كان في الثلاثين من العمر، للتو تخرج في كلية الطب، كان غريب الأطوار لعقد نفسية مستحكمة، يدعي التدين والوطنية، وما إن دخلت القوات الأمريكية حتى هرول إليها، ليرتمي بأحضانها، ليصبح عبدًا ذليلاً للقوات الغازية، وليتحول من طبيب إلى مقاول، يملك ملايين الدولارات، فكان أحد مقاولين السوء الذين تقاسموا أموال العراق مع جنود أمريكا، تحت عناوين الوهم والكذب.
الحديث عن بعض المقاولين العراقيين ذو غصة في قلوب الناس، فئة من المقاولين قامت بسرقة المال العراقي، بشماعة الإعمار والبناء، هذه الفئة السيئة نمت برضع حليب الغزاة، حيث كان مشروع بريمر هو بيع الأوهام للعراقيين.
يذكر أن صندوق تنمية العراق (DFI) أنشئ في أيار من العام 2003، من قبل مدير سلطة الائتلاف المؤقتة وتم الاعتراف به، بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1483 وبعد حل سلطة الائتلاف في حزيران من العام 2004، تم تفويض الحكومة الأمريكية من قبل حكومة العراق لإدارة أموال صندوق تنمية العراق، التي أتيحت لمشاريع إعادة الأعمار، وقامت وزارة الدفاع الأمريكية بإدارة أموال الصندوق المذكور نيابة عن الحكومة الأمريكية، وقد تم سحب التفويض اعتبارًا من 31 كانون الأول 2007.
وتم نقل مئات الملايين من الدولارات في أكبر عملية نقل جوي للأموال، والغاية المعلنة الإعمار، لكن الذي حصل هو أكبر عملية لتبديد المال العراقي، وبتصريح من مكتب المحاسبة الأمريكية الذي أجرى فيما بعد مراجعة لمشاريع الإعمار، التي كانت تحت إشراف القوات الأمريكية، حيث أنه سحب 21 مليار دولار من الصندوق، لكن المفتش العام أكد أن هناك 8.8 مليار دولار قد صرفت من دون مستندات صرف أو وثائق تبين كيفية صرفها، على الرغم من أنها مؤشرة كمبالغ مصروفة في زمن بريمر، كما أنه تم صرف 7 مليار دولار وفقًا لوثائق تحتوي على إشكالات وخروقات بخصوص المطابقات، كما أن هناك مبالغ أخرى تصل قيمتها إلى 25 مليار دولار كانت قد دخلت صندوق التنمية، وصرفت في مشاريع أمنية من تجهيزات عسكرية وغيرها، المبلغ الكلي قيد التدقيق يبلغ 61 مليار دولار.
لكن كيف سُرقت الأموال، وأين ذهبت أموال صندوق العراق، ولماذا سرقت أموال العراق؟
مضاعفة كلفة الإعمال مئات المرات!
أتذكر قصة صديق قديم لي قال: طلبت لجنة أمريكية عام 2006 إعمار مدرسة، فجلس المقاول وعمل دراسة للمطلوب، فحسب أن تكلفة الإعمار المطلوبة هي ثمانية عشر مليون دينار، وله فيها خمسة مليون صافي ربح، فقدمها للجانب الأمريكي فقالوا له ما هذه الأرقام البسيطة، اضف رقم صفر ليصبح المبلغ مائة وثمانون مليون دينار ولهم النصف! فوافق وفرح بشدة، مع أنه مال عراقي يهدر ويسرق بوضح النهار.
عمد الجانب الأمريكي على تنفيذ أعمال قشرية مثل صبغ المدارس أو توزيع حقائب أو بناء سياج أو إعمار رصيف وهذا يكون مقابل كلفة مضاعفة مئات المرات عن الكلفة الواقعية، ويتم تقاسمها مع المقاول، وهكذا تبددت الأموال بين سلطة غازية لا تهتم بأموال العراق ومقاولين لا ضمير ولا قيم ولا خوف من الله.
بالتالي أصبح لدينا طبقة فاحشة الثراء، نتيجة مشاركتها الجانب الأمريكي في هدر الأموال العراقية، والحقيقة الحلم الذي نتمنى تحققه هو أن تحين التفاتة من القضاء العراقي لمتابعة أموالنا التي يتنعم بها السراق.
استغلال الجانب الأمريكي لصعاليك المجتمع
ذات مرة حدثني الأستاذ نعمة – أستاذ اللغة العربية – عن مأساة منطقتهم فقال: كان في منطقتنا شاب عاطل عن العمل، وكان يسمى بحرامي الملابس لكثرة سرقاته لملابس الغسيل، وبعد 2003 تقرب للقوات الأمريكية، وأصبح يعمل معهم، يأتي لهم من السوق بما يرغبون، وبدأ يأخذ مقاولات إعمار للحي، مثل إعمار مدرسة! أو بناء متنزه! أو تبليط شارع ! ومع الأيام تحول إلى غول كبير، فهو اليوم صاحب شركة مقاولات رأس مالها بالمليارات! جاءت عبر مال يقسم بين القوات الأمريكية وحرامي الغسيل، عن أعمال وهمية تتحول تكلفتها بمئات الأضعاف عن التكلفة الطبيعية.
لماذا السكوت على هؤلاء اللصوص لليوم؟ وهم يتنعمون بأموال الشعب العراقي؟ لماذا لا يتم مساءلتهم من أين حصلوا على هذا الغناء الفاحش؟ بالمقابل اليوم تتواجد طبقة واسعة من الشعب تعيش تحت خط الفقر والحاجة، فالفقراء سرقت أموالهم من قبل هذه الطبقة القذرة.
المراجعة والتدقيق المهني هو مطلبنا
إنها قضية أهملت كثيرًا، ولم يتابعها القضاء ولا ديوان الرقابة ولا هيئة النزاهة، مع أنها تخص مليارات الدولارات من الأموال العراقية، ولو أنها حصلت في دولة أخرى لسقطت الحكومة والهيئات الرقابية، ولحصلت ثورة إلى أن تعود الأموال المنهوبة، فنطالب بفتح هذا الملف عبر تجميع قاعدة بيانات عن هؤلاء المقاولين والتجار، وحصر ما يملكوه، مع مطالبة الجانب الأمريكي بالأوراق والمستندات التي تخص أعمال الإعمار التي قاموا بها، وحصر المبالغ المسروقة، ثم مطالبة كل واحد من هؤلاء اللصوص بالمبلغ الذي في ذمته، وإلا يتحول إلى القضاء، هذا يحتاج لهمة ديوان الرقابة وهيئة النزاهة والضغط الإعلامي.
ننتظر أن يتم التصحيح، وألا يسكت الشعب عن ماله المسروق، فما ضاع حق وراءه مطالب.