ترجمة وتحرير نون بوست
لقد اعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في إحدى تصريحاته أن انهيار الاتحاد السوفيتي هو “كارثة سياسية”. ولكن من الواضح أن المفكر السياسي الذي يملك اليوم تأثيرا أكبر على بوتين روسيا، ليس هو مؤسس نظام الشيوعية، فلاديمير لينين، وإنما هو المفكر الروسي، إيفان إيلين ملهم الفاشية الروسية.
توفي هذا الفيلسوف السياسي اللامع منذ أكثر من 60 سنة، ولكن تم إحياء أفكاره في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. كما أعيد نشر وطباعة كتبه بعد1991. ولقد كان إيفان إيلين المرجع النظري الأهم بالنسبة للرئيس الروسي، الذي استشهد بمقولاته مرارا في خطابه السنوي للمجلس الفيدرالي وكذلك في خطابه عن حالة الدولة.
ولرد الاعتبار لهذا الفيلسوف، قام بوتين بإعادة جثته من سويسرا، واستعادة أرشيفه من ولاية ميشيغان الأمريكية. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الروسي، زار مرارا قبر إيلين المتواجد في موسكو، ووضع الزهور عليه.
وكذلك يمكن القول أن بوتين لم يكن المتأثر الوحيد بفكر إيفان إيلين من نخبة الكرملين. فقد كان السياسي الروسي فلاديسلاف سوركوف، مسؤول الدعاية في روسيا، يعتبر أن إيلين قوة فعالة في حد ذاته. وأما الرئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، الذي شغل منصب رئيس بين عامي 2008 و 2012، كان يوصي طلابه دائما بقراءة كتب إيلين. كما كان إيلين أيضا، مرجع في خطب كل من وزير الخارجية، ورئيس المحكمة الدستورية وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية.
ما هي الأفكار التي أدت إلى أن يحظى إيلين بهذا التقدير؟
يعتقد الفيلسوف إيفان إيلين أن الشخصية الفردية هي بطبعها شريرة. كما كان يرى أن الطبقات الوسطى والأحزاب السياسية والمجتمع المدني هي التي تمثل الشر، لأنها تشجع على تطوير شخصيات وراء هوية واحدة من المجتمع الوطني.
ووفقا لإيلين، فإن الغرض من السياسة هو التغلب على الأفكار الفردية، وإقامة مجموعات حية تمثل كامل المجتمع. وقد روج إيلين في كتاباته في سنوات العشرينات والثلاثينات، بعد طرده من الاتحاد السوفياتي، وعندما أصبح أحد أبرز منظري الحركة البيضاء الروسية المناهضة للبلشفية، على أن موسوليني وهتلر يعتبران من القادة المثالين الذين قاموا بإنقاذ أوروبا عن طريق حلّهم للديمقراطية. وقد سلطت مقالته في سنة 1927 ، الضوء على “الفاشية الروسية”، مبرزا تأثره الشديد بإخوانه البيض، والفاشيين. وفي وقت لاحق، خلال الأربعينات والخمسينات، قدم إيلين الإضافة في كتابة الدستور الروسي المقدس ذو النزعة الفاشية والذي يحكمه “دكتاتور وطني” يستوحي أفكاره وسياساته من روح الأمة.
كما أن هذا القائد سيكون مسؤولا عن جميع وظائف الحكومة في دولة مركزية تماما ستعقد فيها الانتخابات، ويتم فيها التصويت، لكنها لن تكون إلا مجرد طقوس لدعم قائد الدولة. كما قال إنه “يجب علينا أن نرفض الإيمان الأعمى في عدد من الأصوات وفي دلالتها السياسية”.
وعلى ضوء عملية رد الاعتبار لإيلين ليصبح المنظر الرائد في روسيا، ينبغي أن يُنظر إلى عملية تلاعب موسكو بالانتخابات، على أنها لا تمثل فقط فشلا لتحقيق الديمقراطية ولكنها تخريب لمفهومها الصحيح. فلا الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر/ كانون الأول سنة2011 ولا الانتخابات الرئاسية التي نظمت في آذار/مارس 2012، أنتجت أغلبية لحزب بوتين أو لبوتين شخصيا، لكن تم إضافة الأصوات ليحصل على نتيجة حاسمة لصالحه.
وقد تم اعتبار الروسيين الذين احتجوا على نتيجة الانتخابات الحاسمة كأعداء للوطنية. كما اعتبر عناصر المنظمات غير الحكومية، أنهم “عملاء أجانب” وهم من قاموا بتحريض هؤلاء الروسيين. حتى إن بوتين قد ادعى أن وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، هي من حرضت المعارضة الروسية للخروج إلى الشوارع والاحتجاج. وتجدر الإشارة إلى أن فكرة الدفاع عن الديمقراطية التي تعني خيانة روسيا، تتفق تماما مع وجهة نظر وفكر إيفان إيلين.
منذ ذلك الحين، اعتمد بوتين على قوة فكر إيلين الذي مثّل نقطة تحول رئيسة في السياسة الروسية وحافزا لعودته إلى السلطة في عام 2012، ونقطة حاسمة في قرار التدخل في أوكرانيا عام 2013، أو ضم الأراضي الأوكرانية في سنة 2014.
وقد ادعى بوتين في الربيع الماضي، أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تدخلت في الانتخابات البرلمانية الروسية التي نظمت في تلك الفترة. كما ادعى أنها ستتدخل في الانتخابات الرئاسية الروسية التي ستعقد عام 2018. وعموما، تهدف هذه الادعاءات المتعلقة بالتدخل الأمريكي المستمر لإظهار أن العملية الديمقراطية ليست إلا لعبة سياسية.
وفي المقابل، يبدو أن القادة الروس على وعي بأنه يجري امتصاص مفهوم الديمقراطية في بلدهم، هم يسعون أيضا إلى تشويه سمعتها في الخارج بما في ذلك انتخابات الولايات المتحدة لهذا العام. حيث إن التدخلات الروسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا تهدف فقط إلى دعم مرشحها المفضل، دونالد ترامب، الذي يدعم السياسة الخارجية الروسية، بل هي وسيلة أيضا لإسقاط أيديولوجيةٍ جديدةٍ تقول إن الديمقراطية ليست وسيلة لتغيير القيادة في الداخل فقط، وإنما هي أيضا وسيلة لإضعاف الأعداء في الخارج.
وإذا نظرنا في المشهد السياسي الروسي بمنظور إيلين، فإنه سيتبين أن التلاعب بانتخابات روسيا هو فضيلة وليس العكس، كما أن الهيمنة على الديمقراطية في جميع أنحاء العالم هو خدمة للبشرية.
وإذا كانت الديمقراطية هي مجرد دعوة إلى التدخل في الشؤون الأجنبية، فإن قرصنة بريد إلكتروني لحزب سياسي أجنبي هو شيء منطقي جدا في هذا العالم. وفي هذا السياق، قد كتب إيلين، أن “الفهم الحسابي للسياسة” مضر، كما إن التدخل في الانتخابات الأجنبية من شأنه أن يكون مجرد وسيلة لا غير”.
ومنذ عشر سنوات، استخدمت روسيا المتطرفين اليمينيين من أجل مراقبة مسار الانتخابات، كما استخدمتهم في الآونة الأخيرة، أيضا في الاستفتاءات الهزلية المتعلقة بالتدخل في شبه جزيرة القرم وفي منطقة دونباس الأوكرانية، من أجل تشويه سمعة كلا من الانتخابات ومراقبيها.
وبما أن الديمقراطية هي مجرد خدعة، كما يعتقد إيلين، فإنه من المنطقي والجيد اعتماد إجراءات ووسائل من أجل تشويه سمعتها. ومن الجدير بالذكر أن حملة ترامب تتبنى هذه الممارسات ذاتها، وبذلك يمكننا أن نتنبأ بعمليات الغش التي ستحصل من أجل تغيير نتائج الانتخابات لصالحه.
كما أن اعتماد روسيا لتقنية تقويض الديمقراطية في الخارج، أصبح يولد الشك حول مصداقية الإجراءات الديمقراطية، وذلك من أجل جعل الأفكار الديمقراطية مشكوكا فيه. ولذلك يمكن القول أن أمريكا أصبحت تشبه روسيا كثيرا. وإذا فاز السيد ترامب، سيعتبر ذلك فوزا لروسيا، وإذا خسر وشكك الناس في مصداقية النتيجة الأخيرة للانتخابات، سيعتبر ذلك أيضا نجاحا للفكر الروسي.
وبالنسبة لموسكو، فمن الأسهل إسقاط الديمقراطية في الخارج للادعاء بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في الداخل. كما ستبدو روسيا أقوى إذا تجنبت بعض الدول الأخرى، السخرية من الديمقراطية وذلك لصالح ازدهار مفهوم السلطوية. وعموما يجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وإلا سيصبح تنظيم انتخابات وتمويل حملات انتخابية أمرا لا جدوى منه.
ولهذا يجب على الأميركيين الحرص على إصلاح العملية الديمقراطية، وإعطاء الأولوية الكبرى لحماية سلامتها. كما أن توجه كل الناخبين للاقتراع والتعبير عن أراءهم سيكون أمرا حاسما وفارقا للمواطنين والنظام الانتخابي ككل. وبالتالي يجب أن يكون مسار العملية الانتخابية بسيطا وآمنا ونموذجيا إلى حد كبير.
المصدر: نيويورك تايمز