملك أو العائلة المالكة، وأي شيء قريب من الانتقادات يتعرض لرقابة مشددة، كما أن الشخص الذي يتجرأ على القيام بذلك يتم إلقاء القبض عليه”.
وتنوه الخازن قائلة “إن الصحفيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان ممنوعون من السفر، ويمكن رفع دعوى قضائية ضدهم ويتعرضون لخطر السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات، ويتم إدانتهم تعسفيًا بسبب أي انتقادات”.
ووفقًا لما يقوله بعض الصحفيين، عندما يسافر الصحفيون الأجانب إلى السعودية لتغطية حدث، غالبًا ما يصحبهم مسؤول حكومي يعمل كرقيب ويمنع المواطنين العاديين من إجراء لقاءات مع الصحفيين، خوفًا من الاعتقال.
سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام دفعت المواطنين لاستخدام منصات الإعلام الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك للتعبير عن آرائهم ومعارضتهم، وتقول الخازن، “إن المكان الوحيد لحرية التعبير يمكن العثور عليه على وسائل الاتصال الاجتماعية والإنترنت، لكن فقط إلى حد معين”، وتضيف، “الناس لا يمكنهم الانتقاد بسهولة وبطريقة حرة، لأنه بمجرد أن يصبحوا ذوي شعبية (على وسائل الإعلام الاجتماعية)، يتم استهدافهم من النظام ويمكن إيجاد أي ذريعة لإسكاتهم”.
وكما انتقل الناس إلى منصات وسائل الإعلام الاجتماعية خلال السنوات الخمس الماضية، اتبعت الحكومة نظامًا لفرض الرقابة على الإنترنت، وبالنسبة للصحفيين، لا يبدو أن هناك ضوء في نهاية النفق.
ويقول أحد الصحفيين، “إن الخوف لا يتمثل فيما نقوم به الآن، لكن فيما يمكن أن يحدث لنا في المستقبل، إننا نحاول أن نظهر كل ما يحدث في المجتمع، لكن الحكومة لا تريد أن تظهر هذه الأشياء، والخوف من أن يتم القبض علينا لشيء فعلناه ويجب أن يعرفه عنه الناس”.
ودعت هيئات ومنظمات دولية، مثل “مراسلون بلا حدود”، الأمين العام للأمم المتحدة لتعيين حامٍ للصحافة، من أجل الدفاع عن حقوق الصحفيين وزيادة انتشار المعلومات غير الانحيازية.
المصدر: ميديا لاين – ترجمة: التقرير