لم يعد سرًا، أن سياسة الترحيب التي انتهجتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد ولت، وإذا كانت نبرة ميركل نفسها قد تغيرت فكيف بغيرها؟ لا شك أن الوضع ازداد تعقيدًا، فالاعتداءات على اللاجئين قد تضاعفت كثيرًا وفوق هذا فقد سنت قوانين كثيرة متعلقة باللاجئين جعلت حياتهم أكثر صعوبة كما جعلت حلم بقاء أكثرهم صعب المنال، بالأخص أن أكثر اللاجئين الآن لا يحصلون إلا على “الحماية المؤقتة” فقط، وهذا يذكر بتدفق لاجئي البوسنة والهرسك إلى ألمانيا بين 1992 و1995 وكيف اضطر أكثرهم لمغادرة ألمانيا بعد انتهاء الحرب، فإذا كان سيطرد فمن سيبقى إذن؟
المتابع للإحصائيات المتعلقة بمعاداة الأجانب يدرك بما لا يدعو للشك أن الأمر قد تفاقم كثيرًا، وإذا كنا سنورد ما يخص الاعتداء على مساكن اللاجئين، فقد سجل المكتب الاتحادي للتحقيقات الجنائية أكثر من 1000 اعتداء خلال عام 2015 فقط، وهو ما يقدر بخمسة أضعاف عدد الاعتداءات المسجلة عام 2014، أما في عام 2016 فقد سجل المكتب حتى منتصف العام أكثر من 50 محاولة إحراق مساكن، إلا أن مؤسسات حقوقية ألمانية مثل (برو-أزول) شككت بإحصائيات المكتب الاتحادي وأكدت بأن العدد الفعلي هو 90 حريقًا، هذا غير 700 اعتداء على لاجئين، كان حصيلتها أكثر من 200 جريح، في نصف عام 2016 فقط!
من ميركل إلى بسام طيبي!
كل هذه الأرقام تبقى مجرد أرقام والمعاناة الحقيقة لا يمكن أن يكشف عنها إلا قصص هؤلاء ومعاناتهم، فهي لا شك أصعب بكثير، بل إن النبرة والخطاب الإعلامي السائد حاليًا لا يوحي بالترحيب أبدًا، فحتى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي أكدت لجمهورها أكثر من مرة “Wir schaffen das” بمعنى “نحن نستطيع” أن نستوعب اللاجئين جميعًا، أصبحت تتحدث عن قوانين قاسية لمن لا آفاق لبقائهم وعقوبات قاسية لمن لن يلتزم بالقانون – ويتعلم الألمانية مثلًا -، أما وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير فهو يؤكد أنه لن يتم السماح لكل لاجئ بالبقاء.
هذا ونحن لم نتطرق بعد إلى سياسية حزب البديل من أجل ألمانيا AfD المناهض للاجئين وكذلك للإسلام والمسلمين، فهو يرفع شعار “معًا لإنهاء فوضى اللاجئين” وقد ساعده ذلك في تحقيق نتائج تاريخية مع أنه لم يتأسس إلا عام 2013، فهناك توقعات أنه وبحلول الانتخابات البرلمانية العامة في سبتمبر 2017 قد يصبح ثالث أقوى حزب في ألمانيا، وفي هذا تهديد حقيقي للاجئين ومستقبلهم في ألمانيا، بل وربما مستقبل الاتحاد الأوروبي نفسه، فالحزب البديل تأسس لأسباب اقتصادية في البداية، وقد جمع حوله المعجبين بعد أن رفع شعار إسقاط عملة اليورو.
وقد يتخيل البعض أن اليمين المتطرف وحده من يحرض ضد اللاجئين، ولكن في الواقع فإن بعض المهاجرين من أمثال بسام طيبي وهو أستاذ جامعي سوري يحمل الجنسية الألمانية قد صرح في لقاء له مع صحيفة “Die Welt” الألمانية أنه ضد سياسة ميركل وأنها بقرارها السماح لمليون ونصف شخص الدخول إلى ألمانيا تقوم بتغيير شكل ألمانيا إلى الأبد، واعتبر أن وجود اللاجئين في الشوارع أمرًا مخيفًا بالنسبة له، وبما أن الصحيفة من أنصار إسرائيل في ألمانيا فقد استغل الأستاذ الجامعي الموقف للتأكيد بأن السوريين معاديين للسامية، كما أكد بأنه تحدث مع الكثير منهم ولم يجد بينهم طبيب ولا مهندس، كما استشهد بمقابلته للاجئة لم تعرف معنى “اللجوء السياسي”، كدلالة على تخلف اللاجئين.
إجراءات قانونية معقدة
آخر الإحصائيات أشارت أن ثلثي الألمان ضد سياسة الترحيب التي اتخذتها ميركل، وهو سبب من أسباب – ليس السبب الوحيد – الهزائم المتراكمة التي مني بها حزب ميركل – الاتحاد الديمقراطي المسيحي -، وهو ما يفسر لربما منح معظم السوريين مؤخرًا ما يعرف بالحماية المؤقتة subsidiärer Schutz، وهو إجراء يقيد الكثير من طموحات بعض اللاجئين في البقاء في ألمانيا بمنحهم حق الإقامة لمدة سنة واحدة بدل ثلاث سنوات وتجدد الإقامة سنويًا لخمس سنوات، ومن ضمن القيود التي ستفرض على اللاجئ هي حرمانه من لم شمل أسرته لمدة سنتين ومنعه من العمل في قطاع الأعمال الحرة وكذلك حرمانه من القروض الدراسية المعروف باسم “بافوغ”.
بالإضافة إلى ذلك فإن قانون اللجوء الجديد كان قد لوح بعقوبات مالية على شكل تخفيض للمساعدات الاجتماعية تتهدد من يرفض الالتحاق بدورات اللغة أو ينقطع عن حضورها دون مبرر مقنع، كما أن اللاجئ لن يحصل على الإقامة الدائمة إلا بإتقانه للغة الألمانية، وسواء كنا نتحدث عن مستوى A2 او C1، فهذا يعني أن على اللاجئ – بالأخص من الفئات غير المتعلمة – أن يبذل جهودًا مضاعفة، فالوصول إلى مستوى C1 ليس بالأمر الهين بتاتًا، وفوق هذا يتيح القانون للولايات الألمانية إلزام اللاجئ بالإقامة في منطقة محددة لثلاثة أعوام، وهذا يعني أنه لو تم نقل اللاجئ إلى ولاية فيها نسبة عداء للأجانب أكبر من غيرها مثل ولايات شرق ألمانيا، فلن يكون له خيارًا إلا بالقبول.
هل يكون مصير السوري كالبوسني؟
هذه السياسات تذكر مارينا مارتينوفش التي كتبت لموقع دويتشة فيلة مقالة تتساءل فيها إذا ما كانت ألمانيا ستعيد السوريين إلى بلادهم كما حصل مع البوسنيين سابقًا، فبالعودة إلى تسعينات القرن الماضي، وتحديدًا إلى حرب البوسنة والهرسك حيث تدفق اللاجئون نحو ألمانيا ووصل تعدادهم بين 1992 و1995 إلى أكثر من 400 ألف لاجئ، نجد الحكومة قد اضطرت إلى إجراء تعديلات قانونية، فلم تسمح حينها باللجوء إلا للملاحقين سياسيًا فقط، بحيث توجب على غالبية اللاجئين بالعودة إلى بلادهم بعد انتهاء المعارك، وفعلًا فما إن تم التوصل إلى اتفاقية دايتون للسلام عام 1995 حتى قيل للاجئين: “الآن وقد حل السلام، يمكنكم العودة في أقرب وقت” وهذا ما حصل على أرض الواقع، فبحسب جامعة “بامبيرج” لم يبق من هؤلاء إلا 20 ألف لاجئ فقط، كانوا قد صنفوا ضمن الحالات “الحرجة” جدًا!
من سيبقى؟
الأكيد، أن هناك من سيبقى ولكن كيف؟ بعض اللاجئين أوصلهم الرعب من الطرد إلى اعتناق المسيحة، وقد نشرت تقارير ألمانية كثيرة حول الموضوع من بينها تقارير للكنائس البروتستانتية تؤكد دخول أكثر من 3500 لاجئ في المسيحية منذ 2014، أكثرهم من سوريا والعراق وايران، وفيما إذا كانت نوايا هؤلاء حقيقية، أكدت راهبة لموقع صحيفة “Die Zeit” أنها تقدر بأن 30% ممن يأتونها، يأتون مستعجلين كي يحصلوا على “شهادة تعميد Taufschein” فقط، ولكنهم يغادرون بعد أن تخبرهم بأن عليهم أن يتعلموا المسيحية لأربعة أشهر على الأقل.
وبعيدًا عن هذه الخدع وغيرها، فلا شك أن ألمانيا لن تطرد لاجئًا استطاع تجاوز كل عقبات اللغة ثم حصل على اعتراف بشهادته أو لربما اجتاز تدريبًا مهنيًا أو درس في جامعة ألمانية ثم وجد له وظيفة في سوق العمل – وهو أمر ليس بالهين كما يروج دائمًا – ثم أصبح من دافعي الضرائب، فبحسب الباحث حسام شاكر، لا ينبغي للشكاوى من موجة اللجوء والهجرة المتصاعدة، أن تصرف الأنظار عن مكاسبها المؤكدة لأوروبا مهما كانت جزئية، وبحسب قوله فالشرائح الشابة ستخفف من شيخوخة المجتمعات كما أن دافعي الضرائب منهم سوف يساهمون في تمويل دول الرفاة التي تنهكها زيادة نسبة المتقاعدين.