شياطين أو متغطرسون أو قادة ملهمون: أشخاص غيروا التاريخ

did-enlightenment-thinkers-believe-society-should-changed2

من بين ملايين البشر، هناك أشخاص تحدوا الظلم والعبودية والجبروت والإمبراطوريات، وغيروا مجرى التاريخ، وأصبحت قصصهم إلهامًا للبشر من بعدهم، وآخرون تسببوا في نكبات للبشر يعاني منها العالم حتى اليوم.

نظرة موضوعية

في حال نظرنا للموضوع من جانبه النظري والتاريخي فقط، سيكون لزامًا علينا أن نضع سيد الخلق سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم -، على رأس قائمة هؤلاء الذين تحدوا الظلم والجاهلية، بحنكة يفتقدها الكثير من السياسيين في وقتنا الحالي، حينما استمر في دعوته، واستخدم استراتيجيات وتكتيكات كثيرة من الدعوة السرية إلى الجهرية للأمر بالهجرة، وأقام دولة الإسلام في المدينة المنورة، وأنشأ جيشًا قويًا، وغزا الغزوة تلو الأخرى.

أو القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، الذي اقترن اسمه بالفتوحات الكبرى، بينها بيت المقدس، حتى إن امبراطور ألمانيا فليلهم الثاني، قال عنه إنه “ملك بلا خوف ولا ملامة، علّم خصومه الفروسية الحقيقية”.

غاندي… الزعيم الروحي

لكننا هنا نتناول التاريخ الحديث والمعاصر، بعد نشأة الأمم وتكون الإمبراطوريات، وأولها بالطبع الزعيم الروحي الهندي، “المهاتما غاندي” الذي رفض واقع البلاد، وثار بطريقته الخاصة، صاحب الثورة الهادئة، التي تتمثل في السلمية التامة نحو التغيير.

غاندي المحامي الهندي الذي ناضل من أجل حقوق المدنيين، قاد الفلاحين والمزارعين والعمال للثورة على جور القوانين، التي كانت ضدهم في التعامل، والضرائب التي كانت تفرض عليهم، وبدأ بنفسه وردائه ذي القطعة الواحدة، الذي أصبح رمزًا للباس الهندي فيما بعد.

وعلى الرغم من اختلاف الديانات بالهند، كان غاندي يحظى باحترام الجميع؛ لأنّه صاحب حق، ويدافع عن هذا الحق بكل قوة وسلمية، ويتخذه الكثيرون كرمز للثورة والتغيير، حتى استطاع تحرير بلاده من الاستعمار الذي جثم على نفوس شعبها لمئات السنين، بعدما نجح عصيان الهنود بقيادة غاندى، وتفاوض مع الحكومة البريطانية حتى عام1947 لتمنح الهند استقلالها، وأصبح المهاتما غاندى رمزًا للمقاومة الشعبية فى العالم بأسره، ورمزًا للسلام.

مانديلا.. والأبارتيد

قصة غاندي تتشابه إلى حد كبير مع الزعيم الجنوب إفريقي “نيلسون مانديلا”، الذي عارض نظام الفصل العنصري في بلاده “الأبارتيد”، والذي كان يقضي بفصل السود عن البيض ويمنع عن مواطني البلاد أصحاب البشرة السمراء حق الانتخاب، حتى حكم عليه بالسجن مدى الحياة في العام 63 حينما كان في سن الخامسة والأربعين، وناضل حتى نال السود السود حريّتهم، وأصبح رئيسًا لبلاده.

واشنطن.. مؤسس الفيدرالية

لم يختلف “جورج واشنطن” أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، كثيرًا عن “مانديلا”، حيث بدأ حياته في بيئة زراعية متواضعة، وتلقى تعليمًا متواضعًا، والتحق بالجيش، ويعتبر صاحب استراتيجيات عظيمة، ورؤى كبيرة في تأسيس الجمهورية، باستخدام السطلة الفيدرالية، وخاض عدة حروب ضد البريطانيين كحرب بوسطن وحروب أخرى، كما خاض تجارب في الحياة المدنية، حيث ترأس الاتفاقية الدستورية، التي لها دور في تشكيل الدستور الأمريكي، وسار في الطريق السياسي، حتى تم انتخابه كأول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية لفترتين انتخابيتين من 20 أبريل 1789 ، وحتى 3 مارس 1797، ورفض التمديد لفترة ثالثة، وترك الرئاسة مودعًا شعبه بخطاب جمهوري مؤثر.

أهم إنجازاته التاريخية أنه عمل على تحييد أمريكا وعدم إقحامها في الصراع الدائر بين بريطانيا وفرنسا وقت احتلال بنسلفانيا، ورفض الأخذ بآراء العديد من وزرائه في التحيز لإحدى الدولتين، لتبدأ الإمبراطورية الأمريكية في البزوغ.

لينكولن والعبودية

بعد واشنطن في التاريخ الأمريكي، لم تظهر شخصية أمريكية تستحق التأريخ والتمجيد سوى إبراهام لينكولن، الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة والرجل الذي ألغى العبودية.

 لم تكن قصة لينكولن بالبساطة التي تبدو عليها، فقد انصبّ تركيزه على الحفاظ على وحدة الولايات المتحدة أكثر من اهتمامه بتحطيم القيود، إلا أن انتصاره في الحرب الأهلية، أدّى إلى التعديل الثالث عشر للدستور وإلغاء العبودية فعلًا.

نشأ لينكولن في عائلة فقيرة غرب ولاية كنتاكي، وحاله حال الكثيرين من مشاهير الولايات المتحدة، لم يجد غضاضة في شغل وظيفة بسيطة، فعمل ساقيًا في حانة، ولكنه نجح في الإلمام بمختلف العلوم والمعارف، خلال المراحل الدراسية الأولى، ما عزز ثقته بنفسه حين انخرط في العمل السياسي، وانضم لحزب الأحرار الأمريكي، قبل أن يصبح رئيسًا للولايات المتحدة، وينفرد بعدة أمور على قائمة الأوائل، منها أنه أول رئيس أمريكي يرى ضرورة مشاركة المرأة في التصويت، وكان هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي سجل براءة اختراع.

هتلر.. سفاح تاريخي

من أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ الحديث هو الزعيم الألماني أدولف هتلر، الذي حكم البلاد 12 عامًا بين 1933 إلى 1945، وتسبب في الحرب الأكثر دموية في التاريخ التي سببت تداعيات كبيرة على أوروبا والعالم.

يعتبر أدولف هتلر واحدًا من أكثر الشخصيات إثارة للجدل على مرّ التاريخ، بسعيه للسيطرة على العالم، يصفه البعض بالشيطان ويصفه آخرون بالمتغطرس، وهناك من يعتبره قائدًا ملهمًا، بينما اختارته مجلة التايم البريطانية واحدًا من بين مائة شخصية تركت أكبر الأثر في تاريخ البشرية في القرن العشرين.

انتهج الفورهر – كما كان يُلقّب – سياسة خارجية هدفها المعلن الاستيلاء على ما أسماه بالمجال الحيوي لألمانيا، لتأمين وجود ألمانيا النازية، وضمان رخائها الاقتصادي، وخلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب العالمية الثانية سيطرت قوّات الفورهر على معظم القارة الأوروبية “باستثناء بريطانيا” واحتلّت ثلث مساحة الاتحاد السوفيتي، ووصلت إلى مشارف العاصمة موسكو، وقتل ما يقارب 17 مليون شخص.

تشرشل.. منقذ أوروبا

صعود نجم هتلر أجبر بريطانيا في العام 1940 ، على إحضار ونستون تشرشل إلى السياسة مجددًا في سن الـ 65 ، حينما بدأ هتلر مسيرته المدمّرة وبدا إيقافه شبه مستحيل، وصُبغت آفاق بريطانيا بلون الكآبة.

وفي خطابه الأول كرئيس للوزراء أمام مجلس العموم، قال: “ليس لديّ ما أقدّمه إلا الدم والكد والدموع والعرق”، عرف أن الحرب ربما تكون طويلة وشاقّة، فتودد إلى الولايات المتحدة لمشاركة بريطانيا في القتال ضد ألمانيا النازية، وعلى الرغم من كرهه الشديد للاتحاد السوفيتي الشيوعي، أدرك أنه يحتاج مساعدتهم، وبالفعل استطاع أن يضم كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ومن خلال هذا الانضمام استطاع تشرشل أن ينقذ كل أوروبا من سيطرة ألمانيا النازية.

وفي عام 1945، جعل من الرقم سبعة علامة للنصر، بعدما رسمها بسبابته وإصبعه الأوسط، بعد إسقاط قوات هتلر، وتدمير الإمبراطورية الألمانية ليغير مجرى التاريخ، بعد أن ترك خلفه حقائب مكتظة بأمجاد متنوعة، حيث مثلوا شخصيته في 16 فيلمًا ومسلسلاً، ومنحوه 7 دكتوراة فخرية، وفاز بجائزة نوبل في الأدب عن أعمال عدة، أهمها مجموعة ألفها من 6 مجلدات عن الحرب العالمية الثانية، كما اختاروه الأول بين “أعظم 100 بريطاني”، وفي 1963 منحته الولايات المتحدة المواطنة الفخرية، وسمت إحدى مدمراتها باسمه، وصكت بريطانيا عملة نقدية باسمه وصورته.

كرومويل… الجمهوري الذي هزم الملكيين

الكثير من الذين زاروا مدينة لندن، لا بد أن يكونوا قد مروا، أو زاروا محلات هارودز الشهيرة، التي تعتبر من معالم لندن، وكذلك مستشفى شهير في لندن هو مستشفى كرومويل، يقعان على شارع اسمه شارع كرومويل، ولكن كثيرين لا يعرفون من هو كرومويل؟.

ليس في تسلسل الملكية البريطانية سوى انقطاع واحدة، هو تلك الفترة التي توفي فيها الملك شارل الأول، فطغت العواطف وبرز رجل أخضع الأمة لإرادته كان هذا الرجل هو أوليڤر كرومويل.

في عهد شارل الأول ظهر أوليفر كرومويل على مسرح السياسة العامة البريطانية، في العام  1628، وبسبب خلافاته كرئيس للبرلمان والملك، تسبب في حربين أهليتين ببريطانيا راح ضحيتها آلاف الأشخاص، حتى أطلق عليه لقب “أشهر المرضى النفسيين في التاريخ”.

كان عضوًا منتخبًا في البرلمان في كامبريدج، وقاد البرلمانيين أو الجمهوريين في معارك الحرب الأهلية البريطانية ضد الملك تشارلز الأول.

اندلعت الحرب الأهلية البريطانية، في إنجلترا بين عامي 1642 – 1651م، بعدة معارك وقعت بين الملكيين أنصار الملك تشارلز الأول من جهة، والبرلمانيين الجمهوريين بمساعدة الإسكتلنديين بجِوارهم كحُلفاء، من جهة أخرى، واستمرّت 14 عامًا مزّقت الجزر البريطانية.

سوار الذهب.. اللامع

فى العام 1985 كان السودان يمر بظرف تاريخي، انتفاضة شعبية كبرى، اندلعت في شوارع الخرطوم، وسائر البلاد ضد الرئيس الأسبق جعفر نميريي، الذي كان يحكم منذ العام 1969، واستمر طوال 16 عامًا يقاوم التغيير، خاصة أنه جاء للحكم بانقلاب عسكري، أجهض تجربة ديمقراطية سودانية في النصف الثاني من الستينات، إلا أن جاء المشير السوداني عبد الرحمن سوار الذهب ليقود انقلابًا عسكريًا على الرئيس جعفر نميري في انتفاضة 1985، ولكنه يعتبر العسكري الوحيد في العالم العربي الذي لم يستأثر بالكرسي وسلم الحكم لحكومة مدنية منتخبة عام 1986، لرئيس الوزراء الصادق المهدي والرئيس احمد الميرغني، ثم اعتزل الحياة السياسية.

 يعد سوار الذهب الرئيس العربي الوحيد الذي لم يغادر كرسي الرئاسة ميتًا أو معتقلاً أو منفيًا أو مسجونًا أو فارًا أو متنحيًا أو متنازلاً عن العرش بناء على ضغوط أو ثورات.

هذا الرجل الذي لم يجد التاريخ بمثله على الأقل عربيًا، فصدام حسين انتهى على المقصلة الأمريكية، والقذافي انتهى بطلقة في الرأس بعد مطاردة من زنقة إلى زنقة، وعلي عبد الله صالح حرق ثم عاد ليعيث باليمن فسادًا، وزين العابدين بن علي فر في جنح الليل إلى جدة، والأسد لازال يقتل ويدمر في سوريا، والجزائر يحكمها رئيس مقعد لا يتحدث.